وجهٌ … في الزحام!
فكر «أحمد» بسرعةٍ. إن هذا الرجل قد رآه في الطائرة. ربما كان «مارش» أو «روك» لا بد أنه أحد أفراد العصابة.
تقدَّم الرجل من الشياطين، وهو يُقدِّم نفسه: «جيرار» طبيب شركة المحيط للتأمين.
رحَّب الشياطين به. فقال: أحتاج إلى توقيع الكشف الطبي عليكم حتى تطمئنَّ الشركة.
فكر «بو عمير» لحظة ثم قال: لا بأس تفضل.
دخل الجميع الفيلا. وفي الداخل بدأ الدكتور «جيرار» توقيع الكشف الطبي على الشياطين. كان يصحبه اثنان تبدو عليهما القوة.
قال «جيرار» مخاطبًا «أحمد»: ينبغي أن تَستلقي على ظهرك. حتى أتمكن من توقيع الكشف على عضلاتك.
شعر «أحمد» أن هناك شيئًا. رقد على طاولة كانت أمامه. فاقترب منه «جيرار» وأخذ يجسُّ عضلاته في براعةٍ، ثم قال: يبدو أنك مُصابٌ بتمزقٍ في عضلة الفخذ اليُمنى ينبغي حقنك الآن حتى تكون قادرًا على المباراة.
بسرعة تقدم أحد الرجلين، يحمل حقنة طويلة قدمها للدكتور. تقدمت «ريما» وقالت: لا أظن أنه يحتاج شيئًا يا سيدي الدكتور.
ابتسم «جيرار» وقال: إنه عملي يا آنستي. ثم نظر إلى «أحمد» وقال: ما رأيك؟
رد «أحمد»: لقد وقعتُ كشفًا طبيًّا قبل أن أحضر إلى هنا، ولا أظن أن الطبيب كان يسمح لي باللعب إذا كانت عضلة الفخذ بها أي تمزُّق.
جيرار: هذه مهنتي، ويمكن أن أعود إلى الشركة، ونلغي التأمين.
أحمد: لا بأس. يمكن أن تفعل ما تريد.
كان «أحمد» يريد أن يتأكَّد مما فكَّر فيه، وهكذا أخذ «جيرار» الحقنة ثم غرزها في فخذ «أحمد». الذي شعر بألمٍ حادٍ، لكنه تحمَّل الألم. شيئًا فشيئًا. بدأ الألم يخفُّ، ثم شعر «أحمد» أن عينَيه ثقيلتَين، وأنه لا يستطيع الرؤية جيدًا. نظر «جيرار» إلى الرجلين وابتسم، وعندما انسحبت ابتسامته، كان أحد الرجلين قد لوى ذراع «زبيدة» التي تقف قريبةً منه، في نفس اللحظة التي ضرَب فيها الرجل الآخر «ريما» ضربةً قويةً جعلتْها تترنَّح.
غير أنَّ «بو عمير» الذي كان يراقب كل شيء بحذر، كان قد طار في الهواء، وضرب «جيرار» بقدمه ضربة قوية، إلا أنَّ «جيرار» قفز بعيدًا، ثم أمسك بقدم «بو عمير» فسقط على الأرض. تحاملت «ريما» على نفسِها ثم طارت في الهواء، وضربت الرجل بسيف كفها ضربة، جعلته يصرخ. قام «بو عمير» بسرعة، واشتبك مع «جيرار».
دارت معركةٌ رهيبةٌ، طارت خلالها الكراسي، وبدا أن الشياطين قد أوشكوا على الهزيمة إلَّا أن «أحمد» كان قد بدأ يسترد وعيه … رأى أشباحًا تتحرَّك أمامه، قفز بسرعةٍ وطار في الهواء فاتحًا قدميه، ثم ضرَب الرجلين ضربةً واحدةً، جعلتْهما يترنَّحان معًا … ثم يقعان على الأرض.
نظر حوله فلم يجد «بو عمير»، بينما كانت «زبيدة» و«ريما» في حالة استعدادٍ لأيِّ حركةٍ تصدر من الرجلين.
جرى «أحمد» إلى خارج الفيلا، فسمع صوت سيارة تنطلق بسرعة، ورأى «بو عمير» يقف في الحديقة قرب الباب.
سأل «أحمد» بسرعة: ماذا حدث؟
بو عمير: يبدو أنهما من عصابة «الحزام الأسود».
أحمد: لقد كان من الخطأ أن استسلمتُ لهذا الطبيب الزائف.
عاد الاثنان بسرعة إلى الداخل … كان الرجلان ما زالا واقعَين على الأرض، و«ريما» و«زبيدة» يقفان في حراستهما.
