حقيقة ما جرى للصياد جمعة العدوي
صورة لما يجري في بداية كل رحلة
الجدُّ السخاوي يصعد إلى البلانس أولًا؛ هكذا تقضي الأصول. عجوز، يهمل قص أظافره، أو مداواة جروحه، فالقبر يخفي كل شيء.
يشيح بيده للملاحظة: عندما نكبر … لا يكون لذلك أهمية!
يعلو حاجبا حمودة هلول بالدهشة: هل الكبر هو انتظار الموت؟!
وهو يغمض عينيه في سرحة: إني أركب البحر، وأنفق على نفسي … لكن العناية بتلك الأمور — يعبِّر بيديه — تختلف عن عنايتنا بها حين نكون شبابًا.
تقدَّم السنُّ باديًا عليه، وإن صعب عليه تحديد عمره. التجاعيد تعرُّجات في وجهه، وأجفانه ضاقت على عينين غاب التماعهما.
لا أحد يتذكر طفولته، أبناء جيله ماتوا، والآخرون وعوا عليه وهو عجوز. لم يتعلَّم سوى حروف الهجاء، وكيفية وصلها، وقواعد الجمع والطرح، وآيات من القرآن. يحتفظ بكمِّية طيبة من الأمثال والحكم والألغاز والحواديت والحكايات الجميلة، يعرف بالأنساب، وأسماء الرجال، في السيالة وما حولها، وغالبية أسماء النساء، عرفهن قبل أن يكبرن ويتزوجن ويلدن الأبناء. إذا قادته خطواته في حواري السيالة، نادى عليه النسوة من النوافذ وأبواب البيوت، ربما استوقفته واحدة في الطريق وشكت له معاملة زوجها، قد يبادر بالسؤال عن الزوج الغائب أو صحة الابن المريض، يردُّ على الدعابة بما تسعفه بديهته، ويبذل النصيحة عن طيب خاطر، يزوره الرجال، يسألونه، يناقشونه، يعرضون مشكلاتهم اليومية، حتى الذي تهجر امرأته فِراشه، يشكو له همَّه.
ابنته الوحيدة — كبرى أبنائه — جدَّة لبنين وبنات، أولاده الثلاثة اختاروا مِهنًا مغايرة؛ الأول تاجر منيفاتورة بشارع الميدان، والثاني عرضحالجي أمام سراي الحقانية، والثالث سائق بترام الرمل، اعتادت زوجته البقاء — لأيام — في الشقَّة المطلَّة على زاوية الزواوي، وإن تردَّد عليها، معظم ساعات النهار، سيدات من الحي ينظِّفن لها البيت — فهي مريضة — ويجهِّزن الطعام، ويغسلن الثياب، ويملأن القُلل، ويبخِّرنها، ويقضين حاجياتها من السوق، يحببنها لأنها زوجة الجدِّ السخاوي، ولأنها طيبة، سهلة العِشرة.
لا يغادر جلسته، يحتضن النفس — وأشعة الشمس — بقبضتين لا تفتران، ينزع غطاء رأسه قبل أن ينام، يؤمن بفائدة الشمس للجسم، لا يخشى منها حتى على رأسه.
يرنو إلى السماء بنظرة ممتنَّة: عندما يضايقني أيُّ شيء … أشكوه إلى الشمس لحظة طلوعها، فتهدأ نفسي.
يضيف بلهجته الطيبة: إذا غابت الشمس … أحسست بالغربة!
