واستهلت سنة ست وعشرين ومايتين وألف (سنة ١٨١١م)
فكان أول المحرم يوم السبت، فيه أظهر الباشا الاهتمام بأمر الحجاز والتجهيز للسفر، وركب في ليلة الجمعة سابعه إلى السويس، وسافر صحبته السيد محمد المحروقي وقام باحتياجاته ولوازمه، فلما وصل إلى السويس حجز الدواب والسفن التي بالأساكل وحوزها، واستولى على البن الذي وجده ببندر السويس للتجار، فلما وصل خبر ذلك إلى مصر فغلا سعر البن وزاد حتى وصل إلى خمسين ريالًا فرانسة بعد أن كان بستة وتلاتين عنها اثنا عشر ألف فضة وخمسماية نصف فضة.
واستهل شهر صفر الخير بيوم الأحد (سنة ١٢٢٦)
في تانيه يوم الاتنين حضر الباشا من السويس إلى مصر في سادس ساعة من الليل، فضربوا في صبحها عدة مدافع لحضوره، وقد حضر على هجين بمفرده، ولم يصحبه إلا رجل بدوي على هجين أيضًا ليدله على الطريق، وقطع المسافة في إحدى عشرة ساعة، وحضر من كان بصحبته في تاني يوم، وهم مجدون السفر.
وحضر السيد محمد المحروقي بحمولة في اليوم التالت، وأخبروا أن الباشا أنزل من ساحة السويس خمسة مراكب من المراكب التي أنشاها باحتياجاتها ولوازمها وعساكرها، ووجههم إلى ناحية اليمن ليقبضوا على ما يجدونه من المراكب، وأن الصناع مجتهدون في العمل في مراكب كبار لحمل الخيول والعساكر واللوازم.
وفيه حضر صالح أغا قوج حاكم أسيوط، وتناقلت الأخبار عن الأمرا المصريين القبليين بأنهم حضروا إلى الطينة، ورجعوا إلى ناحية قنا وقوص، وخرج إليهم أحمد أغا لاظ وتحارب معهم، وقتل من عساكره عدة وافرة.
وفيه قلد الباشا ابنه طوسون باشا صاري عسكر الركب الموجه إلى الحجاز، وأخرجوا جاليشهم إلى ناحية قبة العزب، ونصبوا عرضيًّا وخيامًا وأظهر الباشا الاجتهاد الزايد والعجلة وعدم التواني، ونوه بتسفير عساكر لناحية الشام لتمليك يوسف باشا لمحله، وصاري عسكرهم شاهين بك الألفي، ونحو ذلك من إلإيهامات، وطلب من المنجمين أن يختاروا وقتًا صالحًا لإلباس ابنه خلعة السفر، فاختاروا له الساعة الرابعة من يوم الجمعة، فلما كان يوم الخميس رابعه طاف ألاي جاويش بالأسواق على صورة الهيئة القديمة في المناداة على المواكب العظيمة، وهو لابس الضُّلمة والطبق على راسه وراكب حمارًا عاليًا، وأمامه مقدم بعكاز، وحوله قابجية ينادون بقولهم: «يارن ألاي» ويكررون ذلك في أخطاط المدينة، وطافوا بأوراق التنابيه على كبار العسكر والبينباشيات والأمرا المصرية الألفية وغيرهم، يطلبونهم للحضور في باكر النهار إلى القلعة، ليركب الجميع بتجملاتهم وزينتهم أمام الموكب.
ذكر مقتل الأمرا المصريين وأتباعهم (مذبحة القلعة)
فلما أصبح يوم الجمعة سادسه ركب الجميع وطلعوا إلى القلعة، وطلع المصرية بمماليكهم وأتباعهم وأجنادهم، فدخل الأمرا عند الباشا وصبحوا عليه وجلسوا معه حصة وشربوا القهوة وتضاحك معهم، ثم انجر الموكب على الوضع الذي رتبوه فانجر طايفة الدلاة وأميرهم المسمى أزون أوغلي، ومن خلفهم الوالي والمحتسب والوجاقلية والألداشات المصرية ومن تزيا بزيهم، ومن خلفهم طوايف العسكر الرجالة والخيالة والبيكباشيات وأرباب المناصب منهم، وإبراهيم أغا أغات الباب، وسليمان بك البواب يذهب ويجي ويرتب الموكب.
وكان الباشا قد بيت مع حسن باشا وصالح قوج والكتخدا فقط غدر المصرية وقتلهم، وأسر بذلك في صبحها إبراهيم أغا أغات الباب، فلما انجر الموكب وفرغ طايفة الدلاة ومَن خلفهم مِن الوجاقلية والألداشات المصرية وانفصلوا من باب العزب، فعند ذلك أمر صالح قوج بغلق الباب، وعرَّف طايفته بالمراد فالتفتوا ضاربين بالمصرية، وقد انحصروا بأجمعهم في المضيق المنحدر الحجر المقطوع في أعلى باب العزب مسافة ما بين الباب الأعلى الذي يتوصل منه إلى رحبة سوق القلعة إلى الباب الأسفل، وقد أعدوا عدة من العساكر أوقفوهم على علاوي النقر الحجر والحيطان التي به، فلما حصل الضرب التحتانيين أراد الأمرا الرجوع القهقرى، فلم يمكنهم ذلك لانتظام الخيول في مضيق النقر، وأخذهم ضرب البنادق والقرابين من خلفهم أيضًا، وعلم العسكر الواقفون بالأعالي المراد فضربوا أيضًا، فلما نظروا ما حل بها سقط في أيديهم وارتبكوا في أنفسهم وتحيروا في أمرهم، ووقع منهم أشخاص كثيرة فنزلوا عن الخيول، واقتحم شاهين بك وسليمان بك البواب وآخرون في عدة من مماليكهم راجعين إلى فوق والرصاص نازل عليهم من كل ناحية، ونزعوا ما كان عليهم من الفراوي والثياب الثقيلة، ولم يزالوا سايرين وشاهرين سيوفهم حتى وصلوا إلى الرحبة الوسطى المواجهة لقاعة الأعمدة، وقد سقط أكثرهم.
وأصيب شاهين بك وسقط إلى الأرض فقطعوا راسه وأسرعوا بها إلى الباشا ليأخذوا عليها البقشيش، وكان الباشا عندما ساروا بالموكب ركب من ديوان السراية وذهب إلى البيت الذي به الحريم، وهو بيت إسماعيل أفندي الضربخانة.
وأما سليمان بك البواب فهرب من حلاوة الروح وصعد إلى حايط البرج الكبير، فتابعوه بالضرب حتى سقط وقطعوا راسه أيضًا، وهرب كثير إلى بيت طوسون باشا يظن الالتجا به والاحتما فيه، فقتلوهم وأسرف العسكر في قتل المصريين وسلب ما عليهم من الثياب ولم يرحموا أحدًا، وأظهروا كامن حقدهم وضَبَّعوا فيهم وفيمن رافقهم متجملًا معهم من أولاد الناس وأهالي البلد الذين تزيوا بزيهم لزينة الموكب وهم يصرخون ويستغيثون، ومنهم من يقول: أنا لست جنديًّا ولا مملوكًا، وآخر يقول: أنا لست من قبيلتهم، فلم يَرِقُّوا لصارخ ولا شاكٍ ولا مستغيث، وتتبعوا المتشتتين والهربانين في نواحي القلعة وزواياها، والذين فروا ودخلوا في البيوت والأماكن.