قال «أحمد»: يجب أن نسجنهما في إحدى الحجرات.
تحرك الشياطين بسرعةٍ فجرُّوا الرجلين إلى إحدى حجرات الفيلا، ثم قاموا بربطهما، وأغلقوا الحجرة … لم يكادوا يصلون إلى الصالة الخارجية حتى رأوا شخصًا يقف خلف الباب الحديدي … بسبب وجود باب الفيلا الداخلي مفتوحًا. نظر «أحمد» إلى «بو عمير» وقال: يبدو أنها محاولةٌ أخرى.
تقدم الشياطين إلى خارج الفيلا. كان هناك رجل يقف وعلى وجهه ابتسامة هادئة. قال الرجل: أنا الدكتور «جيرار»، طبيب شركة المحيط للتأمين.
كاد «أحمد» يضحك … إلا أنه تمالك نفسه، ثم قال: أهلًا سيدي الدكتور تفضَّل بالدخول.
نظر الطبيب خلفه إلى السيارة الواقفة، ثم أشار إلى رجلٍ داخلها، فنزل هو الآخر.
تحدث «أحمد» إلى الشياطين بالعربية: يبدو أنها محاولة أخرى.
دخل الجميع إلى الفيلا وقال «جيرار»: يبدو أنكم تؤدُّون بعض التمرينات.
بو عمير: نعم.
جيرار: هل تسمحون لي بتوقيع الكشف الطبي؟
أحمد: بالتأكيد تفضل.
أخرج جيرار سماعته ثم بدأ الكشف على «بو عمير» وعندما انتهى منه، تقدم «أحمد»، وكشف عن مكان الحقنة في فخذه اليُمنى. نظر لها جيرار ثم أخذ يتفحَّصها في دهشةٍ، وقال: من الذي فعل ذلك؟
أحمد: لقد اصطدمَت ساقي أثناء التدريب.
تأملها «جيرار» قليلًا ثم قال: بل هذه آثار حُقنة، لماذا حقنت بها؟
أحمد: لقد كنتُ أشعر بإجهاد.
جيرار: هذه يُمكن أن تؤثر عليك أثناء الحفلة. ونظر إلى الرجل الآخر ثم طلب منه نوعًا معينًا من الحقن. مدَّ يده يدلك مكان الحقنة السابقة، ثم أعطى «أحمد» حقنة بجوارها، فشعر «أحمد» ببعض الآلام، غير أنه شعر بالارتياح بعد قليل.
قال «جيرار»: سوف تكون مُستعدًّا تمامًا ساعتها.
أخذ «جيرار» يُجري الكشف على بقية الشياطين، حتى إذا انتهى قال: أتمنَّى لكم التوفيق الليلة … وأرجو أن أستمتع معكم بمباراةٍ طيبةٍ.
شكره الشياطين فانصرف هو ومن كان معه.
قال «أحمد»: هذا هو طبيب شركة التأمين الحقيقي … أما الأول فقد كان من أفراد العصابة.
بو عمير: لقد قمنا ببعض التمرينات على كل حالٍ.
زبيدة: لكني لم أستطع أن أحقِّق نتيجةً طيبةً.
لم تنطق «ريما».
مرت لحظة صمت قطعها رنين التليفون، الذي أسرعت «ريما» إليه. أخذت تستمع قليلًا ثم قالت: كل شيء على ما يرام. نعم لقد خرج منذ قليل.
وضعت السماعة ثم نقلت للشياطين مضمون المكالمة التي سمعتها، والتي كانت من عميل رقم «صفر».
كانت الساعات تمر … ووقت الحفلة يقترب. وعندما كانت الساعة تدق السابعة مساءً كان الشياطين يقومون بعملية التسخين اللازمة لعضلاتهم … حتى يكونوا جاهزين للمباراة الاستعراضية. وعندما دقت السابعة والنصف، كانوا يأخُذون طريقهم إلى السيارة الموجودة في الجراج.
وعندما انطلقت بهم، كانت نسمات الليل، قد بدأت تهبُّ.
اقتربوا من مكان الحفلة في قاعة الاستاد الكبير … كان هناك زحامٌ شديدٌ، غير أن الطريق إلى الدخول من الباب الخلفي كان مريحًا.
اجتمعوا في حجرة متوسطة، وبدءوا يَرتدُون ملابسهم، كانت الساعة تقترب من الثامنة.
وبعد دقائق أخذوا طريقهم إلى الصالة، وقبل أن يدخلوا … كان صوت المذيع يعلن عن أسمائهم. لم تكن هي طبعًا أسماء الشياطين الحقيقية.
