مراتب العقل من الكتاب الإلهي
فالمشكاة مثل للعقل الهيولاني، فكما أن المشكاة مستعدة لأن يوضع فيها النور، فكذلك النفس بالفطرة مستعدة لأن يفيض عليها نور العقل، ثم إذا قويت أدنى قوة وحصلت لها مبادئ المعقولات فهي الزجاجة، فإن بلغت درجة تتمكن من تحصيل المعقولات بالفكرة الصائبة فهي الشجرة؛ لأن الشجرة ذات أفنان، فكذلك الفكرة ذات فنون، فإن كانت أقوى وبلغت درجة الملكة، فإن حصل لها المعقولات بالحدس فهي الزيت، فإن كانت أقوى من ذلك فيكاد زيتها يضيء، فإن حصل له المعقولات كأنه يشاهدها ويطالعها فهو المصباح، ثم إذا حصلت له المعقولات فهو نورٌ على نورٍ؛ نور العقل المستفاد، على نور العقل الفطري، ثم هذه الأنوار مستفادة من سبب هذه الأنوار بالنسبة إليه، كالسراج بالنسبة إلى نار عظيمة طبقت الأرض، فتلك النار هي العقل الفعال المفيض لأنوار المعقولات على الأنفس البشرية، وإن جُعلت الآية مثالًا للعقل النبوي فيجوز؛ لأنه مصباح يوقد من شجرة أمرية مباركة نبوية، زيتونة أمية لا شرقية طبيعية ولا غربية بشرية، يكاد زيتها يضيء ضوء الفطرة وإن لم تمسه نار الفكرة، نور من الأمر الربوبي على نور من العقل النبوي … يهدي الله لنوره من يشاء.