هل هي خدعة؟
سمع «بو عمير» أحد الاثنَين الجالسَين يقول: إننا نحتاج هؤلاء الأربعة. لم يتوقف «بو عمير»، لقد سمع تلك الكلمات، ثم استمرَّ في طريقه متجهًا إلى «أحمد» عندما وصل إليه، مال عليه وقال: إنَّ معنا بعض أفراد العصابة.
لم يَظهر أيُّ معنًى على وجه «أحمد»، لقد استمر يستمع إلى «بو عمير». جملةٌ واحدة قالها: أين هم؟
ودون أن يَستدير «بو عمير» شرح لـ «أحمد» مكانهما، ولم يكد ينتهي من كلامه، حتى كانت «ريما» قد عادت، وأخذت مكانها بجوار «أحمد»، وهي تَهمِس: هناك اهتمامٌ شديدٌ بالحفلة … يبدو أن كل الذين ركبوا من «روما» … في طريقهم لمشاهدتنا. عاد «بو عمير» إلى مكانه. بعد لحظاتٍ، قام «أحمد»، وأخذ طريقه إلى الاتجاه الذي وصفه «بو عمير». عندما اقترب منه، استطاع أن يؤكِّد ملامح الرجلين في ذاكرته. كان … أحدهما أصلع تمامًا، في نفس الوقت الذي يتمتع فيه الآخر، بشعرٍ غزيرٍ، وبينما كان أحدهما أسمر البشرة كان الآخر أبيض اللون، غير أنهما كانا يتمتعان بعضلاتٍ قويةٍ.
عاد «أحمد» إلى مقعده وأخذ يَستعيد في ذهنه ملامح الرجلين … إذن، سوف يلتقي الشياطين بهذه النوعية من الرجال.
أخرج «أحمد» قطعة من السلك الرفيع، ثم وجَّهها في اتجاه الرجلين، ثم أخرج جهاز الاستقبال الصغير، وأخذ يستمع، فقد كانت قطعة السلك عبارة عن «إيريال» صغير حساس به … بدأ «أحمد» يستمع إليهما، قال أحد الرجلَين، إنَّني أفكر في إقامة حفل عشاء بعد انتهاء حفلة «الكاراتيه» … أدعو إليها هؤلاء الأربعة … فما رأيك يا «روك»؟
قال «روك»: فكرةٌ طيبةٌ، لكن، كيف الوصول إليهم يا «مارش»؟
مارش: هذه مسألةٌ بسيطةٌ … لا بد أن يكون هناك متعهِّدٌ لهذه الحفلة. إننا نستطيع أن نتعرف عليه، وأن ندعوه معهم.
روك: عندك حقٌّ.
مضت لحظة صمت، لم يستمع فيها «أحمد» إلى شيء، ثم بدأ الحديث بين الرجلَين. قال «مارش»: هل تعتقد أن هناك آخرين غيرنا في الحفلة؟
روك: لا أظنُّ، وإلا ما أرسلنا الزعيم.
صمت الرجلان. لقد تأكد «أحمد» الآن، أن «مارش» و«روك» هما البداية … لقد اختصرا له الطريق في الوصول إلى العصابة. وعندما كانت الطائرة تأخذ الطريق إلى أرض المطار، وبدأ الركاب يستعدون للهبوط، كان «أحمد» يُفكِّر في متابعتِهما. أخيرًا توقفت الطائرة، ونزل الركاب الواحد بعد الآخر، غير أنَّ «أحمد» تأخر قليلًا حتى يستطيع متابعة الرجلين، دون أن يَلفِت نظر أحد … وعندما أصبحوا خارج الطائرة … ظل «أحمد» يتتبَّع الرجلَين بعينَيه … ولكنهما اختفيا وسط الزحام … ولم يعد في الإمكان متابعتهما.
أخذ الشياطين طريقهم إلى خارج المطار … وهناك، اقترب منهم سائقٌ، يَلبس ملابس رسميةً، وكأنه يَعمل في منظمةٍ ما … وقال: أيُّها السادة الأبطال … إنني في انتظاركم. ركب الشياطين السيارة، دون أن ينطق أحدهم بكلمة. كانت الثلوج تحيط بالطريق، والجبال العالية يغطيها اللون الأبيض؛ إنها «سويسرا» الجميلة … دخلت السيارة شوارع «برن» … كانت الشوارع نظيفة تمامًا، والفيلات الأنيقة على جوانب الشوارع. لم تتوقف السيارة لحظة، حتى خرجت إلى أطراف «برن»، وأمام فيلا أنيقة توقَّفَت، قفز السائق بسرعة يَفتح الباب، غير أن الشياطين، كانوا أسرع منه.
خطوات قليلة، ثم كانوا داخل الفيلا. لم يكن أحد هناك، وقال السائق: سوف أنصرف، هناك سيارةٌ في الجراج لتنقُّلاتكم. لا يوجد أحدٌ هنا، حسب الأوامر. هل من خدمةٍ أخرى أؤديها؟
شكره الشياطين، فانصرف.
