ودخلت سنة اثنتين وتلاتين ومايتين وألف (١٨١٦م)
استهل المحرم بيوم الخميس، وحاكم مصر والمتولي عليها وعلى ضواحيها وثغورها من حد رشيد ودمياط إلى أسوان وأقصى الصعيد، وأسكلة القصير والسويس وساحل القلزم وجدة ومكة والمدينة والأقطار الحجازية بأسرها محمد علي باشا القوللي، ووزيره وكتخداه محمد أغا لاظ.
والدفتردار محمد بك صهر الباشا وزوج ابنته.
وأغات الباب إبراهيم أغا.
ومدبر أمور البلاد والأطيان والرزق والمساحات، وقبض الأموال الميرية وحساباتها ومصارفها محمود بك الخازندار، والسلحدار سليمان أغا.
وحاكم الوجه القبلي محمد بك الدفتردار صهر الباشا عوض إبراهيم باشا ولد الباشا لانفصاله عن إمارة الوجه القبلي، وسفره إلى الحجاز آنفًا لمحاربة الوهابيين.
وباقي أمرا الدولة مثل: عابدين بك وإسماعيل باشا ابن الباشا وخليل باشا، وهو الذي كان حاكم إسكندرية سابقًا، وشريف أغا وحسين بك دالي باشا، وحسين بك الشماشرجي، وحسن بك الشماشرجي الذي كان حاكمًا بالفيوم وغير هولا.
وحسن أغا أغات الينكجرية، وأحمد أغا أغات التبديل وعلي أغا الوالي، وكاتب الروزنامة مصطفى أفندي وحسن باشا بالديار الحجازية.
وشاه بندر التجار السيد محمد المحروقي، وهو المتعين لمهمات الأسفار وقوافل العربان ومخاطباتهم وملاقاة الأخبار الواصلة من الديار الحجازية والمتوجه إليها، وأجر المحمول وشحنة السفن ولوازم الصادرين والواردين والمنتجعين والمقيمين والراحلين، والمتعهد بجميع فرق القبايل والعشير وغوايلهم ومحاكماتهم وإرغابهم وإرهابهم، وسياستهم على اختلاف أخلاقهم وطباعهم، وهو المتعين أيضًا لفصل قضايا التجار والباعة وأرباب الحرف البلدية، وفصل خصوماتهم ومشاجرتهم وتأديب المنحرفين منهم والنصابين، وبعوثات الباشا ومراسلاته ومكاتباته وتجاراته وشركاته وابتداعاته، واجتهاده في تحصيل الأموال من كل وجه وأي طريق، ومتابعة توجيه السرايا والعساكر والذخاير إلى نواحي الحجاز للإغارة على بلاد الوهابية.
وأخذ الدرعية مستمر لا ينقطع، والعرضي منصوب خارج باب النصر وباب الفتوح، وإذا ارتحلت طايفة خرجت أخرى مكانها.
وفيه سومحت أرباب الحرف والباعة والزياتين والجزارين والخضرية والخبازين ونحوهم من المسانهات والمشاهرات واليوميات الموظفة عليهم للمحتسب، ونودي برفعها أمام المحتسب في الأسواق، وعوِّض المحتسب عنها خمسة أكياس كل شهر يستوفيها من الخزينة العامرة.
وعملوا تسعير بتراخيص أسعار المبيعات بدلًا عما كانوا يغرمونه للمحتسب، ولكن من غير مراعاة النسبة والمعادلة في غالب الأصناف، فإن العادة عند إقبال وجود الفاكهة أو الخضروات تباع بأغلى ثمن لعزتها وقلتها حينئذٍ، وشهوة الطباع واشتياق النفوس لجديد الأشيا وزهدها في القديم الذي تكرر استعماله وتعاطيه، كما يقال: لكل جديد لذة، فلم يراعوا ذلك، ولم ينظروا في أصول الأشيا أيضًا، فإن غالب الأصناف داخل في المحتكرات وزيادة المكوس الحادثة في هذه السنين، وما يضاف إلى ذلك من طمع الباعة والسوقة وغشهم وقبحهم وعدم ديانتهم وخبث طباعهم.
فلما نودي بذلك وسمع الناس رخص المبيعات ظنوا بغفلتهم حصول الرخا، ونزلوا على المبيعات مثل الكلاب السعرانة، وخطفوا ما كان بالأسواق بموجب التسعيرة من اللحم وأنواع الخضروات والفاكهة والأدهان، فلما أصبح اليوم التاني لم يوجد بالأسواق في شي من ذلك وأغلقت الفكهانية حوانيتهم وأخفوا ما عندهم، وطفقوا يبيعونه خفية في الليل بالثمن الذي يرتضونه.
والمحتسب يكثر الطواف بالأسواق، ويتجسس عليهم ويقبض على من أغلق حانوته أو وجدها خالية، أو عثر عليه أنه باع بالزياده، وينكل بهم ويسحبهم مكشوفين الروس مشنوقين وموثقين بالحبال، ويضربهم ضربًا مولمًا ويصلبهم بمفارق الطرق مخزومين الأنوف ومعلق فيها النوع المزاد في ثمنه، فلم يرتجعوا عن عادتهم.