كأنه مسكون بانجذابٍ نحو الشمس، لا يتصور أنها مجرَّد كائن جامد، يراها كيانًا وروحًا وعقلًا، ربما وجد نفسه مستغرقًا في التحدُّث إليها، يكلِّمها بما يفد إلى ذهنه ولسانه ويشكو همَّه، لا يعنيه إن لاحظ مَن حوله أو أنصتوا، يحبُّ الشمس، والتنفُّس بعمق، والتمدُّد فوق الأرض الرملية، والبحث عن الهدوء ما أمكن، يحبُّ الجدار القديم، يلتصق فيه بالرؤى التي لا يتبيَّنها الرجال، لا يشرب الكيف ولا القهوة، ولا يدخِّن، وإن أسرف في شرب الشاي، إذا أصابته إنفلونزا أو نزلة برد، شالها على قدميه، يرفض أن يلزم السرير، لا يركب البحر، وإن قضى يومه في قهوة الزردوني، يروي ذكرياتٍ قديمة، يردِّد أغنيةً بعدت أيامها، يرسل حكمةً عفو الخاطر، يعطي خبرته، يفرغ معلوماته للسؤال: هل البحر اليوم شرد أو حصيرة؟
الهواء له دوره في نجاح الصيد أو فشله؛ الهواء الشماليُّ يزيد في ضغط الجو، الهواء الجنوبيُّ يؤثِّر على حركة الأسماك، فتستقرُّ في الأعماق، حقول الأسماك خرائط في رأسه؛ في الأنفوشي والميناء الشرقية وأبو قير ورشيد ومطروح والسلوم والبرلس وبور سعيد وخليج السويس، المكان، والعمق، وأنواع الأسماك، يعرف الكثير عن تيارات المدِّ والجزر والتيارات والضوء والحرارة، على طول الساحل حتى آخر الحدود الليبية؛ الأمواج والرياح والعواصف والأنواء وسحب الأمطار ومواعيد السفر ومناطق الوفرة والجدب، البحر صديق قديم يطمئنُّ إليه، فلا يمكن أن يخذله، وإن اعتاد الرجال قوله: البحر عندما يعطي فهو يعطي بسخاء، أمَّا إذا أخذ فالله هو المنجي!
دلَّ الرجال — بعد انتهاء الحرب — على مناطق جديدة للصيد شرقي الساحل، غنية بالبربوني وسمك موسى والمرجان واللوت.
بكى الرجال فرحًا.
عمليات الصيد غربي المدينة ضعيفة، رغم توافر الأسماك، البلانسات والفلايك تخلو من الثلاجات، فيفسد محصول الأيام الصعبة، لكن الرجل يؤكد — في النهاية — أن بركة الله — وحدها — هي التي تحمي الرجال، لا قيمة للتأكد من ارتفاع الموجة، وحرارة الماء، وكمية الرطوبة، وسرعة الريح، والتطلع — بفهم — إلى الأفق. البراعة تتركز في التأكد من متانة الدفَّة، وسلامة الشراع وطريقة فكه ونشره في مواجهة الرياح واتجاهاتها؛ بحرية أو غربية أو مريوطية. ما تبقَّى فمن تساهيل الله. يردِّد التسبيحات والصلوات على النبي، يردِّدها الرجال من بعده.
نحذر التعثر عند صعودنا إلى البلانس، لا ننظر وراءنا، نقضي على أسباب النحس، نبصق على الغزل أو في القارب، استجلابًا للحظ.
ربما أرجأ الجدُّ السخاوي موعد الإبحار، إذا قفز أحد الرجال إلى البلانس بالقدم اليسرى.
ينزلق البلانس في المياه ببطء، سبحان الذي سخَّر لنا هذا، وما كنا له مقرنين. طوله أقلُّ من ثلاثين مترًا، مع هذا، تكدَّس على سطحه وفي دخانيقه زاد وزواد؛ الماء والزيت والشحم والثلج والخيش والغزل والحبال والطبالي وصناديق الدخان والأدوية وأدوات النظافة والجرادل وقِطع الفلين. يغادر الأنفوشي إلى ظهر البحر، بعيدًا عن الشاطئ والبيوت والسفن الصغيرة وسماع أصوات الاستغاثة.
الجدُّ السخاوي يضع يده على حافة عينيه، يحدِّق في الأفق، ما بعد الجزيرة، ربما يتوه في أزقَّة الأنفوشي ورأس التين، معظم وقته — في البر — في قهوة الزردوني أو في بيته، يحبُّ حائطًا بالذات، في سطح البيت المطلِّ على زاوية الزواوي، يجلس إليه غالبية أوقات النهار، يغفو، يصحو، يتأمل تموجات الخيوط المتصاعدة — بتأثير حرارة الشمس — من مياه الخليج، يهزُّ الرأس لمرأى أسراب النورس، الغربان البيضاء التي مسخها الله لأنها تسرق طعام الصيادين.
يقول حسان عبد الدايم: أَلِسْطَة!
