السعادة والشقاوة بعد المفارقة
اعلم أن الأنبياء — صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين — شرحوا أحوال الآخرة أتم شرح وبيان، وإنما بعثوا لسوق الناس إليها ترغيبًا وترهيبًا وتشويقًا وتخويفًا، مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، لا سيما ما في الشريعة الأخيرة من تقرير أحوال المعاد بالروحاني والجسداني، والعاجل والآجل، وضرب الأمثال فيها وإقامة البراهين عليها، وإنما يتعرف حال ما بعد الموت من الأنبياء عليهم السلام؛ لأنهم الذين اطلعوا على أحواله وحيًا وأخبارًا، والعقل المجرد كيف يهتدي إلى مقادير العلوم والأخلاق، حتى يرتب على كل علم وعمل جزاء في الآخرة مقدرًا عليها مناسبًا لها، ومن المعلوم أن العلوم مترتبة متفاضلة، وإنما شرفها بشرف معلوماتها، ومقادير الشرف فيها مترتبة على مقادير شرف المعلومات، ومقادير السعادة بها، والجزاء عليها مرتب على مقادير الشرف فيها، وكذلك الأخلاق والأعمال متفاوتة متفاضلة ومتمايزة بالخير والشر، والمقادير فيها عملًا وجزاءً مما لا يهتدي إليه عقل كل عاقل، إلا أن يكون مؤيدًا من عند الله عز وجل بالوحي والأنباء، مطلعًا على ما في ذلك العالم من أنواع الجزاء، فإذًا السعادة البدنية قد شرحها الشرع أتم شرح وبيان، فلا يحتاج إلى مزيد بسط.
أما السعادة أو الشقاوة التي بحسب الروح والقلب، فقد أشار إليها ونبه عليها في مواضع، ونحن نشرح ذلك بقدر ما تهتدي إليه العقول القاصرة في دار الغربة.
فنقول: يجب أن يعلم أن لكل قوة نفسانية لذة وخيرًا يخصها، وأذًى وشرًّا يخصها، مثاله أن لذة الشهوات أن يتأدى إليها من محسوساتها كيفية ملائمة من الحس، وكذلك لذة الغضب الظفر، ولذة الوهم الرجاء، ولذة الحفظ تذكر الأمور الماضية الموفقة، وأذى كل واحد منها ما يضاده، وتشترك كلها نوعًا من الشركة في أن الشعور بموافقها وملائمها هو الخير، واللذة الحاصلة بها وموافق كل واحد منها بالذات والحقيقة هو حصول الكمال الذي هو بالقياس إليه كمال بالفعل، فهذا أصل. وأيضًا فإن هذه القوى وإن اشتركت في هذه المعاني فإن مراتبها في الحقيقة مختلفة، فالذي كماله أفضل وأتم وأدوم وأوصل إليه وأحصل له، والذي هو في نفسه أشد إدراكًا كانت اللذة التي له أبلغ وأوفر، وهذا أصل، وقد يكون الخروج إلى الفعل في كمال بحيث يعلم أنه كائن لزيد، ولا يشعر باللذة ما لم يحصل له وما لم يشعر به لم ينزع نحوه مثل العنين فإنه متحقق أن الجماع لذيذ، ولكن لا يشتهيه ولا يحن إليه الاشتهاء والحنين اللذان يكونان مخصوصين به، بل شهوة أخرى، كما يشتهي من يجرب شهوة من حيث يحصل بها إدراك وإن كان مؤذيًا، وكذلك حال الأكمه عند الصور الجمالية، والأصم عند الألحان المنتظمة الرخيمة؛ ولهذا يجب أن لا يتوهم العاقل أن كل لذة فهو كما للحمار في بطنه وفرجه، وأن المبادئ الأُوَل المقربة عند رب العالمين عادمة للذة والغبطة.