ثم إن هذه المناداة والتسعيرة ظاهرها الرفق بالرعية ورخص الأسعار، وباطنها المكر والتحيل والتوصل لما سيظهر بعدُ عن قريب؛ وذلك أن ولي الأمر لم يكن له من الشغل إلا صرف همته وعقله وفكرته في تحصيل المال والمكاسب، وقطع أرزاق المسترزقين والحجر والاحتكار لجميع الأسباب، ولا يتقرب إليه من يريد قربه إلا بمساعدته على مراداته ومقاصده، ومن كان بخلاف ذلك فلا حظ له معه مطلقًا، ومن تجاسر عليه من الوجها بنصح أو فعل مناسب، ولو على سبيل التشفع، حقد عليه وربما أقصاه وأبعده وعاداه معاداة من لا يصفو أبدًا.
وعرفت طباعه وأخلاقه في دائرته وبطانته، فلم يمكنهم إلا الموافقة والمساعدة في مشروعاته، إما رهبة أو خوفًا على سيادتهم ورياستهم ومناصبهم، إما رغبة وطمعًا وتوصلًا للرياسة والسيادة، وهم الأكثر وخصوصًا أعدا الملة من نصارى الأرمن وأمثالهم الذين هم الآن أخصا لحضرته ومجالسته، وهم شركاه في أنواع المتاجر وهم أصحاب الرأي والمشورة، وليس لهم شغل ودرس إلا فيما يزيد حظوتهم ووجاهتهم عند مخدومهم، وموافقة أغراضه وتحسين مخترعاته، وربما ذكروه ونبهوه على أشيا تركها أو غفل عنها من المبتدعات، وما يتحصل منها من المال والمكاسب التي يسترزقها أرباب تلك الحرفة لمعاشهم ومصاريف عيالهم، ثم يقع الفحص على أصل الشي وما يتفرع منه وما يئول إذا أحكم أمره وانتظم ترتيبه، وما يتحصل منه بعد التسعير الذي يجعلونه مصاريف الكتبة والمباشرين، أبرزت مباديه في قالب العدل والرفق بالرعية.
ولما وقع الالتفات إلى أمر المذابح والسلخانة وما يتحصل منها، وما يكتسبه الموظفون فيها فأول ما بدوا به إبطال جميع المذابح التي بجهات مصر والقاهرة وبولاق، خلاف السلخانة السلطانية التي خارج الحسينية، وتولى رياستها شخص من الأتراك، ثم سعرت هذه التسعيرة فجعل الرطل الذي يبيعه القصاب بسبعة أنصاف فضة وتمنه على القصاب من المذبح تمانية أنصاف ونصف، وكان يباع قبل هذه التسعيرة بالزيادة الفاحشة فشح وجود اللحم، وأغلقت حوانيت الجزارين، وخسروا في شرا الأغنام وذبحها وبيعها بهذا السعر.
وأُنهي أمر شحة اللحم إلى ولي الأمر وأن ذلك من قلة المواشي وغلو أتمان مشترواتها على الجزارين، وكثرة رواتب الدولة والعساكر، وأُشيع أنه أمر بمراسيم إلى كشاف الأقاليم قبلي وبحري لشرا الأغنام من الأرياف لخصوص رواتبه ورواتب العسكر والخاصة وأهل الدولة، ويترك ما يذبحه جزارين المذبح لأهل البلدة وعند ذلك ترخص الأسعار، ثم تبين خلاف ذلك وأن هذه الإشاعة توطئة وتقدمة لما سيتلى عن قريب.
وفي منتصفه وصلت أغنام وعجول وجواميس من الأرياف هزيلة، وازدادت بإقامتها هزالًا من الجوع وعدم مراعاتها، فذبحوا منها بالمذابح أقل من المعتاد، ووزعت على الجزارين فيخص الشخص منهم الاثنان أو التلاتة، فعندما يصل إلى حانوته وهو مثل الحرامي فيتخاطفها العساكر التي بتلك الخطة، وتزدحم الناس فلا ينوبهم شي، وتذهب في لمح البصر، ثم امتنع وجودها واستمر الحال، والناس لا يجدون ما يطبخونه لعيالهم.
وكذلك امتنع وجود الخضروات، فكان الناس لا يحصلون القوت إلا بغاية المشقة، واقتاتوا بالفول المصلوق والعدس والبيصار ونحو ذلك.
وانعدم وجود السمن والزيت والشيرج وزيت البذر وزيت القرطم لاحتكارها لجهة الميري، وأغلقت المعاصر والسيارج.
وامتنع وجود الشمع العسل والشمع المصنوع من الشحم لاحتكارها الشحم، والحجز على عمال الشمع، فلا يصنعه الشماعون ولا غيرهم، ونودي على بيع الموجود منه بأربعة وعشرين نصفًا، وكان يباع بتلاتين وأربعين فأخفوه وطفقوا يبيعونه خفية بما أحبوا.