يشير الجدُّ السخاوي إلى السكومندو قاسم الغرياني: افرد الشراع.
بعض ما رواه قاسم
في لمحة، أو أقل، اعتليت الصاري.
فككت الحبال من حول الشراع، فردته ببطء، أطلقته، هبَّت الريح فامتلأ بالهواء. لا أترك مكاني، أتأمل البلانس، حركة الرجال من فوقه، بيوت الأنفوشي تتحول — من بُعد — إلى خطٍّ رمادي، يتضاءل، يشحب، يغيب، فتحيط بنا المياه من كل جانب، أتعمَّد ألَّا أطيل إليها النظر؛ انفراجة الموج لمقدمة البلانس في عناق الرحلات المتصلة، ساقا امرأةٍ تتشوقان للمضاجعة.
أنزل إلى الدفَّة، خلِّ عنك يا جد سخاوي.
شعور الراحة يتملكك وأنت تواجه — من نافذة مرتفعة — ليل المدينة الغويط، الشعور نفسه يتملكك وأنت تدير الدفَّة في مواجهة الموج الهادئ، البحر أرضك، يدان لذراعك، لسطوتك، تقفز في دائرة الشِّباك التي ألقى بها الرجال، تتأكد من كردون الفلين الذي يحيط بالدائرة، تتأمل صحوة السماء، امتداد تكسرات الموج من كل الجهات، تردِّد — مع الرجال — مقاطع أغنية، تساعد في إعداد الطعام والشاي، ترفُّ ابتسامة لذكرى قريبة، تملأ النفس رؤًى وأحلام، حتى الشتاء له أيامه الطيبة الكثيرة.
لسنواتٍ عملت جنديًّا في سلاح الحدود، كرهت الصحراء؛ سكونها، جمودها، امتدادها إلى خواء. الصحراء تبدأ رمالًا وتنتهي كما بدأت. بقدر ما كرهت الصحراء أحببت البحر، البحر نعرف أوله ولا نعرف أخره، نرى سطحه ولا نعرف ماذا في قاعه، هل توجد حياة وناس من عوالم تحتية، أو أن الأسماك الهائلة، والكائنات التي لم نرها، تلتهم البشر؟! السطح المكشوف، الأعماق الغامضة المبهمة، القوة الهائلة الطيبة القاسية، تبدل الأجسام والأصوات والألوان في السطح، وفي الأعماق حياة البحر لا تعرف الانطواء وأخذ الجانب، لا بد أن تصادق، تحادث، تسأل وتجيب، تبدي الدهشة والفرحة والأمل، تكشف ما بداخلك، حتى لو كنت ذا طبيعة كتومة … البحر يفرض المصارحة، يفرض الجرأة والشجاعة أيضًا، بمجرَّد الخروج إلى عرض البحر أنت تواجه المجهول؛ الأسماك الشرسة، والنوَّات، والأمواج العالية، وتمزقات الأشرعة، وأعطال الآلات، والدُّوار، والبرد القارس، والشمس اللاهبة.
الجدُّ السخاوي لا يخطئ في ترتيبات الرحلة، متى نعد البلانس للإبحار، الثياب والأغطية المطلوبة، ساعة القيام، العودة، اتجاهات الريح، توقعات العواصف والنوَّات … لكن البحر — في النهاية — بأهله، حياتنا في المركب أطول من حياتنا داخل البيوت، جيراننا السماء والشمس والمياه والأسماك وأغنيات الصيد، البلانس هو البيت والقهوة والشارع والعمل، نخالط مَن تمتدُّ مودَّتنا لهم حتى آخر العمر، ونلتقي بمَن تنتهي معرفتنا بهم عقب مغادرة الميناء الذي التقينا فيه. الأغنيات التي نردِّدها في عرض البحر تختلف عن أغنياتنا عند إنزال أو رفع الشراع أو جرِّ المرساة، أو إذا كان البلانس ينزل البحر للمرَّة الأولى. لكل مناسبة أغنياتها، نتطلع — بعد أيام — خلف حاجز المركب إلى الخطِّ الرماديِّ الضئيل، الممتدِّ في نهاية الأفق. يهتف أحدنا، أو نهتف في صوت واحد: أرض!
