الرقص
لكل إنسان شخصية جنسية هي دليل مكانته من الجنس الآخر. فقد يكون أحدنا مربوكًا خجلًا في حضرة المرأة — أو العكس — أو قد يكون لبقًا رشيقًا. وهناك احترام أو احتقار نخص بهما المرأة أو الرجل لسلوك أحدهما في حضرة الآخر. والرجل الذي يطمح إلى شخصية محترمة لا يمكنه أن يرضى بموقف الخجل والاضطراب والخرس في حضرة الجنس الآخر؛ لأنه يحس أن له كرامة جنسية وأنه يحتاج إلى احترام المرأة أيًّا كانت، غريبة أم قريبة كهلة أم شابة. وهو حين يحس الاحتقار لنقص في شخصيته يضطر إلى الانزواء الذي يؤثر في نجاحه واتجاهه بل أحيانًا في اتجاهه الجنسي.
وحالنا في مصر سيئة كل السوء من هذه الناحية، وعواقب هذه الحال أسوأ؛ فإن الانفصال العام بين الجنسين يحيلنا في بعض الظروف إلى أجلاف في الكلمة والإيماءة والسلوك العام. وقد يكون الشاب من أقوم الناس أخلاقًا وأسماهم رقيًّا، ولكنه — للانفصال السابق مدى حياته — لا يعرف كيف يقعد إلى فتاة. فإذا حان وقت الخطبة للزواج عمَّه اضطراب وخجل يجعلان الفتاة تحتقره وتؤثر عليه مَن هو دونه في الأخلاق والرقي؛ لأن لهذا شخصية جنسية حسنة، أو قد يحدث العكس؛ أي يكون النقص في الفتاة حين تقعد إلى خطيبها فيرى فيها جمالًا، ولكنه الجمال الخشبي؛ لأنها صامتة ساكنة قد شملها الخجل والجمود.
ويجب أن نصرح هنا بكلمة مؤلمة، هي أن هذا الاضطراب الذي يعرو الشاب أو الفتاة وقت لقائهما إنما ينشأ من الانفصال التام السابق؛ لأن هذا الانفصال قد ملأ الذهن في الأغلب بخواطر تناسلية. ذلك أنه حين تنعدم الصلات الاجتماعية بين الجنسين، فلا يكون لقاء في حفل، ولا مناقشة في ضيافة، ولا جدال في نادٍ، ولا معاملة في تجارة ولا مؤانسة في زيارة، ينحدر الخيال إلى الأصول البيولوجية الأولى. فالرجل ذكر فقط. والمرأة أنثى فقط. والاضطراب يحدث عند الاجتماع، عقب الانفصال السابق الطويل، فيكون — أي الاضطراب — برهانًا على هذا الخيال البيولوجي التناسلي الذي لم يجد قط ما يهذبه من علاقات اجتماعية أخرى.
ويجب أن نعالج هذه الحال السيئة في مجتمعنا بالتعليم الابتدائي المشترك، فلا تكون مدارس خاصة للبنين وأخرى خاصة للبنات، بل يتعلم كلاهما في مدرسة واحدة، تقعد البنت إلى جنب الصبي. ونستطيع أن نجعل هذه الحال عامة في المدارس الابتدائية وفي الجامعة. أما المدارس الثانوية فلا بأس من الفصل؛ لأن ثورة المراهقة تجعل الاجتماع خطرًا، كما يجب أن نُكثِر من اجتماعاتنا المنزلية، وفي النادي الرياضي أو الثقافي، وسائر الاجتماعات التي يجتمع فيها الجنسان، فينشأ عندنا جو متمدن يزيل عن الشاب والفتاة ذلك الارتباك أو الخجل الذي يسودهما في بعض بيئاتنا في الوقت الحاضر، وبذلك تتكون لهما الشخصية الجنسية الممتازة، فالرشاقة، والصراحة، والسعادة.
ولكن إذا كانت الحال قد بلغت في السوء مدى بعيدًا فإنها عندئذٍ تحتاج إلى علاج حاسم، وهذا العلاج هو الرقص الذي يُعدُّ مرانة ناجعة لإزالة «مركب النقص» الناشئ من رذائل التربية الانفصالية السابقة. فالشاب الخجول المرتبك عندما يتمرن على الرقص — ويجب أن يكون التمرين طويلًا ومختلفًا — يجد أنه قد حقق في نفسه تغييرًا سيكلوجيًّا، وأنه يحس كرامة جنسية جديدة وأنه رشيق لبق، وكل هذا مما يعينه على النجاح في الحياة المدنية؛ لأن الشاب الذي يحس نقصًا في كرامته الجنسية يحس أيضًا مثل هذا النقص في كرامته الاجتماعية، ويبقى على الدوام قلقًا قد يقع في شذوذات جنسية.
والرقص — زيادة على ما ذكرنا — من أنجع الوسائل لمعالجة هذه الشذوذات الجنسية؛ لأن الرجل الذي يرقص مع امرأة يتجه الاتجاه الجنسي الصحيح بلا انحراف أو زيغ؛ إذ من غير المعقول أن يلتفت إلى غير المرأة في الخيال أو الواقع.
وهذا كسب كبير لكثير من الشبان الذين تقدمت بهم السن في العزوبة فزاغوا وانحرفوا. وفي مصر يشيع الانحراف الجنسي أكثر مما يشيع في أوروبا للانفصال القائم بين الجنسين؛ لأن الخيال لم يُدرَّب على الجنس الآخر بالمعاشرة السابقة والألفة الطويلة، فهو يشطح ويشذ. ونحن حين نأتي بالشباب الشاذ ونحمله على الرقص مع الجنس الآخر — وليس هذا سهلًا — نحاول أن نرده إلى الهدف الجنسي الصحيح، وهو عندئذٍ يكسب شخصية جديدة يسترد بها صحته وكرامته الجنسيتين معًا.
وفي طورنا الاجتماعي الحاضر قد يشق على العائلة أن تنصح لفتاتها بالرقص، ولكن إذا كان هذا الرقص في العائلة أو في النادي المحترم فليس هناك أي ضرر من هذه المرانة المفيدة لتصحيح شخصيتها المريضة.