وانعدم وجود بيض الدجاج لجعلهم العشرة منه بأربعة أنصاف، وكان قبل المناداة اتنين بنصف، وكل ذلك والمحتسب يطوف بالأسواق ويشدد على الباعة، ويؤلمهم بالضرب والتجريس، وفقد وجود الدجاج فلا يكاد يوجد بالأسواق دجاجة؛ لأنه نودي على الدجاجة باثني عشر نصفًا، وكان الثمن عنها قبل ذلك خمسة وعشرين فأكثر.
واستهل شهر صفر الخير (سنة ١٢٣٢)
فيه حضر المعلم غالي من الجهة القبلية، ومعه مكاتبات من محمد بك الدفتردار الذي تولى إمارة الصعيد عوضًا عن إبراهيم باشا ابن الباشا الذي توجه إلى البلاد الحجازية لمحاربة الوهابية، يذكر فيها نصح المعلم غالي وسعيه في فتح أبواب تحصيل الأموال للخزينة، وأنه ابتكر أشيا وحسابات يتحصل منها مقادير كثيرة من المال، فقوبل بالرِّضَى والإكرام، وأخلع عليه الباشا واختص به وجعله كاتب سره ولازم خدمته، وأخذ فيما ندب إليه وحضر لأجله التي منها حسابات جميع الدفاتر وأقلام المبتدعات ومباشريها وحكام الأقاليم.
وفيه تجردت عده عساكر أتراك ومغاربة إلى الحجاز، وصحبتهم أرباب صنايع وحرف.
وفيه أرسل الباشا إلى بندر السويس أخشابًا وأدوات عمارة وبلاط كذان وحديدًا وصناعًا بقصد عمارة قصر لخصوصه إذا نزل هناك.
واستهل شهر ربيع الأول (سنة ١٢٣٢)
فيه شحت المبيعات والغلال والأدهان، وغلا سعر الحبوب وقل وجودها في الرقع والسواحل، فكان الناس لا يحصلون شيًّا منها إلا بغاية المشقة.
وفيه عزل الباشا حكام الأقاليم والكشاف ونوابهم وطلبهم للحضور، وأمر بحسابهم وما أخذوه من الفلاحين زياده على ما فرضه لهم، وأرسل من قبله أشخاصًا مفتشين للفحص والتجسس على ما عسى يكون أخذوه منهم من غير ثمن، فأخذوا يقررون المشايخ والفلاحين ويحررون أثمان مفرق الأشيا من غنم أو دجاج أو تبن أو عليق أو بيض أو غير ذلك في المدة التي أقامها أحدهم بالناحية، فحصل للكثير من قايم مقاماتهم الضرر، وكذلك من انتمى إليهم، فمنهم من اضطُر وباع فرسه واستدان.
وفيه حضر علي كاشف من شرقية بلبيس معزولًا عن كشوفيتها وقلدها خلافه، وكان كاشفًا بالإقليم عدة سنوات، وكذلك جرى لكاشف المنوفية والغربية، وحضر أيضًا حسن بك الشماشرجي من الفيوم معزولًا، ووجَّهه الباشا إلى ناحية درنة لمحاربة أولاد علي.
واستهل شهر ربيع التاني (سنة ١٢٣٢)
فيه حصل الحجز والمنع على من يذبح شيًّا من المواشي في داره أو غيرها، ولا يأخذ الناس لحوم أطعمتهم إلا من المذبح، وأوقفت عساكر بالطرق رصدًا لمن يدخل بشي من الأغنام، وذلك أنه لما نزلت المراسيم إلى الكشاف بمشترى المواشي من الفلاحين، وإرسالها إلى المكان الذي أعده الباشا لذلك.
ويؤخذ منها مقدار ما يذبح بالسلخانة في كل يوم لرواتب الدولة والبيع، وطلب كشاف النواحي شرا الأغنام والعجول والجواميس بالثمن القليل من أربابها، فهرب الكثير من الفلاحين بأغنامهم، فيخرجون من القرية ليلًا ويدخلون المدينة ويمرون بها في الأسواق ويبيعونها بما أحبوا من الثمن على الناس، فانكب الناس على شراها منهم لجودتها، ويشترك الجماعة في الشاة فيذبحونها ويقسمونها بينهم؛ وذلك لقلة وجدان اللحم كما سبقت الإشارة إليه، وإن تيسر وجوده فيكون هزيلًا رديًّا، فإن في كل يوم ترد الجملة الكثيرة من بحري وقبلي إلى المكان المعد لها، ولم يكن ثَمَّ من يراعيها بالعلف والسقي؛ فتهزل وتضعف.
فلما كثر ورود الفلاحين بالأغنام وشرا الناس لها، ووصل خبر ذلك إلى الباشا فأمر بوقوف عساكر على مفارق الطرق خارج المدينة من كل ناحية، فيأخذون الشاة من الفلاحين إما بالثمن أو يذهب صاحبها معهم إلى المذبح فتذبح في يومها ومن الغد، ويوزن اللحم خالصًا، ويعطى لصاحبها تمنه عن كل رطل تمانية فضة ونصف، ويوزن على الجزارين بذلك الثمن بما فيه من القلب والكبد والمنحر والمذاكير، والمخرج بما فيه من الزبل أيضًا، والجزارين يبيعونها على من يشتري لشدة الطلب بزيادة النصف والنصفين بل والتلاتة والأربعة إن كان به نوعُ جودة، وأما الأسقاط من الروس والجلود والكروش فهو للميري، وكذلك يفعل فيما يرد لخاصة الناس من الأغنام يفعل بها كذلك، ولا ياخذ إلا قدر راتبه في كل يوم من المذابح.
