إصلاح القرية المصرية وترقية شئونها الصحية
كتاب من سموه لمعالي الدكتور عبد الواحد بك الوكيل
حضرة صاحب المعالي وزير الصحة العمومية
كنَّا نفكِّرُ منذُ مُدَّةٍ في أمرِ تحسين القرية وجعلها على حالةٍ صحيَّةٍ تكفل راحة الفلاح وسلامته من الأمراض والأوبئة التي تتفشَّى في بيئته بسبب ضيقِ مساكن القرية ورداءتها، وما يتراكَمُ في شوارعها من الأوحال والقاذورات الضارَّة بالصحة. وكنَّا نرى تحسين القرى الحالية لجعلها صحيَّة مع بقائها في محالها الرَّاهنة أمرًا جد عسير إن لم يكن مُستحيلًا لهذه العقبات المحليَّة الطبيعية.
ولما أُجْرِي تعديل في مجرى بحر بسنديله بتفتيش دميرة ملكنا، وكان من نتيجته فصل قرية ميت زنقر عن زمامها، رأينا العقبات التي كانت تعترضُ مشروع هذه الفكرة قد ذُلِّلَت، فسارعنا إلى تنفيذِ أمرين: الأول نقل هذه القرية إلى البرِّ الغربي الذي فيه زمامها حتَّى تكون وسط مزارعها. والثاني توسيع رقعتها وإجراء التحسين الذي كُنَّا نفكِّرُ في إجرائه. وقد صرَّحنا لكلِّ من يريدُ الانتقال إلى القرية الجديدة أن يأخذ مساحة تُساوي مساحته في القرية القديمة، كما صرَّحنا لكلِّ من يريدُ زيادة مساحة مسكنه الجديد عن القديمِ أن يأخُذَ هذه الزيادة بسعر المتر خمسة قروش صاغ، وتسديد الثمن على سنتين؛ تسهيلًا لإجراء هذا الإصلاح القروي الصحِّي.
وقد أقبل السُّكَّان على البناء بدافِعِ الرَّغبة، وبمحضِ إرادتهم بشكلٍ غير مُنتظَر وبدُونِ أيِّ ضغطٍ عليهم؛ ولما رأوا في ذلك من توافُر أسباب الرَّاحة لديهم. فتمَّ إلى الآن بناء ٥٢ منزلًا على مساحة قدرها ٦س ١٤ط ٣ف. ولولا ارتفاع أثمان أدوات العمارة من خشبٍ وحديدٍ وأسمنتٍ وغيرها، وعدم توافرها بالأسواقِ، لتمَّ بِناءُ القرية الجديدة جميعها في مُدَّةٍ وجيزةٍ وبهمَّةٍ زَائدة.
وعلى حسبِ ما تمَّ من بناء وُجِد أن متوسط مساحة المنزل الجديد ٢٩٠ مترًا مُقابل ١٥٥٫٧٤ من الأمتار للمنزل القديم. واعتبر هذا أساسًا لبناء القرية جميعها مع اتساع الشوارع والميادين من ١٦٪ قديمًا إلى ٣٨٫٤٧٪ في القرية الجديدة كما هو مُبيَّن في الرسم المرسل مع هذا. فأصبح مسطح القرية ١٢س و٨ط و٣٦ف بعد أن كان ١٢س و٩ط و٩ف، وبلغ عدد مساكنها ٣٢٤ مسكنًا متوسط مساحة المسكن منها ٣٩٠ مترًا بعد أن كان عددها ٢١٣ مسكنًا متوسط مساحة الواحد منها ١٥٥٫٧٢ من الأمتار. وهذا فضلًا عمَّا عساه أن يحدث من اطِّراد في العمران؛ فتحققت بذلك هذه الفكرة لحسن نظامها وتوافر أسباب الرَّاحة فيها.