وقبضوا على من أمسك حيًّا ولم يمت من الرصاص أو متخلفًا عن الموكب وجالسًا مع الكتخدا، كأحمد بك الكيلارجي ويحيى بك الألفي وعلي كاشف الكبير، فسلبوا ثيابهم وجمعوهم إلى السجن تحت مجلس كتخدا بك.
ثم أحضروا أيضًا المشاعلي لرمي أعناقهم في حوش الديوان واحدًا بعد واحد، من ضحوة النهار إلى أن مضى حصة من الليل في المشاعل، حتى امتلأ الحوش من القتلى.
ومن مات من المشاهير المعروفين وانصرع في طريق القلعة قطعوا راسه وسحبوا جثته إلى باقي الجثث، حتى إنهم ربطوا في رجلَي شاهين بك ويديه حبالًا وسحبوه على الأرض مثل الحمار الميت إلى حوش الديوان؛ هذا ما حصل بالقلعة.
وأما أسفل المدينة، فإنه عندما أغلق باب القلعة وسمع من بالرميلة الرصاص، وقعت الكرشة في الناس، وهرب من كان واقفًا بالرميلة من الأجناد في انتظار الموكب، وكذلك المتفرجون، واتصلت الكرشة بأسواق المدينة فانزعجوا، وهرب من كان بالحوانيت لانتظار الفرجة، وأغلق الناس حوانيتهم، وليس لأحد علم بما حصل، وظنوا ظنونًا.
وعندما تحقق العسكر حصول الواقعة وقتل الأمرا انبثوا كالجراد المنتشر إلى بيوت الأمرا المصريين ومن جاورهم طالبين النهب والغنيمة، فولجوها بغتة ونهبوها نهبًا ذريعًا، وهتكوا الحراير والحريم، وسحبوا النسا والجواري والخوندات والستات، وسلبوا ما عليهن من الحلي والجواهر والثياب، وأظهروا الكامن في نفوسهم، ولم يجدوا مانعًا ولا رادعًا، وبعضهم قبض على يد امرأة ليأخذ منها السوار فلم يتمكن من نزعها بسرعة فقطع يد المرأة.
وحل بالناس في بقية ذلك اليوم من الفزع والخوف وتوقع المكروه ما لا يوصف؛ لأن المماليك والأجناد تداخلوا وسكنوا في جميع الحارات والنواحي، وكل أمير له دار كبيرة فيها عياله وأتباعه ومماليكه وخيوله وجِماله، وله دار وداران صغار في داخل العطف ونواحي الأزهر والمشهد الحسيني، يوزعون فيها ما يخافون عليه لظنهم بُعدها وحمايتها بحرمة الخطة، وصونها عند وقوع الحوادث، وكثير من كبار العسكر مجاورون لهم في جميع النواحي، ويرمقون أحوالهم ويطلعون على أكثر حركاتهم وسكناتهم، ويتدخلون فيهم ويعاشرونهم ويسامرونهم بالليل، ويُظهرون لهم الصداقة والمحبة، وقلوبهم محشوة من الحقد عليهم والكراهة لهم، بل والجميع أبناء العرب.
فلما حصلت هذه الحادثة بادروا لتحصيل مأمولهم، وأظهروا ما كان مخفيًّا في صدورهم، وخصوصًا من التشفي في النسا، فإن العظيم منهم كان إذا خطب أدنى امرأة ليتزوج بها فلا ترضى به وتعافه وتأنف قربه، وإن ألح عليها استجارت بمن يحميها منه، وإلا هربت من بيتها واختفت شهورًا، وذلك بخلاف ما إذا خطبها أسفل شخص من جنس المماليك أجابته في الحال.
واتفق أنه لما اصطلح الباشا مع الألفية وطلبوا البيوت، ظهر كثير من النسا المستترات المخفيات، وتنافسوا في زواجهم وعملوا لهم الكساوي وقدموا لهم التقادم، وصرفوا عليهم لوازم البيوت التي تلزم الأزواج لزوجاتهم، كل ذلك بمرأى من الأتراك يحقدونه في قلوبهم.
وفيهم من حمى جاره وصان دياره ومانع أعلاهم أدناهم، وقليل ما هم، وذلك لغرض يبتغيه وأمْر يرتجيه، فإنه بعد ارتفاع النهب كانوا يقبضون عليهم من البيوت، فيستولي الذي حماه ودافع عنه على داره وما فيها، وانتهبت دور كثيرة من المجاورين لهم أو لدور أتباعهم بأدنى شبهة وبغير شبهة، أو يدخلون بحجة التفتيش ويقولون: عندكم مملوك، أو سمعنا أن عندكم وديعة لمملوك، وبات الناس وأصبحوا على ذلك.
ونهب في هذه الحادثة من الأموال والأمتعة ما لا يقدِّر قدره ويحصيه إلا الله — سبحانه وتعالى — ونهبت دور كثيرة من دور الأعيان الذين ليسوا من الأمرا المقصودين، ومن المتقيدين بخدمة الباشا مثل ذي الفقار كتخدا المتولي خوليًّا على بساتين الباشا، التي أنشاها بشبرا، وبيت الأمير عثمان أغا الورداني، ومصطفى كاشف المورلي، والأفندية الكتبة وغيرهم، وأصبح يوم السبت والنهب والقتل والقبض على المتوارين والمختفين مستمر، ويدل البعض على البعض أو يغمز عليه.
وركب الباشا في الضحوة ونزل من القلعة وحوله أمراه الكبار مشاة، وأمامه الصفاشية والجاويشية بزينتهم وملابسهم الفاخرة، والجميع مشاة ليس فيهم راكب سواه، وهم محدقون به وأمامه، وخلفه عدة وافرة، والفرح والسرور بقتل المصريين والظفر بهم طافح من وجوههم.
فكان كلما مر على أرباب الدرك والقلقات والضابطين، وقف عليهم ووبخهم على النهب وعدم منعهم لذلك، والحال أنهم هم الذين كانوا ينهبون أولًا ويتبعهم غيرهم، فمر على العقادين الرومي والشواين فخرج إليه شخص من تجار المغاربة يسمى العربي الحلو، وصرخ في وجهه وهو يقول: إيش هذا الحال وإيش لنا علاقة حتى ينهبنا العسكر، ونحن ناس فقرا مغاربة متسببون، ولسنا مماليك ولا أجناد، فوقف إليه وأرسل معه نفرًا إلى داره، فوجدوا بها شخصين أحدهما تركي والآخر بلدي، وهما يلتقطان آخر النهب وما سقط من النهابين، فأمر بقتلهما فأخذوهما إلى باب الخرق وقطعوا روسهما.
ثم إنه عطف على جهة الكعكيين فلاقاه من أخبره بأن المشايخ مجتمعون ونيتهم الركوب لملاقاته والسلام عليه والتهنية بالظفر، فقال: أنا أذهب إليهم، ولم يزل في سيره حتى دخل إلى بيت الشيخ الشرقاوي، وجلس عنده ساعة لطيفة.