وفيه شح وجود في الرقع والسواحل حتى امتنع وجود الخبز في الأسواق، فأخرج الباشا جانب غلة ففرقت على الرُّقع وبيعت على الناس، وهي ألف أردب انقضت في يومين ولا يبيعون أزيد من كيلة أو كيلتين، وبيع الأردب بألف ومايتين وخمسين نصفًا، وفيه أفرد محل لعمل الشمع الذي يعمل من الشحوم بعطفة ابن عبد الله بك جهة السروجية، واحتكروا لأجل عمله جميع الشحوم التي من المذبح وغيره، وامتنع وجود الشحم من حوانيت الدهانين، ومنعوا من يعمل شيًّا من الشمع في داره أو في القوالب الزجاج، وتتبعوا من يكون عنده شي منها فأخذوها منه، وحذروا من عمله خارج المعمل كل التحذير، وسعَّروا رطله بأربعة وعشرين نصفًا.
واستهل شهر جمادى الأولى (سنة ١٢٣٢)
فيه حُوِّل معمل الشمع إلى جهة الحسينية عند الدرب الذي يعرف بالسبع والضبع.
وفيه ارتحلت عساكر مجردة إلى الحجاز.
وفيه برزت أوامرُ إلى كشاف النواحي بإحصا عدد أغنام البلاد والقرى، ويفرض على كل عشرة شياه واحدة من أعظمها، إما كبش أو نعجة بأولادها، يجمعون ذلك ويرسلون به إلى مجمع أغنام الباشا.
وفرض أيضًا على كل فدان رطلًا من السمن، يجمعها مشايخُ البلاد من الفلاحين عند كشاف النواحي ويرسلونها إلى مصر.
وسبب هذه الحادثة أنه لما عملت التسعيرة وتسعر رطل السمن بسته وعشرين نصفًا، ويبيعه السمان والزيات بزيادة نصفين امتنع وجودُه وظهوره، فيأتي الفلاح ليلًا في الخفية ويبيعه للزبون أو للمتسبب بما أحب، ويبيعه المتسبب أيضًا بالزيادة لمن يريده سرًّا، فيبيعون الرطل بأربعين وخمسين ويزيد على ذلك غش المتسبب وخلطه بالدقيق والقرع والشحم وعكر اللبن، فيصفو على النصف، ولا يقدر مشتريه على رد غشه للبايع؛ لأنه ما حصَّله إلا بغاية المشقة والعزة والإنكار والمنع، وإن فعل لا يجد من يعطيه ثانيًا.
وتقف الطايفة من العسكر بالطرق ليلًا، وفي وقت الغفلات يرصدون الواردين من الفلاحين، ويأخذونه منهم بالقهر ويعطونهم ثمنه بالسعر المرسوم، ويحتكرونه هم أيضًا ويبيعونه لمن يشتريه منهم بالزيادة الفاحشة، فامتنع وروده إلا في النادر خفية مع الغرر أو الخفارة والتحامي في بعض العساكر من أمثالهم، واشتد الحال في انعدام السمن حتى على أكابر الدولة.
فعند ذلك ابتدع الباشا هذه البدعة وفرض على كل فدان من طين الزراعات رطلًا من السمن، ويعطي في ثمن الرطل عشرين نصفًا، واشتغلوا بتحصيل ما دَهَمهم من هذه النازلة، وطولب المزارع بمقدار ما يزرعه من الأفدنة أرطالًا من السمن، ومن لم يكن متأخرًا عنده شي من سمن بهيمته، أو لم يكن له بهيمة، أو احتاج إلى تكملة موجودة عنده فيشتريه ممن يوجد عنده بأغلى ثمن ليسد ما عليه اضطرارًا جزاءً وفاقًا.
وفيه حصل الإذن بدخول ما دون العشرة من الأغنام إلى المدينة، وكذلك الإذن لمن يشتري شيًّا منها من الأسواق، وسبب إطلاق الإذن بذلك مجي بعض أغنام إلى أكابر الدولة، ولا غنى عن ذلك لأدنى منهم أيضًا، وحجزوا عن وصولها إلى دورهم، فشكوا إلى الباشا فأطلق الإذن فيما دون العشرة.
وفيه أيضًا امتنع وجود الغلال بالعرصات والسواحل بسبب احتكارها واستمرار انجرارها ونقلها في المراكب قبلي وبحري إلى جهة إسكندرية للبيع على الإفرنج بالثمن الكثيرة — كما تقدم — ووجهت المراسيم إلى كشاف النواحي بمنع بيع الفلاحين غلالهم لمن يشتري منهم من المتسببين والتراسين وغيرهم، وبأن كل ما احتاجوا لبيعه مما خرج لهم من زراعتهم يؤخذ لطرف الميري بالثمن المفروض بالكيل الوافي.