وإن رب العالمين ليس في سلطانه وخاصيته البهاء الذي له، وقوته الغير المتناهية أمر في غاية الفضيلة والشرف والطيب، نجله عن أن نسميه لذة، فأي نسبة يكون لذلك مع هذه الحسية، ونحن نعرف ذلك يقينًا ولكن لا نشعر به لفقداننا تلك الحالة، فيكون حالنا حال الأصم والأكمه، وهذا أصل. وأيضًا فإن الكمال والأمر الملائم قد يتيسر للقوة الدراكة، وهناك مانع أو شاغل للنفس، فيكرهه ويؤثر ضده عليه، مثل كراهية المريض للعسل وشهوته للطعوم الردية الكريهة بالذات، وربما لم يكن كراهية، ولكن عدم الاستلذاذ به كالخائف يجد اللذة ولا يشعر بها، وهذا أصل. وأيضًا قد تكون القوة الدَّاركة ممنوة بضد ما هو كمالها، ولا يحس به ولا ينفر عنه حتى إذا زال العائق رجع إلى غريزته فتأذت به، مثل الممرور فربما لا يحس بمرارة فمه إلى أن يصلح مزاجه وينقي أعضاءه، فحينئذٍ ينفر عن الحال العارضة له. وكذلك قد يكون الحيوان غير مشتهٍ للغذاء البتة، وهو أوفق شيء له وكارهًا له، ويبقى عليه مدة طويلة، فإذا زال العائق عاد إلى واجبه في طبعه، فاشتد جوعه وشهوته للغذاء حتى لا يصبر عنه ويهلك عند فقدانه، وكذلك قد يحصل سبب الألم العظيم مثل حرق النار وتبريد الزمهرير، إلا أن الحس قد أصابته آفة فلا يتأذى البدن به حتى تزول الآفة فيحس به حينئذٍ.
فإذا تقررت هذه الأصول، فنقول: إن النفس الناطقة كمالها الخاص بها أن يصير عالمًا عقليًّا مرتسمًا فيه صورة الكل، والنظام المعقول في الكل، والخير الفائض في الكل، مبتدأ من مبدأ الكل وسالكًا إلى الجواهر الشريفة الروحانية المطلقة، ثم الروحانيات المعلقة نوعًا ما من التعلق بالأبدان، ثم الأجسام العلوية بهيئاتها وقواها، ثم كذلك حتى تستوفي في نفسها هيئة الوجود كله، فينقلب عالمًا معقولًا موازيًا للعالم الموجود كله، مشاهدًا لما هو الحسن المطلق والجمال المطلق، ومتحدًا به ومنتقشًا بمثاله وهيئته، ومنخرطًا في سلكه وصايرًا من جوهره.
فإذا قيس هذا بالكمالات المعشوقة التي للقوى الأخرى توجد في المرتبة التي بحيث يقبح معها أن يقال إنه أفضل وأتم منها، بل لا نسبة لها البتة بوجه من الوجوه فضيلة وتمامًا، وكثرة ودوامًا، وكيف يقاس الدوام الأبدي بدوام المتغير الفاسد، وكذلك شدة الوصول، فكيف يكون ما وصوله بملاقاة السطوح والأجسام بالقياس إلى ما وصوله بالسريان في جوهر الشيء، كأنه هو بلا انفصال، إذًا العقل والمعقول واحد أو قريب من الواحد، وأما أن المدرك في نفسه أكمل فهو أمر لا يخفى، وأما أنه أشد إدراكًا فأمر أيضًا يكشف عنه أدنى بحث، فإنه أكثر عددًا للمدركات وأشد تقصيًا للمدرك، وتجريدًا له عن الزوائد الغير الداخلة في معناه إلا بالعرض والخوض في باطنه وظاهره، بل كيف يعاير هذا الإدراك بذلك الإدراك، أو كيف يمكننا أن ننسب اللذة الحسية والبهيمية والغضبية إلى هذه السعادات واللذات، ولكنا في عالمنا هذا وأبداننا هذه وانغمارنا في الرذائل لا نحس بتلك اللذة إذا حصل شيء من أسبابها عندنا — كما أومأنا إليه في بعض ما قدمناه من الأصول — ولذلك لا نطلبها ولا نحنُّ إليها، اللهم إلا أن نكون قد خلعنا ربقة الشهوة والغضب وأخواتهما عن أعناقنا، وطالعنا شيئًا من تلك اللذة، فحينئذٍ ربما نتخيل منها خيالًا طفيفًا ضعيفًا، وخصوصًا عند انحلال المشكلات، واستيضاح المطلوبات اليقينية، والتذاذنا بذلك شبيه بالتذاذ الحس عن المذاقات اللذيذة بروائحها من بعيد.