وكان قد التجا إلى الشيخ شخصان من الكشاف المصرية، فكلمه في شأنهما وترجى عنده في إعتاقهما من القتل، وأن يؤمنهما على أنفسهما، وقال له: لا تفضح شيبتي يا ولدي واقبل شفاعتي، وأعطهما محرمة الأمان؛ فأجابه إلى ذلك، وقال له: شفاعتك مقبولة ولكن نحن لا نعطي محارم، وأنا أماني بالقول أو نكتب ورقة ونرسلها إليك بالأمان، فاطمأن الشيخ لذلك ثم قام الباشا وركب وطلع إلى القلعة، وأرسل ورقة إلى الشيخ بطلبهما فقال لهما الشيخ: إن الباشا أرسل هذه الورقة يؤمنكما ويطلبكما إليه، فقالا: وما يفعل بذهابنا إليه؟ فلا شك في أنه يقتلنا، فقال الشيخ: لا يصلح ذلك ولا يكون، كيف أنه يأخذكم من بيتي ويقتلكم بعد أن قبل شفاعتي؟ فذهبا مع الرسول، فعندما وصلا إلى الحوش وهو مملو بالقتلى، وضرب الرقاب واقع في المحبوسين والمحضرين قبضوا عليهما وأدرجا في ضمنهم.
وفي ذلك اليوم نزل طوسون ابن الباشا وقت نزول أبيه، وشق المدينة وقتل شخصًا من النهابين أيضًا فارتفع النهب وانكف العسكر عن ذلك، ولولا نزول الباشا وابنه في صبح ذلك اليوم لنهب العسكر بقية المدينة، وحصل منهم غاية الضرر.
وأما القبض على الأجناد والمماليك فمستمر، وكذلك كل من كان يشبههم في الملبس والزي، وأكثر من كان يقبض عليهم عساكر حسن باشا الأرنؤدي، فيكبسون عليهم في الدور أو في الأماكن التي توارَوْا فيها واستدلوا عليهم، فيقبضون على من يقبضون عليه، وينهبون من الأماكن ما يمكنهم حمله وثياب النسا وحليهن، ويسحبون الواحد والاتنين أو أكثر بينهم ويأخذون عمايمهم وثيابهم وما في جيوبهم في أثنا الطريق، وإذا كان كبيرًا أو أميرًا يُستحيى منه طلبوه بالرفق، فإذا ظهر لهم قالوا له: سيدنا حسن باشا يستدعيك إليه فلا تخشَ من شي ويطمين قليلًا، ويظن أنهم يحيرونه، وعلى أي حال لا يسعه إلا الإجابة؛ لأنه إن امتنع أخذوه قهرًا، فإذا خرج من الدار استصحبه جماعة منهم، وطلع البواقي إلى الدار فأخذوا ما قدروا عليه ولحقوا بهم وجرى على المأخوذ ما يجري على أمثاله من المأخوذين.
والبعض توارى والتجا إلى طايفة الدلاة، وتزيا بشكلهم ولبس له طرطورًا، وأجاروه وهرب كثير في ذلك اليوم، وخرجوا إلى قبلي وبعضهم تزيا بزي نسا الفلاحين، وخرج في ضمن الفلاحات اللاتي يبعن الجلة والجبنة، وذهبوا في ضمنهم وفر من نجا منهم إلى الشام وغيرها.
وأما كتخدا بك فإنه لشدة بغضه فيهم صار لا يرحم منهم أحدًا؛ فكان كل من أحضروه ولو فقيرًا هرمًا من مماليك الأمرا الأقدمين يأمر بضرب عنقه، وأرسل أوراقًا إلى كُشاف النواحي والأقاليم بقتل كل من وجدوه بالقرى والبلدان، فوردت الروس في تاني يوم من النواحي فيضعونها بالرميلة، وعلى مصطبة السبيل المواجه لباب زويلة، وكان كثير من الأجناد بالأرياف لتحصيل الفرض التي تعهدوا بدفعها عن فلاحيهم، وانقضت أجلتهم وطولبوا بالدفع، والفلاحون قصرت أيديهم ولم يقبلوا للملتزمين عُذرًا في التأخير، فلم يسعهم إلا الذهاب بأنفسهم لأجل خلاص المطلوب منهم للديوان، فعندما وصلت الأوامر إلى كشاف الأقاليم بقتل الكاينين بالبلاد بادروا بقتل من يمكنهم قتله، ومَنْ بَعُد عنهم أرسلوا لهم العساكر في محلاتهم، فيدهمونهم على حين غفلة ويقتلونهم وينهبون متاعهم، وما جمعوه من المال ويرسلون بروسهم، أو يتحيلون على القبض عليهم وقتلهم، فصار يصل في كل يوم العدد من الروس من قبلي وبحري، ويضعونها على باب زويلة وباب القلعة، ولم يقبلوا شفاعة في أحد أبدًا، ويعطون الأمان للبعض فإذا حضروا قبضوا عليهم وشلحوهم ثيابهم وقتلوهم.
والباشا يعلم من كتخداه شدة الكراهة لجنس المماليك، ففوَّض له الأمر فيهم حتى إنه كان بينه وبين محمد أغا كتخدا الجاويشية سابقًا بعض منافرة من مدة سابقة؛ أو لكونه صاهر بعض الألفية وزوَّجه ابنته، وكان غايبًا ببلدة يقال لها الفرعونية جارية في إقطاعه تعهد بما عليها من الفرضة، فذهب إليها بنفسه ليستخلص منها الفرضة والمال الميري، فأرسل الكتخدا بك إلى كاشف المنوفية قبل الحادث بيوم يأمره فيه بأمره، فأرسل إليه طايفة من العسكر دخلوا عليه في الفجرية، وهو يتوضا لصلاة الصبح، فقتلوه وقطعوا راسه وأحضروها إلى مصر.
وكانوا يأتون بأشخاص من بقايا البيوت القديمة فيمثلونهم بين يدي الكتخدا، فيسألهم فيخبرون عن أنفسهم ونسبتهم، فيكذبهم ويأمر بهم إلى الحبس الأعلى حتى يتبين أمرُهم فإما تدركهم الألطاف فينجون بعد معاينة الموت، وهذا في النادر.
فقتل في هذه الحادثة أكثر من ألف إنسان أُمرا وأجناد وكشاف ومماليك، ثم صاروا يحملون رممهم على الأخشاب ويرمونهم عند المغسل بالرميلة، ثم يرفعونهم ويلقونهم في حفر من الأرض فوق بعضهم البعض لا يتميز الأمير عن غيره، وسلخوا عدة روس من روس العظما، وألقوا الجماجم المسلوخة على الرِّمم في تلك الحفر، فكانت هذه الكاينة من أشنع الحوادث التي لم يتفق مثلها.
ولم ينج من الألفية إلا أحمد بك زوج عديلة هانم بنت إبراهيم بك الكبير، فإنه كان غايبًا بناحية بوش، وأمين بك تسلق من القلعة وهرب إلى ناحية الشام، وعمر بك إيضا الألفي كان مسافرًا في ذلك اليوم إلى الفيوم فقتلوه هناك وبعثوا راسه بعد خمسة أيام، ومعها نحو الخمسة عشر راسًا، وأرسل دبوس أوغلي حاكم المنية خمسة وتلاتين راسًا، وحضر من ناحية بحري غير ذلك كثير.
