ما يراه في شئوننا الاجتماعية
وحدة عربيَّة وعُصبة أمم شرقيَّة
كان سمو الأمير عمر طوسون أوَّل الأمراءِ المصريين الذين يهتمُّون بالشئون المصرية العربية. وقد قال لي سموه في الصيفِ الماضي: إنَّ الوحدة العربيَّة فكرة جليلة، ولكن يجب أن تقومَ على أساسٍ متينٍ من قوَّةِ الأمم التي ستشترك فيها، فتكون كل أمَّةٍ منها أمَّةً حقيقية مُؤتلفة ليس للمذاهب ولا للديانات سبيلٌ لتصديعِ بنائها وتوهين دعائمها؛ فإنَّ آفة الشرق الخلافات المذهبية والدينية. وقد ورث هذه الخلافات عن أسلافه، فأورثت أبناءه العداوة والبغضاء بين الهيئات والأفراد، وقسَّمَتهُم على أنفسهم، وفرَّقَتهُم شِيَعًا؛ فأضعفت قوتهم، واستغلَّ الأجنبي هذا الضعف في سعة نفوذه بينهم وسيطرته عليهم.
فإذا عملوا لفضِّ هذه الخلافات أو تلطيفها وحصرها في أَضيَقِ الدَّوائر، وجعلوا هدفهم الوحيد هو المصلحة العامَّة والمنفعة القومية، أصبحت جامعة قويَّة، ورابطة متينة، لا ينفذ إليها الغير. وإذا تحقَّق ذلك بين أبناء كلِّ أُمَّةٍ من الأمم العربية، ثم بينها وبين بعضها والبعض الآخر أمكن كذلك أن تُوجد رابطة أغنم من الرَّابطة العربية، تتألَّفُ منها عُصبَةُ أممٍ شرقيَّةٍ تُساهم فيها أمم الشرق الأدنى.
الشرق والغرب
وكان رحمه الله يؤثر الشرق دائمًا، ويعتزُّ بتقاليده على الرَّغمِ من أنه أتمَّ دروسه في سويسرا، وسافر في شبابه إلى إنجلترا وفرنسا، وساحَ في كثيرٍ من مُدُنِ أوروبا، وعكف على خدمة الإسلام والعرب وتركيا ومصر والسودان. وكان يقول: «الشرق شرق والغرب غرب.»
وهو قولٌ يؤيده التاريخ والواقع والماضي والحاضر.
وكان يقول: «إنَّ الغرب عمل في الماضي بسياسة فرِّق تَسُد، ولكن الحرب الحاضرة ستُغيِّرُ هذه السياسة، وستتغلَّبُ الدعوة إلى التعاون والتضامن في سبيلِ الإنسانية على كلِّ ما سواها.»
الاستقلال الاجتماعي
وقال لي سموه عن النهضة المصرية التي كان من أقوى أركانها، ومن أعظم بُناتها: «إن الخلافات الحزبية والدينية لا تزالُ من الأسباب التي تُعرقِلُ تقدُّم البلاد من الوجهتين السياسية والاجتماعية. وهناك عيب خطير في الناحية الاجتماعية، وهو أننا نترسم خُطَا الغربيين في الحَسَنِ والقبيحِ على السَّواءِ، ونقلِّد المدنية الغربية تقليدًا أعمى، فبينما ننادي ونتمسك بالاستقلال السياسي، نُفَرِّطُ كلَّ التفريط في استقلالنا الاجتماعي، بل في استقلالنا القومي.»
المرأة والمحاماة
وكان لسموه رأي في تعليم الفتاة المصرية واشتراكها في الأعمال الحرة؛ فهو يرى أن من أوجب الواجبات أن تتعلَّمَ كلَّ ما يمكنها أن تتعلمه من أنواع العلوم والآداب، ولكن في مقدمة ذلك كله تهذيبها وتعليمها ذلك التعليم الذي يُؤهِّلُهَا لأن تكون زوجة صالحة. ثم يلي هذا أن تتعلم ما لا بدَّ منه للنساء، وأن تعرف بعض الصنائع وما يدخل في بابِ جمال الحياة وزينتها؛ فتكون معلمة أو طبيبة أو قابلة أو مربية أو ناسجة أو خائطة أو موسيقية أو كاتبة أو شاعرة. أمَّا اشتغالها بالمهنِ البعيدة عن وظيفتها كالمحاماة والهندسة، فكان لا يرى ذلك من الوجهة العملية، وإن كان لا يرفضه من الوجهة الثقافية.
وزارة الشئون الاجتماعية
وكنت أتحدَّثُ مع سموه يومًا عن الإصلاح الاجتماعي، ولم تكن وزارة الشئون الاجتماعية قد أُنشئت بعد، فقال سموه: إنَّ الإصلاح الاجتماعي في مصر يحتاجُ إلى أداة حكومية تُديره وتُشرِفُ عليه وتعاونه، ولا يكون ذلك إلَّا بإنشاءِ وزارة جديدة تُدعى وزارة الشئون الاجتماعية، فهو أوَّلُ من قال بها في مصر.
إذا لم نحكم السودان
ومن أبرز ما اشتهر به سموه في جهاده وبحثه التاريخي عنايتُه بالسودان. ومن أقواله التي اشتهرت عنه: «إذا لم نحكم السودان، فليحكمنا السودان.»
وكان يقول عن مصر والسودان: «أمَّةُ النِّيل الكُبرى.»
وقال لي: إنَّ جدي محمد علي ما أقدم على فتح السودان إلَّا لعلمه أن مصر من السودان والسودان من مصر جزءٌ لا يتجزَّأُ.
الشبان والأعمال الحرة
وقد كان سمو الأمير عمر طوسون في شبابه أعظم مثل للشباب العصامي؛ فقد توفِّي والده طوسون باشا وهو في الرَّابعة من عمره، وبعد أن أتمَّ دراسته عكف على إدارة أعماله بنفسه، وكانت هذه الأعمال — ولا سيما ما يختصُّ بالأراضي التي ورثها عن والده — تحتاجُ إلى عنايةٍ وجهودٍ طويلةٍ؛ فقد كان الكثير منها أرضًا بورًا، فاستطاع بهمته أن يخلق منها أرضًا زراعية تُنتِجُ أحسن الإنتاج.