وأما إذا انفصلنا عن البدن وكانت النفس تنبهت، وهي في البدن لكمالها الذي هو معشوقها، ولم تحصله وهي بالطبع نازعة إليه إذا عقلت بالفعل أنه موجود، إلَّا أن اشتغالها بالبدن — كما قلنا — أنساه ذاته ومعشوقه كما ينسي المرض الحاجة إلى بدل ما يتحلل، وكما ينسى الممرور الالتذاذ بالحلو واشتهاءه، وتميل بالشهوة منه إلى المكروهات، في الحقيقة عرض لها حينئذٍ من الألم لفقدانه كفاء ما يعرض من اللذة التي أوجبنا وجودها، ودللنا على عظم منزلتها، فيكون ذلك هو الشقاوة والعقوبة التي لا يعدلها تفريق النار للاتصال وتبديلها أو تبديل الزمهرير المزاج، فيكون مثلنا حينئذٍ مثل الخدر الذي أومأنا إليه فيما سلف، والذي قد عمل فيه نارًا وزمهريرًا، فمنعت المادة الملابسة وجوه الحس عن الشعور فلم يتأذ، ثم عرض أن زال العائق فشعر بالبلاء العظيم.
وأما إذا كانت القوة العقلية بلغت من النفس حدًّا من الكمال، فيمكنها به إذا فارقت البدن أن تستكمل الكمال الذي لها أن تبلغه، كان مثله مثل الخدر الذي أذيق المطعم الألذ، وعرض للحالة الأشهى وكان لا يشعر، فزال عنه الخدر فطالع اللذة العظيمة دفعة، وتكون تلك اللذة لا من جنس تلك اللذة الحسية والحيوانية بوجه، بل لذة تتشاكل الحالة الطيبة التي للجواهر الحية المحضة أجل من كل لذة وأشرف، فهذه السعادة وتلك الشقاوة ليست تكون لكل واحد من الناقصين، بل للذين أكسبوا اللذة العقلية الشوق إلى كمالها، وذلك عندما يتبرهن لهم أن من شأن النفس إدراك ماهية الكل بكسب المجهول من المعلوم والاستكمال بالفعل، فإن ذلك ليس فيها بالطبع الأول أيضًا في سائر القوى، بل شعور أكثر القوى بكمالاتها إنما يحدث بعد أسباب.
وأما النفوس والقوى الساذجة الصرفة فكأنها هيولى موضوعة لم تكتسب البتة هذا الشوق؛ لأن هذا الشوق إنما يحدث حدوثًا وينطبع في جوهر النفس، إذا تبرهن للقوة النفسانية أن ها هنا أمورًا يكسبها العلم بالحدود الوسطى وبمبادئ معلومة بأنفسها، وأما قبل ذلك فلا يكون؛ لأن هذا الشوق يتبع رأيًا وليس رأيًا أوليًّا بل رأيًا مكتسبًا، فهؤلاء إذا اكتسبوا هذا الرأي لزم النفس ضرورة هذا الشوق، وإذا فارق ولم يحصل معه ما يبلغ به بعد الانفصال التام وقع في هذا النوع من الشقاء الأبدي؛ لأنه إنما كانت تلك السعادة تكتسب بالبدن لا غير وقد فارق، وهؤلاء إما مقصرون عن السعي في كسب الكمال الإنسي، أو معاندون جاحدون متعصبون لآراء فاسدة متضادة للآراء الحقيقية، وحال الجاحدين أشد من حال المقصرين، وحال المقصرين أشد من حال النفوس الساذجة الصرفة، وأما أنه كم ينبغي أن يحصل عند نفس الإنسان من تصور المعقولات حتى يجاوز به الحد الذي في مثله تقع هذه الشقاوة، فليس يمكنني أن أنص عليه نصا إلا بالتقريب، وأظن أن ذلك أن يتصور نفس الإنسان المبادئ المفارقة تصورًا حقيقيًّا، ويصدق بها تصديقًا يقينيًّا لوجودها عنده بالبرهان، ويعرف العلل الغائية