واشتد الحال في هذا الشهر وما قبله حتى قلَّ وجودُ الخبز من الأسواق، بل امتنع وجوده في بعض الأيام، وأقبلت الفقرا نسا ورجالًا إلى الرقع بمقاطفهم، ورجعوا بها فوارغ من غير شي، وزاد الهول والتشكي وبلغ الخبر الباشا فأطلق أيضًا ألف أردب توزَّع على الرقع ويباع على الناس إما ربع واحد وكيلة فقط، وكل ربع تمنه قرش فيكون الأردب بأربعة وعشرين قرشًا.
وفيه حضر حسن بك الشماشرجي من ناحية درنة وبلد أخرى يقال لها سيوة وصحبته فرقة من أولاد علي، وذلك أن أولاد علي افترقوا فرقتين: إحداهما طايعة والأخرى عاصية عن الطاعة ومنحازون إلى هذه الناحية، فجرد الباشا عليهم حسن بك المذكور، فحاربهم فهزمهم وهزموه ثانيًا، فرجع إلى مصر فضم إليه الباشا جملة من العساكر، وأصحب معه الفرقة الأخرى الطايعة فسار الجمع ودهموهم على حين غفلة، وتقدم لحربهم إخوانهم الطايعة وقتلوا منهم وأغاروا على مواشيهم وأباعرهم وأغنامهم، فأرسلوا المنهوبات إلى جهة الفيوم، وفي ظن العرب الفوز بالغنيمة وأن الباشا لا يطمع فيها لكون النصرة كانت بأيديهم، وأنه يشكر لهم ويزيدهم إنعامًا.
وكانوا نزلوا ببر الجيزة، وحضر حسن بك إلى الباشا، فطلب كبار العرب ليخلع عليهم ويكسوهم، فلما حضروا إليه أمر بحبسهم وإحضار الغنيمة من ناحية الفيوم بتمامها، فأحضروها بعد أيام وأطلقهم، فيقال: إن الأغنام ستة عشر ألف راس أو أكثر، ومن الجمال تمانية آلاف جمل وناقة، وقيل أكثر من ذلك.
وفيه نجزت عمارة السواقي التي أنشأها الباشا بالأرض المعروفة براس الوادي بناحية شرقية بلبيس، قيل: إنها تزيد على ألف ساقية، وهي سواقي دواليب خشب تعمل في الأرض التي يكون منبع الماء فيها قريبًا، واستمر الصناع مدة مستطيلة في عمل آلاتها عند بيت الجبجي، وهو بيت الرزاز الذي جهة التبانة بقرب المحجر، وتُحمل على الجمال إلى الوادي، وهناك المباشرون للعمل المقيدون بذلك، وغرسوا بها أشجار التوت الكثيرة لتربية دود القز واستخراج الحرير، كما يكون بنواحي الشام وجبل الدروز، ثم برزت الأوامر إلى جميع بلاد الشرقية بإشخاص أنفار من الفلاحين البطالين الذين لم يكن لهم أطيان فلاحة يستوطنون بالوادي المذكور، وتُبنى لهم كفور يسكنون فيها ويتعاطون خدمة السواقي والمزارع، ويتعلمون صناعة تربية القز والحرير، واستجلب أناسًا من نواحي الشام والجبل من أصحاب المعرفة بذلك، ويرتب للجميع نفقات إلى حين ظهور النتيجة ثم يكونون شركا في ربع المتحصل.
ولما برزت المراسيم بطلب الأشخاص من بلاد الشرق أشيع في جميع قرى الأقاليم المصرية إشاعات وتقولوا أقاويل، منها أن الباشا يطلب من كل بلدة عشرة من الصبيان البالغين وعشر من البنات ويزوجهم بهن ويمهرهن من ماله ويرتب لهم نفقات إلى بدو صلاح المزارع، ثم أشاعوا الطلب للصبيان الغير مختونين ليرسلهم إلى بلاد الإفرنج ليتعلموا الصنايع التي لم تكن بأرض مصر، وشاع ذلك في أهل القرى، وثبت ذلك عندهم فختن الجميع صبيانهم، ومنهم من أرسل ابنه أو بنته وغيَّبها عند معارفه بالمدينة، إلى غير ذلك من الأقاويل التي لم يثبت منها إلا ما ذُكر أولًا من أن المطلوب جلب الفلاحين البطالين من بلد الشرقية لا غير، وقد تعمر هذا الوادي بالسواقي والأشجار والسكان من جميع الأجناس، وانتشا واديًا جديدة متسعة لم يكن لها وجود قبل ذلك، بل كانت برِّية خرابًا وفضا واسعًا.
وفيه سافر جملة من عساكر الأتراك والمغاربة وكبيرهم إبراهيم أغا الذي كان كتخدا إبراهيم باشا ثم تولى كشوفية المنوفية، وصحبته خزينة وجبخانة ومطلوبات لمخدومه.