وأما من قُتل في ذلك اليوم ممن له ذكر وبلغني خبره، فهم: شاهين بك كبير الألفية، ويحيى بك، ونعمان بك، وحسين بك الصغير، ومصطفى بك الصغير، ومراد بك، وعلي بك؛ هولا من الألفية، ومن غيرهم أحمد بك الكلارجي، ويوسف بك أبو دياب، وحسن بك صالح، ومرزوق بك ابن إبراهيم بك الكبير، وسليمان بك البواب، وأحمد بك تابعه، ورشوان بك وإبراهيم بك تابعاه، وقاسم بك تابع مراد بك الكبير، وسليم بك الدمرجي، ورستم بك الشرقاوي، ومصطفى بك أيوب، ومصطفى بك تابع عثمان بك حسن، وعثمان بك إبراهيم، وذو الفقار تابع جوجو، وهو رجل كبير من الأقدمين البطالين هرب هو ومصطفى بك الجداوي وآخر عند صالح بك السلحدار، والتجوا إليه وطمنهم، وأرسل بخبرهم فحضر الأمر بقطع روسهم، فأحضر المشاعلي وقطع روسهم في مقعده وأرسلها.
ومن الأمرا الكشاف الألفية، فهم: علي كاشف الخازندار، وعثمان كاشف الحبشي، ويحيى كاشف، ومرزوق كاشف، وعبد العزيز كاشف، ورشوان كاشف، وسليم كاشف ططر، وقايد كاشف، وجعفر كاشف، وعثمان كاشف، ومحمد كاشف أبو قطية، وأحمد كاشف الفلاح، وأحمد كاشف صهر محمد أغا، وخليل كاشف، وعلي كاشف قيطاس، وأحمد كاشف، وموسى كاشف، وغير ذلك ممن لم يحضرني أسماهم وهم كثيرون، وختم الله للجميع بالخير؛ فإنه بلغني ممن عاينهم بالحبوس، وفي حال القتل، أنهم كانوا يقرون القرآن وينطقون بالشهادتين والاستغفار، وبعضهم طلب ماءً وتوضا وصلى ركعتين قبل أن يُرمى عنقه، ومن لم يجد ماءً تيمم؛ ولاشتغال أهل المقتولين بأنفسهم وما حصل لهم من النهب والسلب والتشتيت عن أوطانهم لم يعوا ولم يسألوا عن موتاهم غير أم مرزوق بك ابن إبراهيم بك الكبير، فإنها وجدت عليه وجدًا عظيمًا وطلبته في القتلى، فعرفوا جثته بعلامة فيه وجمجمته بكونه كان كريم العين، فأخرجوه وكفنوه ودفنوه في تربتهم، وذلك بعد مضي يومين من الحادثة، واجتمع عندها الكثير من أهل المقتولين ونساهم، وأقاموا على ذلك شهورًا.
وفي الحادثة أرسل محرم بك صهر الباشا حاكم الجيزة، فجمع مال المصرية بإقليم الجيزة الربيع من الخيول والجِمال والهجن وغيرها، فكان شيًّا كثيرًا.
وفي تامنه نودي على نسا المقتولين بالأمان، وأن يحضرن إلى بيوتهن ويسكنَّ فيها مع كونها صارت بلاقع، فرجع البعض — وهن اللاتي لم يحصل لهن كثير الضرر — وبقي البعض في اختفاه وأنعم الباشا على خواصه بالبيوت بما فيها، فنزلوها وسكنوها وألبسوا النسا الخواتم، وجددوا الفرش والأواني، وغالبها من المنهوبات.
وأنعم ببيت شاهين بك على حسين أغا من أقاربه، ولم يحصل به ما حصل بغيره لكونه ملاصقًا لبيت طاهر باشا، وأرسل الباشا طايفةً من العسكر جلسوا على بابه.
وأما أحمد بك الألفي، فإنه وصله النذير فانتقل من بوش وذهب عند الأمرا القبالي، ولما وصلتهم أخبار هذه الحادثة وبلغ إبراهيم بك موت ولده على هذه الصورة، أقاموا العزا على إخوانهم ولبسوا السواد.
وفي تاني يوم الوقعة حضر أحد الكشاف رسولًا من عند الأمرا القبليين يطلبون العفو من الباشا، وأن يعطيهم جهة يتعيشون منها، فوعده برد الجواب في غير الوقت، فأهمله وما أدري ما تم له.
وفيه قلد الباشا مصطفى بك ابن أخته وجعله كبيرًا على طايفة الدلاة، وكان أحضره من ناحية الشرقية ليذهب إلى قبلي، وأقام بدله في كشوفية الشرقية علي كاشف ابن أحمد كتخدا من المصرلية.
وفي تامن عشره عدى مصطفى بك المذكور إلى بر الجيزة ليسافر إلى قبلي، ونصب وطاقه بحري القصر، وعدى أيضًا الباشا وأقام بالقصر، وشرع عسكره الدلاة في التعدية ليلًا ونهارًا.
وفيه أيضًا خرج عدة من عسكر الدلاة نحو الخمسماية نفر إلى ناحية قبة العزب ليسافروا إلى بلادهم، فاستمروا في قضا أشغالهم أيامًا ثم سافروا.
وفي يوم الاتنين تالت عشرينه ارتحل مصطفى بك، وانتقل إلى ناحية الشيخ عثمان مسافرًا إلى قبلي، وعدى باشا راجعًا إلى مصر.
وفيه حضر ططريان من الروم يبشران بالعفو عن يوسف باشا المنفصل عن الشام، وقُبل فيه ترجي باشة مصر وشفاعته.
وفي يوم الأربع خامس عشرينه أحضروا من ناحية قبلي أربعة وستين شخصًا، وأكثرهم من الذين كانوا مستوطنين بالبلاد من بقايا البيوت القديمة السنين العديدة ومحترفين، فلما أحضروهم إلى مصر القديمة أبقوهم إلى الليل في محبس، ثم أوقدوا المشاعل بساحل البحر وقطعوا روسهم ورموا بجثثهم إلى البحر، وأتوا بالروس فوضعوها تجاه باب زويلة ليراها الناس كما رأوا غيرها.
واستهل شهر ربيع الأول بيوم الثلاث (سنة ١٢٢٦)
وفي يوم الأحد سادسه عمل الباشا لابنه طوسون باشا موكبًا عظيمًا، ونبهوا في ليلتها على اجتماع العسكر في صبحها، ونزل هو إلى جامع الغورية ليتفرج على الموكب وصحبته حسن باشا، واستعد لذلك السيد المحروقي وفرش له بالجامع المذكور فروشًا ومراتب ووسايد، فمر الموكب وفي أوله طايفة الدلاة، فلما فرغوا مروا بعشرة مدافع كبار على عربيات وعربيتين تحملان هونين قنابر، وخلفهم طوايف العسكر الرَّجَّالة أرنؤد وأتراك وسجمان، وهم كثيرون مختلطون من غير ترتيب مدة طويلة، ثم كبارهم ركبانًا بطوايفهم، ثم الوالي والمحتسب وأغات مستحفظان، ثم طوايف صاحب الموكب وجنايبه، وكذا هجنه ثم الجاويشية والسعاة والملازمون ثم طوسون باشا وخلفه أتباعه وأغواته، ثم الكتخدا وهو محمد كتخدا المعروف بالبرديسي، وهو الذي كان كتخدا الألفي، وصحبته الخازندار وخلفهم النوبة التركية.