قالت «ريما»: الآن إلى المطبخ.
زبيدة: نعم.
انصرفت «ريما» و«زبيدة»، وجلس «أحمد» و«بو عمير». لم تكد تَمضي دقيقة حتى كان جرس التليفون يرن.
أسرع «أحمد» يرفع السماعة وأخذ يَستمِع إلى المتحدث في الطرف الآخر: مرحبًا بكم. التعليمات أن تبدأ الحفلة غدًا. هل من شيء أؤدِّيه؟
شكره «أحمد» ثم قال: في الموعد سوف نكون هناك.
جهزت «ريما» و«زبيدة» الطعام، فجلسوا جميعًا يأكلون. وعندما انتهوا، قال «بو عمير»: أظن … يجب أن ننام مُبكِّرًا. إنَّ الغد مسألة أخرى.
ابتسم «أحمد» وقال: ليس إلى هذه الدرجة.
قام «أحمد»، وأحضر رقعة شطرنج، كانت موجودةً فوق مكتبةٍ صغيرة، وقال: هيَّا إلى دور شطرنج، إننا في حاجة إليه.
جلس الأربعة حول رقعة الشطرنج. كانت المباراة بين «أحمد» و«بو عمير» … استغرقت المباراة دورًا واحدًا في ساعةٍ كاملةٍ. في النهاية، انصرفوا للنوم. وكان «أحمد» أول الذين استيقظوا. وقف أمام النافذة، فأزاح ستائرها وبدأ يتفرج على الثلوج التي غطت كل شيء، حتى خضرة الأشجار، كان المنظر بديعًا، حتى إنه استغرق «أحمد» تمامًا ولم يُفِق من استغراقه، إلا على صوت «بو عمير» يقول: منظر رائع أليس كذلك؟ ودون أن يلتفت «أحمد» قال: رائع فعلًا.
قبل أن يتناولوا طعام الإفطار، قاموا بعدة تدريبات من أجل استعراض الليلة. وعندما انتهوا من الطعام قالت «ريما»: أظنُّ أننا يجب أن نخرج في رحلة لأنحاء «برن».
لم يردَّ «أحمد» … وهللت «زبيدة»: فكرةٌ رائعةٌ يا «ريما».
قال «بو عمير» بلهجةٍ حادةٍ: لاحِظا أننا سوف نَبذُل جهدًا مضاعفًا الليلة. إنَّ الاستعراض تتوقف عليه مغامرتنا كلها.
هزَّت «ريما» رأسها، ولم تَرُدَّ. وشردت «زبيدة» في اتجاه النافذة تنظر منها. مرت لحظاتٌ صامتةٌ، قال «أحمد» في نهايتها: إن أحدنا يجب أن يبقى؛ فربما جاءتنا رسالةٌ من المقر السري.
وفي النهاية اتفق الجميع، على أن يبقوا في الفيلا … حتى موعد الحفلة التي تحددت لها الساعة الثامنة مساءً.
كانت حديقة الفيلا، أكثر إثارة من مجرد التفكير في الخروج إلى جولة داخل «برن»، ولذلك فقد أخذوا طريقهم جميعًا إلى الحديقة. لكنَّهم ما كادوا يتحركون … حتى دق جهاز الاستقبال.
نظر «أحمد» إلى الشياطين، ثم اتجه إلى الجهاز. جاءتهم رسالة: من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س» … هل هناك أخبار جديدة؟ رد «أحمد»: نعم. لقد بدأت المغامَرة. ثمَّ شرح في رسالة مطولة ما حدث في الطائرة. وأخيرًا جاءته رسالة من رقم «صفر»: أتمنى لكم التوفيق. الباقون جاهزون.
خرج الشياطين إلى حديقة الفيلا … كانت الألوان المتباينة تعطي شعورًا بالراحة النفسية، جعلتهم يجلسون في صمتٍ. لحظةً، ثم قام «بو عمير» من مكانه، إلى سور الفيلا الحديدي. كان هناك رجلٌ يقف بعيدًا قليلًا، وقد وجَّه نظره إليهم. تشاغَلَ عنه «بو عمير» حتى يتأكَّد من أي حركةٍ يقوم بها. عندما رأى الرجل «بو عمير» مشى خطواتٍ بطيئةً مُبتعِدًا … ظل «بو عمير» في مكانه يتتبع الرجل، حتى اختفى في شارعٍ ضيقٍ. عندما عاد سأله «أحمد»: هل حدث شيء؟ قال «بو عمير»: أظن ذلك! … شرح «بو عمير» للشياطين ما رآه … ولم يكد يَنتهي من كلامه، حتى توقفت سيارتان أمام باب الفيلا مباشَرة.
أسرع «أحمد» إلى الباب، ونزل بعض الرجال، كان يبدو عليهم الهدوء … قال واحدٌ منهم يسأل «أحمد»: نحن رجال شركة التأمين.