واستهل شهر جمادى التاني بيوم التلات (سنة ١٢٣٢)
في أوله حضر إلى مصر ابن يوسف باشا حاكم طرابلس، ومعه أخوه أصغر منه يستأذنان الباشا في حضور والدهما إلى مصر فارًّا من والده، وكان ولَّاه على ناحية درنة وبني غازي، فحصل منه ما غيَّر خاطر والده عليه، وعزم على أن يجرِّد عليه فأرسل أولاده إلى صاحب مصر بهدية ويستأذن في الحضور إلى مصر والالتجاء إليه، فأذن له في الحضور وهو ابن أخي الذي بمصر أولًا وسافر مع الباشا إلى الحجاز، ورجع إلى مصر واستمر ساكنًا بالسبع قاعات.
وفيه وصل الخبر بأن إبراهيم أغا سافر مع الجردة لما وصل إلى العقبة أمر مَن بصحبته مِن المغاربة والعسكر بالرحيل، فلما ارتحلوا ركب هو في خاصته وذهب على طريق الشام.
وفي ليلة الأربع سادس عشره وصل جراد كثير ليلًا، ونزل ببستان الباشا بشبرا وتعلق بالأشجار والزهور، وصاحت الخَوَلة والبستانجية وأرسل الباشا إلى الحسينية وغيرها، فجمعوا مشاعل كثيرة وأوقدوها وضربوا بالطبول والصنوج النحاس لطرده، وأمر الباشا لكل من جمع منه رطلًا فله قرشان، فجمع الصبيان والفلاحون منه كثيرًا.
ثم في ليلة السبت تاسع عشره قبل الغروب وصل جراد كثير من ناحية المشرق مارًّا بين السما والأرض مثل السحاب، وكان الريح ساكنًا فسقط منه الكثير على الجناين والمزارع والمقاثي، فلما كان في نصف الليل هبت رياح جنوبية واستمرت واشتد هبوبها عند انتصاف النهار وأثارت غبارًا أصفر وعبوقًا بالجو، ودامت إلى بعد العصر يوم السبت فطردت ذلك الجراد وأذهبته، فسبحان الحكيم المدبر اللطيف!
وفي يوم الأحد طاف منادٍ أعمى يقوده آخر بالأسواق، ويقول في نداه: مَن كان مريضًا أو به رمد أو جراحه أو أدْرة، فليذهب إلى خان بالموسكي به أربعة من حكما الإفرنج أطبا يداوونه من غير مقابلة شي، فتعجب الناس من هذا وتحاكوه، وسعوا إلى جهتهم لطلب التداوي.
وفيه حضر ابن باشت طرابلس، ودخل إلى المدينة وصحبته نحو المايتي نفر من أتباعه، فأنزله الباشا في منزل أم مرزوق بك بحارة عابدين، وأجرى عليه النفقات والرواتب له ولأتباعه.
وفي يوم الخميس حادي عشرينه وصل خبر الأطبا ومناداتهم إلى كتخدا بك، فأحضر حكيم باشا، وسأله فأنكر معرفتهم وأنه لا علم عنده بذلك، فأمر بإحضارهم وسألهم فخلطوا في الكلام فأمر بإخراجهم من البلدة ونفوهم في الحال، وذهبوا إلى حيث شاء الله، ولو فعل مثل هذه الفعلة بعض المسلمين لجوزي بالقتل أو الخازوق.
وكان صورة جلوسهم أن يجلس أحدهم خارج المكان والآخر من داخل وبينهما ترجمان، ويأتي مريد العلاج إلى الأول، وهو كأنه الريس، فيجس نبضه أو بيضه وكأنه عرف علته، ويكتب له ورقة فيدخل مع الترجمان بها لآخر بداخل المكان، فيعطيه شيًّا من الدهن أو السفوف أو الحب المركب، ويطلب منه إما قرشًا أو قرشين أو خمسة بحسب الحال، وذلك ثمن الدوا لا غير، وشاع ذلك وتسامع به الناس، وأكثرهم معلول، ومن طبيعتهم التقليد والرغبة في الوارد الغريب، فتكاثروا وتزاحموا عليهم فجمعوا في الأيام القليلة جملة من الدراهم، واستلطف الناس طريقتهم هذه بخلاف ما يفعله الذين يدَّعون التطبيب من الإفرنج.
واصطلاحهم إذا دُعي الواحد منهم لمعالجة المريض فأول ما يبدأ به نقل قدمه بدراهم يأخذها إما ريال فرانسة أو أكثر بحسب الحال والمقام، ثم يذهب إلى المريض فيجسه ويزعم أنه عرف علته ومرضه، وربما هوَّل على المريض داءه وعلاجه، ثم يقاول على سعيه في معالجته بمقدار من الفرانسة إما خمسين أو ماية أو أكثر بحسب مقام العليل، ويطلب نصف الجعالة ابتدا، ويجعل على كل مرة من التردادات عليه جعالة أيضًا، ثم يزاوله بالعلاجات التي تجددت عندهم، وهي مياه مستقطرة من الأعشاب أو أدهان كذلك، يأتون بها للمرضى في قوارير الزجاج اللطيفة في المنظر يسمونها بأسما بلغاتهم ويعربونها بدهن البادزهر وأكسير الخاصة ونحو ذلك، فإن شفى الله العليل أخذ منه بقية ما قاوله عليه أو أماته طالب الورثة بباقي الجعالة وتمن الأدوية طبق ما يدعيه، وإذا قيل له: إنه قد مات، قال في جوابه: إني لم أضمن أجله، وليس على الطبيب منع الموت ولا تطويل العمر، وفيهم من جعل له في كل يوم عشرة من الفرانسة.