ولما انقضى أمر الموكب دعاه المحروقي إلى منزله، فنزل معه من باب السر الذي بالجامع المعروف بالغوري وصحبته حسن باشا، وتوجهوا إلى بيت المحروقي وتغدى عنده هو وأتباعه وخواصه، وأحضر له آلات الطرب واستمر هناك إلى آخر النهار في حظ وكيف، وقدم له المحروقي تعابي هدية ثم ركب عايدًا إلى محله.
وفي يوم الاتنين رابع عشره نزل الباشا إلى ترعة الفرعونية للاهتمام بسدها، ونقل الأحجار في المراكب مستمر، فأقام عند السد أربع ليالٍ وذهب إلى إسكندرية عندما أتته الأخبار بورود مراكب الإنكليز لأجل مشتري الغلال، فذهب ليبيع عليهم الغلال التي جمعها، فباع عليهم كل أردب بماية قرش رومي عنها أربعة آلاف فضة أو أكثر، واجتهد ببنا أسوار إسكندرية، وجدد بها أبراجًا وحصونًا، وأرسل بطلب البنايين والصناع، فجمعوهم من كل ناحية وطالت غيبته هناك وإقامته لتتميم أغراضه، وأمن مشايخ عربان أولاد على المستولين على البحيرة وتحيل عليهم، فلما حضروا إليه قبض عليهم وقرر عليهم أموالًا عظيمة، ثم خلع عليهم وعوَّقهم وأرسل العساكر فنهبت نجوعهم، وسبوا نساهم وأولادهم ومواشيهم.
وأما كتخدا بك فإنه بمصر يقرر الفرض على البلاد هو والكتبة حسب أوامر مخدومه، ونظموا كيفية أخرى وهي أنهم جمعوا الميري والمضاف والفايظ والرزق إيراد أربع سنوات، وكتبوا بها مراسيم بنصف المقرر ليقبض في دفعتين، وبعد أن تقرر النصف الأول وتحصل منه ما تحصل، وبقي الباقي مع النصف الآخر يطلب من أربابه، ولا بد لا مسامحة في شي منه، ومن تكفل بما تقرر على حصته وألزم نفسه بدفعه وكتب على نفسه وثيقة لأجَل، طولب به حتى قبل حلول الأجل لاحتياج المهمات، فتوجه عليه الحوالات بيد العساكر فينزلون بداره، ويلازمونها ويضيقون أنفاسه ويكلفونه ما لا يطيق، فلا يجد ملجا ولا خلاصًا إلا بأحد الشيئين: إما الدفع بأي وجه كان، وإما ينزل عن حصته بالفراغ للديوان ولا يبقى بيده ما يتقوت به هو وعياله، ويصبح فقيرًا لا يملك شيًّا إن لم يكن له إيراد من جهة أخرى.
واستهل شهر ربيع التاني (سنة ١٢٢٦)
والكتخدا يتنوع في استجلاب الأموال ويتحيل في استخراجها بأنواع من الحيل، فمنها أنه يرسل إلى أهل حرفة من الحرف، ويأمرهم ببيع بضاعتهم بنصف ثمنها، ويُظهر أنه يريد الشفقة والرأفة بالناس، ويرخص لهم في أسعار المبيعات، وأن أرباب الحرف تعدوا الحدود في غلا الأسعار، فيجتمع أهل الحرفة ويضجون، ويأتون بدفاترهم وبيان رأس مالهم وما ينضاف إليه من غلو جزئيات تلك البضاعة، وما استحدث عليها من الجمارك والمكوس، وغلو الأجر في البحر والبر، فلا يستمع لقولهم ولا يقبل لهم عذرًا أو يأمر بهم إلى الحبس، فعند ذلك يطلبون الخلاص ويصالحون على أنفسهم بقدر من المال يدفعونه، ويوزعون ذلك على أفرادهم فيما بينهم، ثم يزيدون في سعر تلك البضاعة ليعوضوا غرامتهم من الناس معتذرين بتلك الغرامة وما حل بهم من الخسارة، ثم تستمر الزيادة على الدوام — وأظن استمرار الغرامة أيضًا — فجمع بهذه الكيفية أموالًا عظيمة، وهي في الحقيقة سلب أموال الناس من الأغنيا والفقرا.
وفي أواخره حضر الباشا من إسكندرية على حين غفلة فبات بقصر شبرا، ثم حضر إلى بيت الأزبكية فأقام به يومين ثم طلع إلى القلعة.
وفيه وصلت عساكر كثيرة من الأرنؤد والأتراك حتى غصت بهم المدينة، فلا يكاد المارة يقع بصره إلا عليهم أمام وخلف وبداخل الأزقة والعطف، وذلك خلاف الذين أقرهم وأبقاهم في إسكندرية ومن هو بالجهات والأقاليم القبلية والبحرية، وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ.
وفيه اهتم الباشا بتشهيل العرضي اهتمامًا زايدًا، وفرض على البلاد جمالًا وأتبانًا وغلالًا.
واستهل شهر جمادى الأولى (سنة ١٢٢٦)
وفيه ورد قاصد من الديار الرومية وعلى يده بشارة بأنه وُلد للسلطان مولودة أنثى، فعملوا لها شنكًا وهي مدافع تضرب من أبراج القلعة في الأوقات الخمسة تلاتة أيام، وفيه فرضوا فرضة بغال على مياسير الناس وأهل الحرف بغلة وبغلتين وثلاثة، والذي لم يكن عنده بغلة يلزم بالشرا أو أنه يدفع ثمنها كيسًا عشرون ألف فضة.
وفيه انقطع الوارد من الديار الحجازية، وغلا سعر البن حتى وصل إلى مايتين وسبعين نصف فضة كل رطل، وقل وجوده من الأسواق والدكاكين، فلا يوجد إلا مع المشقة، وصنع الناس القهوة من أنواع الحبوب المحمصة، كالشعير والقمح والفول وبزر العاقول وغيره مخلوطًا مع البن وبغير خلط.
واستهل شهر جمادى التانية (سنة ١٢٢٦)
في عشرينه خرج الباشا إلى البركة وطلب الجمال وقوافل العرب، وشهل طايفة من العسكر للسفر إلى السويس، فاهتموا بالدخول والخروج من المدينة وطفقوا يخطفون الحمير والبغال والجمال، وكل ما صادفوه من الدواب، ومن وجدوه راكبًا ولو من وُجَها الناس أنزلوه عن دابته وركبوها، فانقبض الناس وانكمش غالبهم عن الركوب لمصالحهم، وأخفوا حميرهم وبغالهم وأقام الباشا تلاتة أيام جهة البركة ثم ركب إلى السويس.
وفيه وردت مراكب وداوات وفيها البن، وذلك باستدعا الباشا لها من ناحية جدة واليمن لأجل حمل العساكر واللوازم وانحل سعر البن قليلًا.
واستهل شهر رجب (سنة ١٢٢٦)
في تاني عشرينه يوم الاتنين الموافق لسابع مسرى القبطي أوفى النيل أذرعه، وكسر السد في صبحها يوم التلات بحضرة كتخدا بك والباشا غايب بالسويس.
واستهل شهر شعبان (سنة ١٢٢٦)
في تانيه سافر ديوان أفندي بمن بقي من العساكر البحرية.