كان هناك أربعة مقاعد خالية، تتوسَّط الصف الأمامي. دخل الشياطين وما إن خطوا خطواتهم الأولى، حتى دوَّت القاعة بالتصفيق، فوقفوا يردون التحية … ثم أخذوا طريقهم إلى المقاعد.
قام المذيع قائلًا: الآن سوف نرى مباراةً استعراضيةً في فنون «الكاراتيه».
ثم أخذ يُقدم الشياطين: مستر «سامح».
قام «أحمد» واقفًا فضجَّت القاعة بالتصفيق، وأخذ المذيع يُكمل التقديم: حصل على الحزام الأسود، لعب ثلاثين مباراةً كسبها جميعًا. درس فنون الكاراتيه في اليابان، لمدة ست سنوات، يُعتبر واحدًا من أبرع لاعبي الكاراتيه في الشرق الأوسط.
صفَّق المتفرجون ورفع «أحمد» يديه مُحيِّيًا ثم جلس.
أعلن المذيع مرة أخرى: مستر «فؤاد». ارتفع التصفيق، وعندما كان «بو عمير» مشغولًا بالتحية، كان «أحمد» يُدير بصره وسط الحاضرين. لقد كان ينتظر شيئًا ما.
قال المذيع: حاصل على الحزام الأسود أيضًا، لعب ثمانيةً وعشرين مباراة كسبها جميعًا. يُسمُّونه «الفهد» لسرعة انقضاضِه. واحد من أهم لاعبي الكاراتيه في الشرق الأوسط أيضًا.
ارتفع التصفيق ورفع «بو عمير» يدَيه محييًا، ثم جلس.
نادى المذيع: مس «ليلى»: حزام أسود، عشرين مباراة …
ارتفع التصفيق بدرجةٍ لافتةٍ للنظر، عندما وقفت «ريما» لمح «أحمد» اثنَين يتهامسان في الصف الأمامي المقابل لهما، وكان يبدو عليهما الاهتمام.
جلست «ريما» ونادى المذيع: مس «نادية».
وقفت «زبيدة» وارتفع التصفيق مرة أخرى، بنفس درجة الحماس السابقة، في نفس الوقت الذي ظل فيه الرجلان يتهامسان. ظل «أحمد» يُراقبهما، بينما المذيع يتكلم: حزام أسود. ثلاثة وعشرين مباراة. يُسمونها الثعبان؛ فهي تنتصر بضربة واحدة …
مرةً أخرى ارتفع التصفيق، ورفعت «زبيدة» يديها، محييةً ثم جلست. توقف التصفيق وأصبحت القاعة صامتة تمامًا.
أعلن المذيع: والآن سوف تبدأ المباراة بين مستر «فؤاد» ومستر «سامح».
وقف «أحمد» و«بو عمير» وانحنيا للناس فارتفع التصفيق بشدةٍ، ثم تصافحا وأخذ كلٌّ منهما مكانه. تعمَّد «أحمد» أن يكون مُقابلًا للرجلين. كان حكم المباراة يقف بينهما، ثم رفع يديه، وأنزلها إشارةً إلى بدء المباراة.
بدأ «أحمد» و«بو عمير»، يقفان في وضع الاستعداد، ثم بدأ التلاحم. كان «أحمد» يتحرك قريبًا من الرجلين، بينما نظر إلى «بو عمير» بلغة الشياطين، فبدأ «بو عمير» ينقل أرض المعركة أمام الرجلين. أخرج أحدهما ورقة … ثم أخذ يُدوِّن فيها بعض الأشياء. لفت ذلك نظر «بو عمير» الذي كان يقابلهما في هذه اللحظة. ثم تحدَّث إلى «أحمد» بلغتهم الخاصة، بعدها أخذ الاثنان يرفعان درجة حرارة المعركة.
طار «أحمد» في الهواء ثم ضرب «بو عمير» برقة في بطنه. طار «بو عمير» في الهواء، ثم نزل على الأرض بعد أن دار دورةً كاملة، ثم ضرب «أحمد» في قدميه فوقع متدحرجًا. كانت معركة مُثيرة … جعلت القاعة تدقُّ بالتصفيق. وقف «أحمد» و«بو عمير» متقابلين. تقدم «بو عمير» ثم دار دورةً كاملةً حول نفسه وهو يضرب «أحمد» ضرباتٍ متتاليةً … وعندما كان «أحمد» يتلقَّى الضربات في هدوءٍ … ظهر بين الحاضرين وجهٌ، جعل الدهشة تَرتسم على وجه «أحمد».