وفيه رأى رأيه حضرة الباشا حفر بحر عميق يجري إلى بركة عميقة تحفر أيضًا بإسكندرية، تسير فيها السفن بالغلال وغيرها، ومبدها من مبدا خليج الأشرفية عند الرحمانية، فطلب لذلك خمسين ألف فاس ومسحة يصنعها صناع الحديد، وأمر بجمع الرجال من القرى، وهم ماية ألف فلاح توزع على القرى والبلدان للعمل والحفر بالأجرة، وبرزت الأوامر بذلك فارتبك أمر الفلاحين ومشايخ البلاد؛ لأن الأمر برز بحضور المشايخ وفلاحيهم، فشرعوا في التشهيل وما يتزودون به في البرية ولا يدرون مدة الإقامة، فمنهم من يقدرها بالسنة، ومنهم بأقل أو أكثر.
واستهل شهر رجب بيوم الأحد (سنة ١٢٣٢)
في تانيه يوم الاتنين الموافق لتاني عشر بشنس القبطي وسابع آيار الرومي قبل الغروب بنحو ساعة، تغير الجو بسحاب وقتام، وحصل رعد متتابع وأعقبه مطر بعد الغروب، ثم انجلى ذلك، والسبب في ذكر مثل هذه الجزئية شيان؛ الأول: وقوعها في غير زمانها لما فيه من الاعتبار بخرق العوايد، التاني: الاحتياج إليها في بعض الأحيان في العلامات السماوية، وبالأكثر في الوقايع العامية، فإن العامة لا يؤرخون غالبًا بالأعوام والشهور، بل بحادثة أرضية أو سماوية، خصوصًا إذا حصلت في غير وقتها، أو ملحمة أو معركة أو فصل أو مرض عام أو موت كبير أو أمير، فإذا سيل شخص عن وقت مولده أو مولد ابنه أو ابنته أو موت أبيه أو سنة بلوغه سن الرشد، يقول: كان بعد الحادثة الفلانية بكذا من الأيام، ثم لا يدري في أي شهر أو عام، وخصوصًا إذا طال الزمان بعده.
وقد تكرر الاحتياج إلى تحرر الوقت في مسايل شرعية في مجلس الشرع، في مثل الحضانة والعدة والنفقة وسن اليأس ومدة غيبة المفقود، بأن يتفق قولهم على أن الصبي ولد يوم السيل الذي هدم القبور، أو يوم موت الأمير فلان، أو الواقعة الفلانية، ويختلفون في تحقيق وقتها، وعند ذلك يحتاجون إلى السؤال ممن عساه يكون أرَّخ وقتها، وفي غير وقت الاحتياج يسخرون بمن يشغل بعض أوقاته بشي من ذلك لاعتيادهم إهمال العلوم التي كان يعتني بتدوينها الأوايل إلا بقدر إقامة الناموس الذي يحصلون به الدنيا.
ولولا تدوين العلوم — وخصوصًا علم الأخبار — ما وصل إلينا شي منها، ولا الشرايع الواجبة، ولا يشك شاك في فوايد التدوين وخصايصه بنص التنزيل، قال تعالى: وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ.
وفي عاشره وصلت هجانة وأخبار عن إبراهيم باشا من الحجاز بأنه وصل إلى محل يسمى الموتان، فوقع بينه وبين الوهابية، وقتل منهم مقتلة عظيمة، وأخذ منهم أسرى وخيامًا ومدفعين، فضربوا لتلك الأخبار مدافع سرورًا بذلك الخبر.
وفي يوم الأربع تامن عشره سافر الباشا إلى أسكلة السويس، وصحبته السيد محمد المحروقي ليتلقى سفاينه الواصلة بالبضايع الهندية.
واستهل شهر شعبان بيوم الاتنين (سنة ١٢٣٢)
فيه رجع الباشا من السويس، وأخلوا للبضايع الواصلة تلات خانات توضع في حواصلها، ثم توزع على الباعة بالثمن الذي يفرضه.
وفيه وصل الخبر أيضًا بوصول سفاين إلى بندر جدة وفيها تلاتة من الفيلة.
وفيه قوي اهتمام الباشا لحفر الترعة الموصلة إلى إسكندرية كما تقدم، وأن يكون عرضها عشرة أقصاب، والعمق أربعة أقصاب بحسب علو الأراضي وانخفاضها، وتعينت كشاف الأقاليم لجمع الرجال، وفرضوا أعدادهم بحسب كثرة أهل القرية وقلتها، وعلى كل عشرة أشخاص شخص كبير.
وجمعت الغُلقان، ولكل غلق فاس وتلاتة رجال لخدمته، وأعطوا كل شخص خمسة عشر قرشًا ترحيلة، ولكل شخص تلاتون نصفًا في أجرته كل يوم وقت العمل.