وفي يوم التلات تامنه حضر الباشا من السويس، وشرع في تشهيل العساكر البرية.
وفي خامس عشره خرج الباشا إلى العادلية واجتهد في تشهيل سفر العساكر البرية اجتهادًا كبيرًا، وجمع من أهل كل حرفة طايفة، وكذلك من أهل كل صنعة، والذي يعجز عن السفر يخرج عنه بدلًا، وتعين من الفُقها للسفر الشيخ محمد المهدي من الشافعية، ومن الحنفية السيد أحمد الطهطاوي، وشيخ حنبلي وصل من ناحية الشام، وكانوا رسموا بإحضار السيد حسن كريت المالكي من رشيد، والشيخ علي خفاجي من دمياط، فحضرا واعتذرا فأُعفيا من السفر ورجعا إلى بلديهما.
وفي هذا الشهر ظهر نجم له ذَنَب في جهة الشمال بين بنات نعش الصغرى وبين منار بنات نعش الكبرى، رأسه جهة المغرب وذَنَبه صاعدًا إلى جهة المشرق، وله شعاع مستطيل في مقدار الرمح، واستمر يظهر في كل ليلة والناس ينظرون إليه ويتحدثون به ويسألون الفلكيين عنه، ويبحثون عن دلايله وعن الملاحم المصنفة في ذوات الأذناب، واستمر ظهوره قريبًا من ثلاثة أشهر واضمحل بعض جرمه، ومشى إلى ناحية الجنوب وقرب من النسر الطاير.
واستهل شهر رمضان بيوم الأربع (سنة ١٢٢٦)
وفي يوم الخميس تاسعه ارتحل العسكر من الحصوة ونزلوا ببركة الحج.
وفي يوم الأحد تاني عشره ارتحلوا من البركة، فكان مدة مكث العرضي من يوم خروج الموكب إلى يوم ارتحالهم من البركة قريبًا من ستة أشهر ونصف، والناس في أمر مريج في كل شي.
وفيه خرج السيد محمد المحروقي ليسافر صحبة الركب وخرج في موكب جليل؛ لأنه هو المشار إليه في رياسة الركب ولوازمه واحتياجاته وأمور العربان ومشايخها، وأوصى الباشا ولده طوسون باشا أمير العسكر بأن لا يفعل شيًّا من الأشيا إلا بمشورته واطلاعه، ولا ينفذ أمرًا من الأمور إلا بعد مراجعته.
وفيه وردت الأخبار بأن العساكر البحرية ملكوا ينبع البحر ونهبوا ما كان فيه من ودايع التجار، وذلك أنه كان بمراساة الينبع عدة مراكب وداوات، والشريف غالب أمير مكة يكاتب الباشا ويراسله ويظهر له النصح والصداقة وخلوص المودة، والباشا أيضًا يراسله ويكاتبه وأرسل له السيد سلامة النجاري والسيد أحمد المنلا الترجمان المحروقي بمراسلات وجوابات مرارًا عديدة، فكانا هما السفيرين بينهما، وأيضًا الشريف في كل كتابة مع كل مرسول يعاهد الباشا ويعاقده ويواعده بنصر عساكره متى وصلت، وينافق للطرفين الذي هو العثماني والوهابي ويداهنهما، أما الوهابي فلخوفه منه وعدم قدرته عليه، فيُظهر له الموافقة والامتثال وأنه معه على العهود التي عاهده عليها من ترك الظلم واجتناب البدع ونحو ذلك.
ويميل باطنًا للعثمانيين لكونه على طريقتهم ومذاهبهم، وتعاقد مع الباشا أنه متى وصلت عساكره قام بنصرتهم وساعدهم بكليته وجميع همته، وأرسل إلى المراكب الكاينة بمراساة الينبع بأن ينقلوا ما فيها من مال التجار وغيرهم ويودعوه قلعة الينبع تحت يد وزيره، وترك معه نحو الخمسماية مع عسكره، وأخذ المراكب فأوسقها من بضايعه وبهاره وبنه وأرسلها إلى السويس لتباع بمصر، ثم توسق بمهمات العسكر البحرية، فلما وصلت مراكب العساكر البحرية وألقت مراسيها قبالة الينبع احتاجوا إلى الماء فلم يسعفوهم بالماء، فطلع طايفة من العسكر إلى البر في طلب عين الماء، فمانعهم من عندها مرابط فقاتلوهم وطردوهم ومنعوهم عن الماء، وفي حال رجوعهم رموا عليهم من القلعة المدافع والرصاص.
والحال أن الأمر مبهم على الفريقين، فعند ذلك استعدت العساكر لمحاربة من بالقلعة، واحتاطوا بها وضربوا عليها القنابل والمدافع، وركبوا على سورها سلالم وصعدوا عليها وتسلقوا على سور القلعة من غير مبالاة بالرصاص النازل عليهم من الكاينين بالقلعة، فملكوا القلعة وقتلوا من كان بها، ولم ينجُ منهم إلا الوزير ومعه ستة أنفار خرجوا هاربين على الخيول، ونهبوا كل ما كان بالينبع من الودايع والأموال والأقمشة والبن، وسبوا النسا والبنات الكاينات بالبندر، وأخذوهن أسرى ويبيعوهن على بعضهم البعض، ووصل المبشرون بذلك في عشرينه فضربوا لذلك مدافع من القلعة كثيرة وعملوا شنكًا، وطافت المبشرون على بيوت الأعيان ليأخذوا منهم البقاشيش، وأرسلوا بتلك البشارة شخصًا معينًا كبيرًا إلى إسلامبول يبشرون أهل الدولة وسلطان الإسلام، وكان ذلك أول فتح حصل.
واستهل شهر شوال بيوم الجمعة (سنة ١٢٢٦)
وكان حقه أن يكون بيوم السبت؛ لأن الهلال لم يكن موجودًا ليلة الجمعة، ولم يره ليلة السبت إلا النادر من الناس، وكان قوسه ليلة السبت عشر درجات.
وفي سادس عشره وصلت هجانة ومكاتبات من عساكر البر يخبرون بوصولهم إلى بندر المويلح في اليوم السابع من الشهر، وكان العيد عندهم بمغاير شعيب يوم السبت.
وفيه خرجت تجريدة لتسافر إلى قبلي لمحاربة من بقي من الأمرا المصريين بناحية إبريم.
واستهل شهر ذي القعدة بيوم الأحد (سنة ١٢٢٦)
فيه وصلت حجاج مغاربة في عدة مراكب على ظهر البحر، وتلف منهم نحو ثلاثة مراكب، وحضر بعدهم بأيام الركب الطرابلسي ونزل بساحل بولاق.
وفي سادسه حضر أيضًا الركب الفاسي، وفيهم ابن سلطان الغرب مولاي إبراهيم ابن مولاي سليمان، فاعتنى الباشا بشأنه وأرسل كتخدا بك لملاقاته وقدم له تقادم، وأعدوا له منزل علي كاشف بالقرب من بيت المحروقي لينزل فيه، وتقيد بخدمته الريس حسن المحروقي وحواشيهم لمطبخه وكلف طعامه، فلما عدى طلع إلى القلعة وقابل الباشا ونزل إلى المنزل الذي أعده له، وأمامه قواسة أتراك وطرادون وأشخاص أتراك يضربون على طبلات وأمامه جميع المغاربة مشاة، ويأمرون الناس الجالسين بالحوانيت بالقيام له على أقدامهم، فأقام خمسة أيام حتى قضى أشغاله.
