المرأة والعمل في رأي سمو الأمير عمر طوسون
قد تكلَّمنا في مسألة المرأة والعمل أكثرَ من مرَّة. وقد نشرت الجرائد رأينا في هذا الموضوع فيما مضى؛ فقد قُلنا ولا زلنا نكرِّرُ القول: إنَّ الأَولَى بها أن تَلزَمَ عُقرَ دَارِهَا، وتُعنَى بتربية أولادها. وليس لها أن تخرجَ عن محيطِ البيت إلى ميدان الأعمال، وتُزاحِم في ذلك الرجال، وتسبِّب لهم البطالة والعطلة، بل الأجدر بها أن تكون قدوة حسنة في حياتها العملية والعلمية، وتطرح وراء ظهرها هذه المزاحمة الممقوتة وما ينشأُ عنها من الاختلاطِ الضَّارِّ بها، وأن يكون رائدها في كلِّ ما تعمل وتفعل تعاليم دينها الحنيف؛ فيزداد إيمانها بالله تعالى، وتقوى فيها عاطفة الدين؛ فيكون لها منه الواعظ المُخلِص والمرشد الأمين.
ولا شكَّ أن المنزل وحده هو ميدان العمل الصَّالح للمرأة؛ فإذا وجَّهت إليه عنايتها، وقصرت عليه أعمالها، وتولَّت الإشراف عليه بنفسها، كان في ذلك سعادتها وسعادة زوجها وأولادها. وبسعادة الأزواج والأولاد تسعدُ الأُمَّةُ وترقى البلاد، وعلى النقيض من ذلك إذا عملت المرأة خارج المنزل، وزاحمت الرجال في أعمالهم، واضطرت لذلك إلى مخالطتهم؛ أهمل المنزل الذي هو كيان الأسرة، وتغيَّرت طباع الأولاد وعاداتهم وخلالهم، ونجم من هذا كلِّه أضرار جمَّة تنشأُ عنها أمراض اجتماعية كثيرة تنتشرُ وتكونُ حربًا عوانًا على العبادِ والبلادِ.
وليسَ ممَّا يروقُ أعيننا أن نرى المرأة المصرية تُزاحم الرجال في ميادين الأعمال، مُقلِّدَة في ذلك المرأة الأوروبية مع أن الفرق بينهما كبير. فالواجب عليها ألَّا تُجاري الأوروبية هذا المضمار الكثير المضار، والذي يشكو قادة الفكر في أوروبا من انسياق النساء فيه، وأن تعود إلى حلبة أعمالها في المنزل؛ فذلك أبقى على احترامِ تقاليد بلادها الشرقية وصونها من العبث.
ومع ذلك، فإنَّنَا نرى زعماء أمم أوروبا التي تريد المرأة المصرية أن تُجاري نساءها في هذا الشأن، بل رؤساء حكوماتها، يقرُّوننا على أن البيت هو البيئة الصَّالحة لتُظهر فيه المرأة كفايتها العملية. وينبغي لها أن توليه عنايتها وتحصر فيه أعمالها.
وكفانا ذلك تدليلًا على أن المنزل هو البيئة الصَّالحة لعمل المرأة، وأنه خيرُ ميدان تنزل فيه نساؤنا لمزاولة الأعمال.
وقد جاءَ من بمباي أن المهاتما غاندي تحدَّثَ أمس عن مُهِمَّة المرأة، فقال «إنه يرى مما يحطُّ من كرامة الرجل والمرأة معًا أن تُدعى المرأة إلى تَركِ بيتها أو تُقسَرُ على ذلك قسرًا؛ لكي تحمل بندقية في سبيل الدِّفاعِ عن ذلك البيت. إنَّ هذا الرجوع إلى الهمجية هو بدء النهاية؛ فالمرأة التي تحاول ركوب الجواد الذي يركبه الرجل تُسقِطُ نفسها وتُسقِطُ الرَّجل معها. فلتسقط على رأس الرجل جريمة إغراء شريكته أو حملها على ترك مهمتها الخاصَّة. ولا ريبَ أن في تنظيمِ بيت الإنسان من الشجاعة مثل ما في الدفاع عن هذا البيت ضد العدوان الخارجي. فلتحوِّل المرأة كل ما وهبها الله من روح الأمومة إلى العمل لخير الإنسانية حتى تعلن للعالم المتحارب فن السلم!»