القصيدة الهائية
ما بال نفسي تطيل شكواها
إلى الورى وهي ترتجي الله
يفسد إخلاصها شكايتها
ذاك الذي راعها وأرداها
لو أنها من مليكها اقتربت
وأخلصت ودها لأدناها
لكنها آثرت بريته
عليه جهلًا به فأقصاها
أفقرها للورى ولو لجأت
إليه من دونهم لأغناها
تشكو إلى خلقه كأنهم
قد ملكوا نفعها وضراها
لو فوضت أمرها لخالقها
وصححت صدقها وتكلاها
عوضها من همومها فرجًا
ولم يدعها بطول غماها
تسخطه في رضا بريته
تبا لها ما أجل بلواها
لو أنها للعباد مسخطة
مرضية ربها لأرضاها
لدي نفس أحب أنعتها
لتعرفوا نعتها وأسماها
فاسمع صفاتي لها لعلك أن
تفهم ذا اللب سر معناها
تسعى إلى اللهو وهو غايتها
يا ويلها ما أضر مسعاها
أزجرها وهي لي مخالفة
كأنني لست من أوداها
تنظر في عيب غيرها سفها
وكم عيوب لها فتنساها
قد ظلمتني بسوء عشرتها
ولم تدع لي تقوى ولا جاها
كثيرة اللغو في مجالسها
قليلة الذكر في مصلاها
قليلة الشكر عند نعمتها
ضعيفة الصبر عند بلواها
بطيئة السعي في مصالحها
سريعة الجري في بلاياها
كثيرة المطل في مواعدها
كذوبة في جميع دعواها
بصيرة بالهوى وفتنته
عمية عن أمور أخراها
نشيطة عند وقت لذتها
كاسلة عند وقت ذكراها
نئومة العين عن عبادة من
أتقن تصويرها فسواها
كثيرة الأمن عند صحتها
عظيمة الخوف عند ضراها
حليفة الكبر والرياء فقد
أفسدها كبرها وأطغاها
عظيمة المدح والثناء لمن
يرفع مقدارها ومثواها
مطيلة الذم بالقبيح لمن
عرفها قدرها وطغياها
تفرح في أكلها ومشربها
وجها للمنام أغراها
ذاكرة للورى مساويهم
ناسية ما جناه كفراها
كم بين نفسي وبين نفس فتى
طهرها بالتقى ونقاها
علمها رشدها وبصرها
ثم بقوت الحلال غداها
أقامها في الدجى على قدم
فانهملت بالدموع عيناها
إذا اشتهت شهوة يعودها
بخوف معبودها فسلاها
وراضها بالصيام فانقمعت
بالرغم عن غيها ومغراها
ذاكرة للإله شاكرة
مخلصة سرها ونجواها
لله نفس امرئ موفقة
آوت إلى ربها فآواها
شرفها ربها وكرمها
ومن مياه اليقين أرواها
سمت إليه بحسن فكرتها
ثم صافي ودادها فصفاها
تلك التي إن دعت لحاجتها
أجابها مسرعًا ولباها
إن بليت بالخطوب صبرها
أو سألت ما يريد أعطاها
ليست كنفس لدي عاصية
آمرها جاهدًا وأنهاها
وهي لأمر الإله عاصية
ويلي لما قد جنت وويلاها
كيف إلى ربها تنوب وقد
ذلت لشيطانها فأغراها
فكلما قلت نفس ازدجري
وراقبى في أمورك الله
صمت عن الحق وهي سامعة
كأنني ما أريد إياها
لو علمت بعض ماله خلقت
أحزنها علمها وأبكاها
لو تعرف الله حق معرفة
لصححت برها وتقواها
لكنها جهلها بخالقها
أغفلها رشدها وألهاها
يا ويح نفسي والويح حق لها
إن صدها ربها وأرداها
تغرها لذة الحياة وما
تدري إلى ما يكون عقباها
قد ضقت ذرعًا بها وأحبسها
لم أك أعصى الإله لولاها
إن أنا حاولت طاعة فترت
وأظهرت وحشة وإكراها
صرت مع النفس في محاربة
تأمرني بالهوى وأنهاها
نحن كقرنين في معاركة
أدرع الصبر عند لقياها
وهي بجند الهوى مبارزتي
وأي صبر يطيق هيجاها
إن جبنت بالقتال شجعها
أو ضعفت في اللقاء قواها
أصرعها تارة وتصرعني
لكن لها السبق حين ألقاها
أحبها وهي لي معادية
كأنني لست من أحباها
عدوة لا أطيق أبغضها
يا ليتني أستطيع أنساها
سابحة في بحار فتنتها
جاثية في سدول ظلماها
أحسبها إن أبت موافقتي
خاسرة دينها ودنياها
يا رب عجل لها بتوبتها
واغسل بماء التقى خطاياها
إن تك يا سيدي معذبها
من ذا الذي يرتجي لرحماها
فالطف بها واغتفر خطيئتها
إنك خلاقها ومولاها