تقويم الأندلس
والأندلس في عرف أهلها اليوم عبارة عن ثماني ولايات: ولاية ألمرية، وولاية قادش، وولاية قرطبة، وولاية غرناطة، وولاية حولفا، وولاية جيان، وولاية مالقة، وولاية إشبيلية، ومساحتها السطحية ٨٦٦٨٧ كيلومترًا مربعًا، وسكانها زهاء أربعة ملايين، فهي نحو خمس إسبانيا الحالية بسكانها، ونحو سدسها بمساحتها السطحية. هذا ما يطلق عليه اليوم اسم الأندلس، بيد أن حكم العرب تجاوز ذلك إلى برشلونة، وما وراءها من الشرق وإلى لشبونة، وما جاوزها في الغرب، ولم يبق في أيدي الإسبانيين والبرتغاليين من هذه الجزيرة التي تبلغ مساحتها زهاء نصف مليون وأربعة آلاف كيلومتر مربع سوى أراض مصخرة ضئيلة من الشمال تعرف ببلاد الجلالقة وآستوريا.
فالعرب لم يملكوا إذًا الجزيرة بأسرها حين افتتحوها، وإنما ملكوا معظمها، ولذلك لا تعرف مساحة الأندلس العربية على التحقيق، ويقول المسعودي: إن مسيرة عمائر الأندلس ومدنه نحو من شهرين، ولهم من المدن الموصوفة نحو من أربعين مدينة، وقال غيره في أرض الأندلس العامر والغامر، فكانت من ثمَّ مساحة الأندلس تختلف بحسب تغلب العرب على أعدائهم أو تغلب أعدائهم عليهم، وكم من الأقاليم والمدن في الشمال والغرب والشرق دخلت مرات في حكم العرب ثم خرجت عنهم، فقد كان عملها لعبد الرحمن بن معاوية في القرن الثاني ثلاثمائة فرسخ في ثمانين، ثم صغرت في القرن الثامن حتى أصبحت — كما وصفها العمري — كمفحص القطاة ضيقًا، ومدرج النمل طريقًا.
لا جرم أن مقام العرب في الأندلس كان غير طبيعي؛ لمجاورتها لأمم قوية الشكيمة، مخالفة لها في الجنس واللسان والدين، حتى إن عمر بن عبد العزيز لما ولَّى السمح بن مالك عليها أمره أن يكتب إليه بصفتها وأنهارها، وكان رأيه انتقال أهلها منها؛ لانقطاعهم عن المسلمين، قال المؤرخ: وليت الله كان أبقاه حتى يفعل، فإن مصيرهم إلى بوار إلا أن يرحمهم الله.
وصف المراكشي ما كان في أيدي الإسبان والبرتغال من أرض الأندلس سنة ٦٢١ﻫ فقال: أول المدن في الحد الجنوبي الشرقي على ساحل البحر الرومي مدينة برشنونة (برشلونة) ثم مدينة طركونة، ثم مدينة طرشوشة، والمدن التي على غير الساحل في هذا الحد المذكور مدينة سرقسطة ولاردة وأفراغة وقلعة أيوب هذه كلها يملكها صاحب برشنونة، وهي الجهة التي تسمى أرغن، وفي الحد المتوسط ما بين الجنوب والغرب مدينة طليطلة وكونكة وأقليج وطلبيرة ومكادة ومشريط (مجريط) ووبذ وأيلة وشقوبية هذه كلها يملكها الأدفنش وتسمى هذه الجهة: قشتال.
وتجاوز هذه المملكة فيما يميل إلى الشمال قليلًا مدن كثيرة أيضًا، وهي: سمورة وشلمنكة والسبطاط وقلمرية، هذه كلها يملكها رجل يعرف بالببوج، وتسمى هذه الجهة: ليون، وفي الحد المغربي الذي هو ساحل البحر الأعظم أقيانس، ومدن أيضًا منها مدينة الأشبونة وشنترين وباجة وشنترة وشنتياقو ويابرة ومدن كثيرة يملكها رجل يعرف بابن الريق، ووراء هذه المدن مما يلي بلاد الروم مدن كثيرة. ثم ذكر ما يملكه المسلمون لعهده من الأندلس؛ فأورد حصن بنشكله وطرطوشة وبلنسية وشطبة وجزيرة الشقر ودانية ومرسية وغرناطة وحصون لرقة وبلش وقلية وبسطة ووادي آش وألمرية وحصن منكب ومالقة والجزيرة الخضراء.
وقوم القلقشندي الأندلس في المائة الثامنة، فقال: إن الأندلس أقامت بأيدي المسلمين إلى رأس الستمائة سنة من الهجرة، ولم يبق منا بيد المسلمين إلا غرناطة وما معها من شرق الأندلس عرض ثلاثة أيام في طول عشرة أيام، وباقي الجزيرة على سعتها بيد النصارى الفرنج، وأن المستولي على ذلك منهم أربعة ملوك؛ الأول: صاحب طليطلة وما معها، ولقبه الأدفونش سمة على كل من ملك منهم، وعامة المغاربة يسمونه ألفنس، وله مملكة عظيمة وعمالات متسعة تشتمل على طليطلة وقشتالة وإشبيلية وبلنسية وقرطاجنة وجيان وجليقية وسائر أعمالها. الثاني: صاحب لشبونة وما معها، وتسمى البرتغال، ومملكته صغيرة واقعة في الجانب الغربي، وهي تشتمل على لشبونة وغرب الأندلس. الثالث: صاحب برشلونة وأرغن وشاطبة وسرقسطة وبلنسية وجزيرة دانية وميورقة. الرابع: بيرة، وهي بين عمالات قشتالة وعمالات برشلونة، وقاعدته مدينة ينبلونة، ويقال لملكها: ملك البشكنس.
هذا في الجملة تقويم الأندلس في القديم، وكلما توغلت في سمت الشمال صعب المرور؛ لكثرة الجبال وترامي المسافات، وهي اليوم في الخطوط الحديدية سهلة في الجملة، فإذا جئت من مدينة باريز وهو الطريق الذي سلكناه تصل إلى مجريط في ست وعشرين ساعة وهي ١٤٥٥ كيلومترًا، ومن مجريط إلى قرطبة ٤٤٢ كيلومترًا، ومن قرطبة إلى إشبيلية ١٣١ كيلومترًا، ومن غرناطة إلى جبل طارق ٣٠١ كيلومتر، ويتأتى اختصار هذه المسافات إذا كانت القطر تقصد إلى البلد مباشرة بدون تنقل أو تعاريج، ولكن تقل فيها الخطوط المستقيمة والقاطرات.