نصادف مركبًا أو اثنين، ثم تتوالى السفن المتجهة إلى عرض البحر، والعائدة، والواقفة في أماكنها. زحام من السفن الكبيرة والصغيرة تؤكد دخولنا الميناء، ثم تتناثر المرئيات؛ مئذنة أبو العباس، صاري العلم فوق سراي رأس التين، قلعة قايتباي، أسطُح البنايات العالية، صفُّ البيوت في امتداد الشاطئ.
يصعد الحاج قنديل إلى البلانس، قبل أن يصل الشاطئ، يتسلم «المحصول»، يتقاضى هديته، ونحمل باقي الطبالي إلى الحلقة، أو يشتريها الباعة على الشاطئ، أو في الحلقة، نعطي حاملي الأوعية والسِّلال ما يأذن به الجدُّ السخاوي من الأسماك والثعابين والجمبري، يكرِّر الجدُّ السخاوي اعتزازه بأيام كانوا يفاضلون بين صيد المركب، يختارون الأنواع النظيفة، ويعيدون الأنواع الأخرى إلى البحر.
تُفتح الأبواب المغلقة، وتطلُّ النسوة من النوافذ، ويقفن على الأبواب. تتعالى التعليقات الصاخبة والهامسة، ويُؤمر الأولاد بالذهاب إلى أماكن نومهم مبكرين.
موال للصيادين
ذكر حادثة قديمة كتمهيد مناسب
البلانس «تماظا» خرج إلى البحر — بعد عَمرة — منذ ثلاث سنوات، غيبت الأيدي المجهولة الحبيب تماظا الهوا من فوقه في نوَّة العجوزة.
نادى على عم حزين الهوا الذي كان يعالج الدفَّة في مواجهة الريح الشديدة.
تألم الرجل، بكى، صرخ، بسمل وحوقل وتهدَّج بدعوات … لكنه لم يحاول حتى أن يترك مكانه.
كان البحر ملك أهله، والأيدي المجهولة لن يشقَّ عليها أذى مَن يقاومها، نفَّس الرجل قهره في البلانس، حطمه — بعد العودة — تمامًا، ثأر منه، أضافه إلى خسارة الابن الغالي، لم يكُن لديه حيلة أمام قوى مسيطرة باطشة.
ماذا جرى في الرحلة المشئومة
خرجنا إلى عرض البحر، شرقي الإسكندرية.
الدفَّة في يد حسان عبد الدايم، يديرها دون عناء، الوحيد الذي يغلق فمه على كمية من الزيت، إذا غاص، ينفثها في الماء، فتضئ له البحر، ويرى طريقه.
ما يشبه الوسوسة ترامى إلى أسماعنا، اختلاط أصوات الرمال من جُزرٍ لا نراها، بالمياه، بالأصوات الهامسة التي يغيب مصدرها. جُزرٌ مجهولة، يسكنها كائنات ليست من البشر، ترعى في أحراشها دوابُّ هائلة، تأتي المراكب فتضربها، تحطمها، أو تركب فوقها، تهبط بواحدٍ من ركابها، أو أكثر، أو بالمركب كلها إلى قاع البحر.
الجدُّ السخاوي لم يخفَّ قلقه. هزَّ رأسه، وأشاح بيده.
أهل البحر يضمرون الشر، فلم يكُن في الأفق — لمَّا بدأنا الرحلة — ما ينبئ بعاصفة: اليوم أربعاء … فيه أُغرق قوم نوح!
بدا الجدُّ السخاوي أشبه بالمارد؛ أوامر، وشخط، ونطر، وقوة على النفس وعلى الرجال.
أشار، فقفز قاسم إلى الصاري، يحتضنه، يلمُّه، يحيطه بالحبال، تقلصت قبضتا عبد الدايم القويتان على الدفَّة، أغلقنا الأبواب المفتوحة، ربطنا المعدَّات المتناثرة في البلانس، حتى الطبالي الممتلئة بالأسماك والثلج، ربما طيرها عنف الرياح، وأعددنا الجرادل لنزحَّ المياه عندما يركب الموج سطح البلانس المكشوف.
اهتز البلانس دون رياح حقيقية، تشنَّجت أصابع عبد الدايم على الدفَّة.