للأمور الواقعة في الحركات الكلية دون الجزئية التي لا تتناهى، ويتقرر عنده هيئة الكل ونسب أجزائه بعضها إلى بعض، والنظام الآخذ من المبدأ الأول إلى أقصى الموجودات الواقعة في ترتيبه، ويتصور العناية الشاملة للكل وكيفيتها، ويتحقق أن الذات الحق الموجد للكل أي وجود يخصها، وأي وحدة تخصها، وأنها كيف تعرف حتى لا يلحقها تكثر وتغير بوجه من الوجوه، وكيف ترتبت نسبة الوجود إليه جل وعلا، ثم كلَّما ازداد الناظر استبصارًا ازداد للسعادة استعدادًا، وكأنه ليس يتبرأ الإنسان عن هذا العالم وعلائقه، إلَّا أن يكون أكد العلاقة مع ذلك العالم، فصار له شوق إلى ما هناك، وعشق لما هناك، يصده عن الالتفات إلى ما خلفه جملة.
ونقول أيضًا إن هذه السعادة الحقيقية لا تتم إلَّا بإصلاح الجزء العملي من النفس، فإليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه. ونقدم لذلك مقدمة، فنقول: إن الخلق هو ملكة يصدر بها عن النفس أفعال ما بسهولة من غير تقدم روية، والخلق المحمود هو الوسط بين الطرفين المذمومين؛ فكلا طرفي قصد الأمور ذميم، وقد شرحنا ذلك أتم شرح فيما سبق؛ وجملته أن لا تحكم العلاقة مع القوى البدنية قصدًا، بل يكون للعقل العملي يد الاستيلاء، وللقوة الحيوانية الانقياد والمطاوعة.
فالعقل ينبغي أن يتأثر عن القوى الحيوانية بل يؤثر، والقوى الحيوانية ينبغي أن تتأثر ولا تؤثر، فإذا كان كذلك فتكون النفس على جبلتها مع إفادة هيئة الاستعلاء والتنزه، وذلك غير مضاد لجوهره ولا مائل به إلى جهة البدن، ثم النفس إنما كان البدن يغمره ويلهيه ويغفله عن الشوق الذي يخصه، وعن طلب الكمال الذي له، وعن الشعور بلذة الكمال إن حصل له، أو الشعور بألم فقد الكمال إن قصر عنه، لا بأن النفس منطبعة فيه أو منغمسة فيه، لكن للعلاقة التي بينهما، وهو الشوق الجبلي إلى تدبيره والاشتغال بآثاره، وما يورده عليه من عوارضه، فإذا فارق وفيه ملكة الاتصال به وكان قريب الشبه من حاله، وهو فيه فبقدر ما ينقص من ذلك، يزول عنه غفلته عن حركة الشوق الذي له إلى كماله، وبقدر ما يبقى منه يصده عن الاتصال الصرف بمحل سعادته، ويحدث هناك من الحركات المشوشة ما يعظم أذاه.
ثم تلك الهيئة البدنية مضادة لجوهره مؤذية له، وإنما كان يلهيه عنه البدن وتمام انغماسه فيه، فإذا فارقته أحست بتلك المضادة العظيمة، فإن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا، وتأذت أذًى عظيمًا، لكن هذا الأذى وهذا الألم ليس لأمر ذاتي بل لأمر عارض غريب، والأمر العارض الغريب لا يدوم ولا يبقى ويزول ويبطل مع ترك الأفعال التي كانت تثبت تلك الهيئة بتكريرها، فيلزم إذًا أن تكون العقوبة التي بحسب ذلك غير خالدة، بل تزول وتنمحي قليلًا قليلًا، حتى تزكو النفس وتبلغ السعادة التي تخصها؛ ولهذا لم ير أهل السنة تخليد أهل الكبائر من المؤمنين؛ لأن أصل الاعتقاد راسخ والعوارض تزول، ويعفى عنها وتغفر.