فكر «أحمد» لحظةً. ثم قال: هل تُريدون أحدًا بالتحديد؟
الرجل: نعم … نُريد الأبطال الذين سوف يُقدِّمون استعراض الليلة. يجب أن نُؤمِّن عليهم ضد الأخطار.
أحمد: أخطار من أي نوعٍ؟
الرجل: هل يُمكن أن نتحدَّث في الداخل؟ لا أظن أننا يمكن أن نتحدث هنا … إنها مسألةٌ لافتةٌ للنظر.
فكر «أحمد» بسرعة. كان «بو عمير» قد اقترب هو الآخر. قال «أحمد»: تفضلوا.
دخل أربعة رجال. كان «بو عمير» يلاحظ خطوات الرجال، حتى لا يفاجئهما أحد بحركة ما.
في صالون الفيلا، أخرج أحدهم عدة استمارات بيضاء ثم قال: لقد طلَب منَّا مُتعهِّد الحفلة أن نقوم بالتأمين عليكم. إنه مبلغ ضخم … إن مدينة «برن» لا تتحدث إلا عنكم، والعصابات هنا كثيرة.
بعد لحظةٍ من التفكير قال «أحمد»: من هو متعهِّد الحفلة؟
ابتسم الرجل ثم قال: لا أظن أنكما تعرفانه.
بو عمير: لكن أحدًا لم يُخبرنا بمسألة التأمين هذه.
الرجل: الحقيقة أنه خطؤنا من البداية … كان يجب أن نهتمَّ نحن بهذا الأمر عندما أعلن عن الحفلة … فهذه قاعدةٌ عندنا في الشركة، وهي التأمين على حياة الأبطال ضد أي خطرٍ خارجيٍّ.
أحمد: هل أتعرف عليكم؟
ابتسم الرجل وقال: «يوهان ليك» … مدير شركة المحيط للتأمين … وهؤلاء زملائي. أخرج بطاقة … قدمها ﻟ «أحمد» الذي قرأها، بينما كان «يوهان» يقول: سوف يَحضر إليكم بعد قليل طبيب الشركة، حتى يوقع عليكم الكشف الطبي. إنها مسئوليتنا في النهاية.
بو عمير: ما هو المطلوب منا الآن؟
يوهان: بعض البيانات.
بدأ أحد الرجال يُدوِّن البيانات التي طلبها «يوهان» … وعندما انتهى، قام «يوهان» مبتسمًا وهو يقول: إنني سعيدٌ بلقائكم … وسوف نلتقي في الحفلة.
حيَّاهم، ثم أخذ طريقه إلى الباب، وعندما خرجوا جميعًا، توقف «يوهان» لحظةً ثم قال: لا تشغلوا بالكم … إذا رأيتم بعض الرجال يدورون حول الفيلا … إنهم الحرس الخاص بالشركة. ثم ضحك برقَّة وقال: ألم أقل إنها مسئوليتنا؟
انصرف الرجال، كانت «زبيدة» و«ريما» لا تزالان في مكانهما … انضم إليهما «أحمد» و«بو عمير» … عندما جلسا قال «بو عمير»: هل تظن أنها خدعة؟
أحمد: ربما … فإن أحدًا لم يُخبرنا بحكاية التأمين هذه.
لم تمضِ لحظات حتى دق جرس التليفون … أسرعت «ريما» للرد … ثم بدأت تتحدث: نعم. نعم. لقد انصرفوا الآن. طبعًا. طبعًا. نعم. لن نُغادر الفيلا. إلى اللقاء.
عادت إلى الشياطين وأخبرتهم، لقد كان المتحدث هو عميل رقم «صفر» في «برن». هزَّ «بو عمير» رأسه وقال: إنها إذن مسألةٌ صحيحة.
أحمد: وقد تكون كلها خدعة.
بو عمير: ماذا تقصد؟
أحمد: حكاية التأمين، والطبيب وحتى هذه المكالمة التليفونية الأخيرة.
هزَّ «بو عمير» رأسه ثم قال: ربما.
مرت لحظة صمتٍ، قالت «زبيدة» في نهايتها: إننا في الانتظار؛ فالمهمة واحدة.
مرت سيارة مسرعة، ثم توقفت في نهاية الشارع، وبدأت أقدامٌ تَظهر حول الفيلا … كانوا أكثر من خمسة توزعوا حولها ليأخذ كلٌّ منهم مكانه، وبدا أنهم يراقبون المكان.
قالت «ريما»: إنهم الحرس الخاص بالشركة!
لم يُعلِّق أحد من الشياطين. غير أنه لم تكد تمر لحظة أخرى، حتى توقفت سيارة أنيقة، نزل منها رجل، يحمل حقيبةً صغيرةً. أخذ طريقه إليهم، وعندما التفت «أحمد» في اتجاه الرجل، علت الدهشة وجهه … إنه يعرف هذا الرجل!