علت الأصوات الهامسة، تداخلت، فأصمَّ الآذان زعيقٌ وصراخٌ وضحكاتٌ مجلجلة، تكاثفت الظُّلمة، وهاجت الرياح، وتدافعت الأمواج كالجبال، لا تتكسر مياهها.
ارتطمت سلاسل الجبال الصغيرة بجانب البلانس، فمالت به، كل موجة تحمل في طياتها روحًا حية، تدفعها، تعلو بها، ملايين الأفواه — لا نراها — تنفخ الهواء الراكد، يصبح ريحًا، فعاصفةً، فنوَّةً قاسية.
همس الجدُّ السخاوي بوِرد البحر: فلنأمل في بركات سيدنا الخضر.
شاب صوتَ قاسم غضبٌ: وما شأن سيدنا الخضر بما نحن فيه؟!
قال حسان: إنه يظهر لمثل مركبنا، فيقودها إلى الطريق الصحيح.
نطَّت سمكة هائلة في البروة.
صاح الجدُّ السخاوي: لا يلمسها أحد … حتى قطرة الماء ربما تحمل الخطر!
في لحظاتٍ أحاطت الأيدي الخفيَّة بالبلانس، واختطفت جمعة العدوي.
الصورة الأخيرة التي نذكره عليها، حين كان يحتضن البروة، ثم اختفى؛ تدافعت الجبال الصغيرة، فأخفته في ثناياها، لم يجد الفرصة للاحتماء أو المقاومة أو الاستغاثة، اسم قاسم — دون سواه — رفَّ في أسماعنا: الحقني يا قاسم!
كانت البروة قد خلت منه، الجبال الصغيرة تناطح البلانس بقسوة وحشية.
نزع قاسم ثيابه، وهمَّ بإلقاء نفسه وراءه، جذبه الجدُّ السخاوي، احتضنه في صدره المتعب، المقاومة ربما تدفعهم إلى اختطاف البلانس بأكمله.
ملاحظات ذات أهمية بالغة
حين تطوفين بحُجرات البيت، تكنسين التراب من الصالة إلى الداخل، لا تكنسيه ناحية الباب الخارجي، فلا تكنسي الحظَّ السعيد، تطلقين البخور، تبسملين، تحوقلين، تردِّدين الأدعية، تقرئين آية الكرسي، تتأكدين من إغلاق النافذة المطلَّة على سيدي كظمان — حتى ولي الله لا تأمنين جانبه — فلأن تلك هي الوسيلة التي تجنِّبين بها البيت أذى عوالم أخرى، الأولاد والبنات يصارحون بالشكِّ وعدم التصديق: ما عفريت إلَّا بني آدم!
قال قاسم الغرياني: لو أن هناك عفاريت بالفعل … فستختار بيوت الأغنياء!
أضاف وهو يطلق ضحكته الرائقة: يكفي أمثالنا عفريت الفقر!
تستعيذين بالله، وتطلبين المغفرة، مكتوب في القرآن الكريم الذي لم يحسنوا الإفادة من قراءتهم آياته، لكنك – لِمَ؟ – ترفضين رواية اختطاف أهل البحر لزوجك جمعة العدوي، أكدها كل الرجال، ربما أخطأ الجدُّ السخاوي، ربما الأربعاء ليس أفضل الأيام … لكن البحر عندما أقلعنا كان حصيرة، بعدنا عن الشاطئ بأزيد قليلًا من كيلومترين، اختطاف جمعة العدوي هو المعنى لكل ما حدث، أثاروا الرياح بآلاف الأفواه، حركوا الأمواج بملايين الأيدي والأقدام، أحاطوا بالبلانس، وأصروا على ما يريدون.
لم يكُن بوسعنا أيُّ شيء. قاسم همَّ — لسماع اسمه — بالقفز وراء العدوي … لكن الأعماق البعيدة، الدنيا الغامضة المجهولة، كانت — في ثوانٍ — قد ابتلعته.
لعلَّه — يومًا — يعود.
غيَّبت النوات — من قبلُ — رجالًا كثيرين، فجأةً عادوا، رووا الكثير من الحكايات والأعاجيب.
هذا أملنا.