وأما النفوس البله التي لم تكتسب الشوق ولم تحن إلى المعارف التي للعارفين، فإنها إذا فارقت الأبدان وكانت غير مكتسبة للهيئات الردية، صارت إلى سعة رحمة الله تعالى ونوع من الراحة؛ ولهذا قال عليه السلام: «أكثر أهل الجنة البله، وعليون لذوي الألباب.» وأما إن كانت مكتسبة للهيئات البدنية ملطخة بالمعاصي وكدورات الشهوات، وليس عندها هيئة غير ذلك ولا معنى يضاده وينافيه، فيكون لا محالة شوقها إلى مقتضاها، فتتعذب عذابًا شديدًا لفقدان البدن ومقتضيات البدن من غير أن يحصل المشتاق إليه؛ لأن آلة الذكر والفكر قد بطلت وخلق التعلق بالبدن قد بقي، وإن اعتقدت اعتقادات باطلة وآراء فاسدة، ومع ذلك تعصب لتلك الاعتقادات وجحد الحق، فذلك هو حليف ألم ورفيق عذاب أليم مقيم.
والنفس الإنسانية إذا تجردت عن البدن، ولم يبق لها علاقة إلا بعالمها، فإنه يجوز أن يكون فيها ما يكون بالعقل والرأي وسائر ما يعقل مما يليق بذلك العالم، الذي هو عالم الثبات والكون بالفعل، وهو عالم اتصال النفس بالمبادئ التي فيها هيئة الوجود كلها، فتنتقش به فلا يكون هناك نقصان وانقطاع من الفيض المتمم، حتى تحتاج أن يفعل فعلًا ينال به كمالًا، ويقول قولًا ينال به كمالًا، وذلك هو الفكر والذكر ونحوهما، فإنها تنتقش بنقش الوجود كله، فلا يحتاج إلى طلب نقش آخر، فلا يتصرف في شيء مما كان في هذا العالم وفي تحصيلها على هيئاتها الجزئية، طالبة لها من حيث كانت جزئية. والنفس الزكية تعرض عن هذا العالم وهي متصلة بعد بالبدن، ولا تحفظ ما يجري فيه عليها ولا تحب أن تذكر، فكيف الفائز بالتجرد المحض مع الاتصال بالحق والجمال المحض، والعالم الأعلى الذي في حيز السرمد، وهو عالم ثبات ليس عالم التجدد الذي في مثله يتأتى أن يقع الفكر والذكر، وإنما عالم التجدد عالم الحركة والزمان، فالمعاني العقلية الصرفة والمعاني التي تصير جزئية مادية كلها هناك بالفعل، وكذلك حال نفوسنا.
والحجة في ذلك أنه لا يجوز أن تقول إن صور المعقولات حصلت في الجواهر التي في ذلك العالم على سبيل الانتقال من معقول، فلا يكون هناك انتقال من حال إلى حال، حتى أنه لا يقع أيضًا للمعنى الكلي تقدم زماني على المعنى الجزئي كما يقع ها هنا، فإنك تحصل الكلي أولًا ثم تأتي الحالة الزمانية فتفصل، بل العلم بالمجمل من حيث هو مجمل، وبالمفصل من حيث هو مفصل، مما لا يفصل بينهما الزمان، فإذا كان هذا هكذا في الجوهر الذي هو الخاتم، فكذلك هو في الجوهر الذي هو كالشمع، فإن نسبة الجوهر الذي هو كالشمع حين ترتفع العوائق إلى الذي هو كالخاتم نسبة واحدة، فلا يتقدم فيها انتقاش ولا يتأخر، بل الكل معًا. وهذا فصل في غاية التحقيق.