وفي تلك المدة تغدو إليه وتروح رسل الباشا، وأرسل له هدية وذخيرة من كل صنف: سكر وعسل وسمن ودقيق وبقسماط وأشيا أُخَر وبارود، وأعطى له ألف بندقية لضرب الرصاص، وبرز في عاشره وسافروا في تاني عشره.
وفي يوم الخميس تاسع عشره وصلت هجانة على أيديهم مكاتبات خطابًا إلى الباشا وغيره، وفيهم الخبر بأن العسكر البري اجتمع مع العسكر البحري، وأخذوا ينبع البر من غير حرب، وأن العربان أتت إليهم أفواجًا وقابلوا طوسون باشا، وكساهم وخلع عليهم ثم انقطعت الأخبار.
واستهل شهر ذي الحجة (سنة ١٢٢٦)
في منتصفه وصلت هجانة ومعهم روس قتلى ومكاتبات مورخة في منتصف شهر القعدة، مضمونها أنهم وصلوا إلى ينبع البر في حادي عشرين شوال، واجتمع هناك العسكران البري والبحري، وأنهم ملكوا قرية ابن جبارة من الوهابية — وتسمى قرية السويق — وفر ابن جبارة هاربًا، وحضرت عربان كثيرة وقابلوا ابن الباشا، وأنهم مقيمون وقت تاريخه في منزلة الينبع منتظرين وصول الذخيرة، وعاق المراكب ريح الشتا المخالف.
وأنه ورد عليهم خبر ليلة أربعة عشر شهره بأن جماعة من كبار الوهابية، حضروا بنحو سبعة آلاف خيال وفيهم عبد الله بن مسعود وعثمان المضايفي ومعهم مشاة، وقصدوا أن يدهموا العرضي على حين غفلة، فخرج إليهم شديد شيخ الحويطات ومعه طوايفه ودلاة وعساكر، فوافاهم قبل شروق الشمس، ووقع بينهم القتال والوهابية يقولون: هاه يا مشركون.
وانجلت الحرب عن هزيمة الوهابية وغنموا منهم نحو سبعين هجينًا من الهجن الجياد محملة أدوات، وكانت الحرب بينهم مقدار ساعتين، هذا ملخص ما ذكره وفي الأجوبة التي حضرت.
وفي يوم الجمعة خامس عشرينه وصلت قافلة من السويس، وحضر فيها جاويش باشا وصحبته مكاتبات، وحضر أيضًا السيد أحمد الطهطاوي والشيخ الحنبلي وأخبروا أن العرضي ارتحل من ينبع البر في سابع عشر ذي القعدة، ووصلوا إلى منزلة الصفرا والجديدة، ونصبوا عرضيهم وخيامهم ووطاقاتهم بالقرب من الجبال، فوجدوا هناك متاريس وأحجارًا فحاربوا على أول متراس حتى أخذوه، ثم أخذوا متراسًا آخر، وصعدت العساكر إلى قلل الجبال فهالهم كثرة الجيش، وسارت الخيالة في مضيق الجبال، هذا والحرب قايمة في أعلى الجبال يومًا وليلة إلى بعد الظهيرة من يوم الأربع تالت عشر ذي القعدة، فما يشعر السفلانيون إلا والعساكر الذين في الأعالي هابطون منهزمون، فانهزموا جميعًا وولوا الأدبار، وطلبوا جميعًا الفرار وتركوا خيامهم وأحمالهم وأثقالهم، وطفقوا ينهبون ويخطفون ما خف عليهم من أمتعة ريساهم، فكان القوي منهم يأخذ متاع رفيقه الضعيف ويأخذ دابته ويركبها، وربما قتله وأخذ دابته، وساروا طالبين الوصول إلى السفاين بساحل البريك؛ لأنهم كانوا أعدوا عدة مراكب بساحل البريك من باب الاحتياط، ووقع في قلوبهم الرعب واعتقدوا أن القوم في أثرهم، والحال أنه لم يتبعهم أحد؛ لأنهم لا يذهبون خلف المدبر، ولو تبعوهم ما بقي منهم شخص واحد، فكانوا يصرخون على القطاير فتأتي إليهم القطيرة وهي لا تسع إلا القليل، فيتكاثرون ويتزاحمون على النزول فيها، فيصعد منهم الجماعة ويمنعون البواقي من إخوانهم فإن لم يمتنعوا مانعوهم بالبنادق والرصاص، حتى كانوا من شدة حرصهم وخوفهم واستعجالهم على النزول في القطاير يخوضون في البحر إلى رقابهم، وكأنما العفاريت في أثرهم تريد خطفهم.
وكثير من العسكر والخدم لما شاهدوا الازدحام على أسكلة البريك ذهبوا مشاة إلى ينبع البحر، ووقع التشتيت في الدواب والأحمال والخلايق من الخدم وغيرهم، ورجع طوسون باشا إلى ينبع البحر بعد أن تغيب يومًا عن معسكره، حتى إنهم ظنوا فقده، ورجع أيضًا المحروقي وديوان أفندي واستقروا بالينبع، وترك المحروقي خيامه بما فيها فنزل بها طايفة من العسكر المنهزمين وهم على جهد من التعب والجوع، فوجدوا بها المآكل والحلاوات وأنواع الملبسات والكعك المصنوع بالعجمية والسكر المكرر والغريبات والخشكنانكات والمربيات وأنواع الشرابات، فوقعوا عليها أكلًا ونهبًا، ولما تحققوا أن العرب لم تتبعهم ولم تأتِ في أثرهم أقاموا على ذلك يومين، حتى استوفوا أغراضهم وشبعت بطونهم وارتاحت أبدانهم، ثم لحقوا بإخوانهم؛ فكانوا هم أثبت القوم وأعقلهم، ولو كان على غير قصد منهم.
فكان مدة إقامة العسكر والعرضي بينبع البر أربعة وعشرين يومًا.
وأما الخيالة، فإنهم اجتمعوا وساروا راجعين إلى المويلح، وقد أجهدهم التعب وعدم الذخيرة والعليق، حتى حكوا أنهم كانوا قبل الواقعة يعلقون على الجمل بنصف قدح قمح مُسَوَّس، وكانت علايفهم في كل يوم أربعماية وخمسين أردبًا.
وأما المحروقي فإن كبار العسكر قامت عليه وأسمعوه الكلام القبيح وكادوا يقتلونه، فنزل في سفينة وخلص منهم وحضر من ناحية القصير، وحضر الكثير من أتباعه وخدمه متفرقين إلى مصر.
فأما الذين ذهبوا إلى المويلح، فهم تامر كاشف وحسين بك دالي باشا وآخرون، فأقاموا هناك في انتظار إذن الباشا في رجوعهم إلى مصر أو عدم رجوعهم.
وأما صالح أغا قوج فإنه عندما نزل السفينة كر راجعًا إلى القصير، واستقل برأيه لأنه يرى في نفسه العظمة وأنه الأحق بالرياسة، ويسفه رأي المحروقي وطوسون باشا، ويقول: هولا الصغار كيف يصلحون لتدبير الحروب؟ ويصرح بمثل هذا الكلام وأزيد منه، وكان هو أول منهزم، وعلم كل ذلك الباشا بمكاتبات ولده طوسون فحقده في نفسه، وتمم ذلك بسرعة رجوعه إلى القصير، ولم ينتظر إذنًا في الرجوع أو المكث.