وتحقيقًا لهذه الرغبة في تحسين القُرى جمعاء بنفسِ الطريقة التي اتبعناها في قرية ميت زنقر؛ قد طلبنا من مصلحة الإحصاء موافاتنا ببيان مُسطَّحات الأراضي المقامة عليها مباني القرى بالمملكة المصرية؛ لمعرفة ما ستكلِّفه الحكومة في هذا الشأن. وقسمنا هذه القرى إلى أربعة أقسام: القرى التي مسطحها إلى ١٠ أفدنة، والقرى التي مسطحها فوق ١٠ إلى ٢٠ فدَّانًا، والقرى التي مسطحها فوق ٢٠ إلى ٣٠ فدانًا، والقرى التي مساحتها فوق اﻟ ٣٠ فدانًا. وقد صار تطبيق الأقسام الثلاثة الأولى على أساس مسطحات قريتَي ميت زنقر القديمة والجديدة مقدرين سعر الفدان من أراضي القرى التي تستولي عليها الحكومة لبيعها في المستقبل مبلغ ١٠٠ج عند البيع، وسعر الفدَّان من الأراضي التي يُنزَعُ ملكيتها لإقامة القرى الجديدة عليها مبلغ ١٥٠ج. ويدفع كل مزارع ثمن زيادة منزله بسعرِ المتر خمسة قروش صاغ مُقَسَّطًا على سنتين — كما سبق القول — فوجد ما تتكلفه الحكومة في القرى التي مسطحها إلى ١٠ أفدنة — وعددها ١٢٤٨ قرية — مبلغ ٩٥م/٩٢٥٦٩٨ج، وما تتكلَّفه في القرى التي مُسطحها فوق ١٠ إلى ٢٠ فدانًا — وعددها ٩٦٣ قرية — مبلغ ١٤٠م/١٧٨٢٤٣٩ج، وفي القرى التي مسطحها فوق ٢٠ إلى ٣٠ فدانًا — وعددها ٥٠١ قرية — مبلغ ٣٥٤م/١٥٨٦٦٢٣ج حسب المبين بالكشف المرسل مع هذا. أمَّا القرى التي مساحتها إلى ٣٠ فدانًا، فنرى أنها ستُكلِّف الحكومة مبالغ طائلة؛ فلا يستحسن نقلها.
فإذا وقعت هذه الفكرة لدى الحكومة موقع الاستحسان بعد درسها، نرى أن تعمل تجربة عن بلدة واحدة في كلِّ مركزٍ من القُرَى التي مساحتها إلى ١٠ أفدنة حتَّى إذا ظهرت فائدتها نظر في إتمامها بالتدريج.
وإذا رأيتم معاليكم إيفاد مندوب من الوزارة لمشاهدة قرية ميت زنقر الجديدة، وعيَّنتُم موعدًا لقدومه، فستجدون إن شاء الله ما يقرُّ أعينكم وترتاح إليه نفسكم.
واقبلوا وافر سلامنا واحترامنا.
رد معالي وزير الصحة على سموه
حضرة صاحب السمو الأمير الجليل عمر طوسون
تشرَّفت اليوم بوصول خطاب مولاي الأمير، الذي تفضَّلَ فيه فأبدى النتيجة الناجحة السارَّة لتجربة إنشاء قرية جديدة بدلًا من قرية ميت زنقر القديمة، بتفتيش دميرة، على أصولٍ صِحِّيَّةٍ، وبطريقة النقل التدريجي مع مساعدة الأهالي في الحصول على الأرض اللازمة لمنازلهم الجديدة بأثمانٍ مُتهاودة تُدفَعُ على أقساط.
كما تشرَّفتُ بالاطِّلاع على البحثِ القيِّم الذي أجراهُ مولاي الأمير عن مقدار ما تضطلع به الحكومة من الوجهة المالية باتِّباع هذه الطريقة ذاتها للقرى التي تقلُّ مساحتها عن ٣٠ فدانًا.
وإنَّنِي أُسارِعُ فأقدِّمُ إلى سموِّكُم بأجزل الشكر على تعطُّفِكُم بإرسالِ هذا البحث الجليل في موضوعٍ له خطره وأهميته القصوى؛ إذ يمس ملايين الفلَّاحين الذين يجدون في سموكم خير ساعٍ وباحثٍ لِمَا فيه نفعهم، سواءٌ في أملاك سموِّكُم الخاصَّة أو فيما تقومُ به الجمعية الزراعية الملكية تحتَ إِشراف سموِّكُم وتوجيهكم. ولا عَجَبَ في ذلك؛ إذ هو ديدنكم في كلِّ الأمور التي تمسُّ مصر وسكَّانها.
وسيكونُ لاقتراحِ سموكم والتجربة النَّاجحة التي تمَّت في ميت زنقر فضل كبير في توجيهنا نحو إيجادِ حلٍّ عمليٍّ سهل قليل التكاليف نسبيًّا لحلِّ المُشكلة الكُبرى من مشاكل القرويين؛ وهي مشكلة بناء القرية الجديدة.
وقد اعتزمت بمشيئة الله أن أحظى شخصيًّا بزيارة تلك القرية مع رجالي المختصِّين للاستفادة بالاطِّلَاعِ على ما تمَّ فيها، ويرجح أن يكون ذلك يوم الجمعة ١١ يونيو سنة ١٩٤٣. فإذا سمح لي مولاي ولهم بذلك كُنَّا من الشاكرين.
وختامًا أنتهزُ هذه الفرصة كي أعبِّر لسموِّكُم عن سروري بوصول هذا البحث القيم؛ إذ كان دليلًا على تمتُّعِ سموِّكُم بالصِّحَّة الكاملة التي أدعو الله أن يُديمها وأن يديمكم ذخرًا للبلاد.