ولما حصل ذلك لم يتزلزل الباشا واستمر على همته في تجهيزه عساكر أخرى، وبرزوا إلى خارج البلد، وفرض على البلاد جمالًا ذكر أنها من أصل الغرايم والفرض في المستقبل، وكذلك فرض غلالًا، فكان المفروض على إقليم الشرقية خاصة اثني عشر ألف أردب بعناية علي كاشف — قابله الله بما يستحق. وانقضت السنة بحوادثها التي منها هذه الحادثة وأظنها طويلة الذيل.
ومنها أن النيل هبط قبل الصليب بأيام قليلة بعد أن بلغ في الزيادة مبلغًا عظيمًا، حتى غرق الزرع الصيفي والدراوي، ولما انحسر عن الأرض زرعوا البرسيم والوقت صايف والحرارة مستجنة في الأرض؛ فتولدت فيه الدودة وأكلت الذي زُرع، فبذروه ثانيًا فأكلته أيضًا، وفحش أمر الدودة جدًّا في الزرع البَدْري، وخصوصًا بإقليم الجيزة والقليوبية والمنوفية، بل وباقي الأقاليم.
ومنها أن الباشا أحدث ديوانًا ورتبوه ببيت البكري القديم بالأزبكية، وأظهر أن هذا الديوان لمحاسبة ما يتعلق به من البلاد ومحاسباتها، والقصد الباطني غير ذلك، وقيد به إبراهيم كتخدا الرزاز والشيخ أحمد يوسف كاتب حسن أفندي الروزنامجي، وما انضم إليهم من الكتبة المسلمين دون الأقباط ليحرروا به قوايم المصروف والمضاف والبراني، فكانوا يجلسون لذلك كل يوم ما عدا يوم الجمعة.
ثم تطرق الحال لعشور بلاد الباشا، وهو أن الكثير من الفلاحين لما سمعوا في ذلك أتوا من كل ناحية إلى مصر، وكتبوا عرضحالات إلى كتخدا بك وللباشا يتظلمون من أستاذيهم، وينهون أنهم يزيدون عليهم زيادات في قوايم المصروف، ويشددون عليهم في طلب الفرض أو بواقيها فيدفعهم الباشا أو الكتخدا إلى ذلك الديوان المحدث لينظر في أمورهم ويصحبهم معين تركي مباشر يأتي بالملتزم أيضًا والفلاحين والشاهد والصراف وقوايم المصروف لأجل المحاققة، فعند ذلك تعنت إبراهيم كتخدا في القوايم، وطلب قوايم السنين الماضية المختومة ونحو ذلك.
ولما فشا هذا الأمر وأشيع في البلدان أتت طوايف الفلاحين أفواجًا إلى هذا الديوان يطلبون الملتزمين ويخاصمونهم ويكافحونهم، فيكون أمرًا مهولًا وغاية في الزحام والعياط والشباط، وكذلك رفعوا المعلم منصور ومن معه من الكتبة من مباشرة ديوان ابنه إبراهيم بك الدفتردار، وقيدوا بدلهم السيد محمد غانم الرشيدي، ومحمد أفندي سليم، ومن انضم إليهم.
وأظهر الباشا أنه يفعل ذلك لما علمه من خيانة الأقباط، والقصدُ الخفي خلاف ذلك وهو الاستيلا والاستحواذ الكلي والجزئي وقطع منفعة الغير ولو قليلًا، فيضرب هذا بهذا، والناس أعدا بعضهم لبعض وقلوبهم متنافرة، فيغري هذا بذاك وذاك بهذا، ومن الناس من سمى هذا الديوان ديوان الفتنة.
ومنها الزيادة الفاحشة في صرف المعاملة والنقص في وزنها وعيارها؛ وذلك أن حضرة الباشا أبقى دار الضرب على ذمته وجعل خاله ناظرًا عليها، وقرر لنفسه عليها في كل شهر خمسماية كيس، بعد أن كان شهريتها أيام نظارة المحروقي خمسين كيسًا في كل شهر، ونقصوا وزن القروش نحو النصف عن القرش المعتاد، وزادوا في خلطه حتى لا يكون فيه مقدار ربعه من الفضة الخالصة، ويصرف بأربعين نصفًا، وكذلك المحبوب نقصوا من عياره ووزنه.
ولما كان الناس يتساهلون في صرف المحبوب والريال الفرانسة، ويقبضونها في خلاص الحقوق من المماطلين والمفلسين، وفي المبيعات الكاسدة بالزيادة لضيق المعايش، حتى وصل صرف الريال إلى مايتين وخمسين نصفًا، والمحبوب إلى مايتين وتمانين، ثم زاد الحال في التساهل في الناس بالزيادة أيضًا عن ذلك، فينادي الحاكم بمنع الزيادة ويمشي الحال أيامًا قليلة، ويعود لما كان أو أزيد؛ فتحصل المناداة أيضًا ويعقبونها بالتشديد والتنكيل بمن يفعل ذلك، ويقبض عليه أعوان الحاكم ويُحْبَسُ ويُضرب ويغرمونه غرامة، وربما مَثَّلوا به وخرموا أنفه وصلبوه على حانوته وعلقوا الريال في أنفه ردعًا لغيره.
وفي أثنا ذلك إذا بالمناداة بأن يكون صرف الريال بمايتين وسبعين والمحبوب بتلتماية وعشرة، فاستمع وتعجب من هذه الأحكام الغريبة التي لم يطرق سمع سامع مثلها.
هذا مع عدم الفضة العددية في أيدي الناس، فيدور الشخص بالقرش وهو ينادي على صرفه بنقص أربعة أنصاف نصف يوم حتى يصرفه بقطع إفرنجية، منها ما هو باثني عشر أو خمسة وعشرين أو خمسة فقط، أو يشتري من يريد الصرف شيًّا من الزيادات أو الخضري أو الجزار، ويبقى عنده الكسور الباقية يوعده بغلاقها، فيعود إليه مرارًا حتى يتحصل عنده غلاقها، وليس هو فقط بل أمثاله كثير، وسبب شحة الفضة العددية أنه يضرب منها كل يوم بالضربخانة ألوف مؤلفة يأخذها التجار بزيادة ماية نصف في كل ألف يرسلونها إلى بلاد الشام والروم، ويعوضون بدلها في الضربخانة الفرانسة والدهب؛ لأنها تصرف في تلك البلاد بأقل مما تصرف به في مصر، وزاد الحال بعد هذا التاريخ حتى استقر على صرف الألف مايتين، وتقرر ذلك في حساب الميري فيدفع الصارف تلاتين قرشًا عنها ألف ومايتان، ويأخذ ألفًا فقط، والفرانسة والمحبوب بحسابه المتعارف بذلك الحساب، والأمر لله وحده.
وأما من مات في هذه السنة ممن له ذكر، فلم يمت من مشاهير الفقها من له شهرة ولا ذكر.
وأما الأمرا، فقد تقدم ذكرهم وما وقع لهم ومقتلهم إجمالًا، فأغنى عن التكرار، فالله يرحمنا أجمعين.