وحصل الاهتمام لذلك في وقت اشتغال الفلاحين بالحصيدة والدراس وزراعة الذرة التي هي معظم قوتهم، وشرعوا في تشهيل احتياجاتهم وشرا القرب للماء، فإن بتلك البرية لا يوجد الماء إلا ببعض الحفاير التي يحفرها طالب الماء، وقد تخرج مالحة؛ لأنها أراض مسبخة.
وتعين جماعة من مهندسخانة ونزلوا مع كبيرهم لمساحتها وقياسها فقاسوا من فم ترعة الأشرفية حيث الرحمانية، إلى حد الحفر المراد بقرب عمود السواري الذي بإسكندرية، فبلغ ذلك ستة وعشرين ألف قصبة، ثم قاسوا من أول الترعة القديمة المعروفة بالناصرية وابتداها من المكان المعروف بالعطف عند مدينة فوة، فكان أقل من ذلك ينقص عنه خمسة آلاف قصبة وكسر، فوقع الاختيار على أن يكون ابتداها هناك.
وفي أثناء ذلك زاد النيل قبل المناداة عليه بالزيادة، وذلك في منتصف بؤنة القبطي وغرَّق المقاثي من البطيخ والخيار والعبدلاوي، وأهمل أمر الحفر في الترعة المذكورة إلى ما بعد النيل، واستردت الدراهم التي أعطيت للفلاحين لأجل الترحيلة، وفرحوا بذلك الإهمال، وقد كان أطلق الباشا لمصارفها أربعة آلاف كيس من تحت الحساب، ورجع المهندسون إلى مصر وقد صوروا صورتها في كواغد ليطلع عليها الباشا عيانًا، وكان رجوعهم في تامن عشر شعبان.
وفيه تقلد إبراهيم أغا المعروف بأغات الباب أمر تنظيم الأصناف والمحدثات، وعمل معدلاتها لبيان سرقات ومخفيات المتقلدين آخر كل صنف من الأصناف بعد البحث والتفتيش، والتفحص على دقايق الأشيا.
وفيه وصل نحو المايتي شخص من بلاد الروم أرباب صنايع معمرين ونجارين وحدادين وبنايين، وهم ما بين أرمني ونجريجي ونحو ذلك.
وفيه أيضًا اهتم الباشا ببنا حايطين بحري رشيد عند الطينة على يمين البغاز وشماله لينحصر فيما بينهما الماء ولا تطمى الرمال وقت ضعف النيل، ويقع بسبب ذلك العطب للمراكب وتلف أموال المسافرين، وقد كمل ذلك في هذا الشهر، وهذه الفعلة من أعظم الهمم الملوكية التي لم يسبق بمثلها.
وفي عشرينه شُنق شخص بباب زويلة بسبب الزيادة في المعاملة، وعلقوا بأنفه ريال فرانسة، مع أن الزيادة سارية في المبيعات والمشتروات من غير إنكار.
وفيه أيضًا خزم المحتسب آناف أشخاص من الجزارين في نواحي وجهات متفرقة، وعلَّق في آنافهم قطعًا من اللحم؛ وذلك بسبب الزيادة في تمن اللحم وبيعهم له بما أحبوه من الثمن في بعض الأماكن خفية؛ لأن الجزارين إذا نزلوا باللحم من المذبح وأكثره هزيل ونعاج ومعز والقليل من المناسب الجيد، فيعلقون الردي بالحوانيت ويبيعونه جهارًا بالثمن المسعر، ويخفون الجيد ويبيعونه في بعض الأماكن بما يحبون.
وفي يوم الخميس عشرينه وصلت الأفيال التلاتة من السويس أحدها كبير عن الاتنين، ولكن متوسط في الكبر، فعبروا بها من باب النصر وشقوا من وسط المدينة، وخرجوا بهم من باب زويلة على الدرب الأحمر، وذهبوا بهم إلى قراميدان، وهرولت الناس والصبيان للفرجة عليها، وذهبوا خلفها وازدحموا في الأسواق لرؤيتها، وكذلك العسكر والدلاة ركبانًا ومشاة وعلى ظهر الفيل الكبير مقعد من خشب.
واستهل شهر رمضان بيوم التلات (سنة ١٢٣٢)
وعملت الرؤية تلك الليلة وركب المحتسب وكذا مشايخ الحرف كعادتهم، وأثبتوا رؤية الهلال تلك الليلة، وكان عسر الرؤية جدًّا.
وفي صبح ذلك اليوم عزل عثمان أغا الورداني من الحسبة وتقلدها مصطفى كاشف كرد، وذلك لما تكرر على سمع الباشا أفعال السوقة وانحرافهم وقلة طاعتهم، وعدم مبالاتهم بالضرب والإيذا وخزم الأنوف والتجريس، قال في مجلس خاصته: لقد سرى حكمي في الأقاليم البعيدة فضلًا عن القريبة، وخافني العربان وقطاع الطريق وغيرهم خلاف سوقة مصر، فإنهم لا يرتدعون بما يفعله فيهم ولاة الحسبة من الإهانة والإيذا، فلا بد لهم من شخص يقهرهم ولا يرحمهم ولا يهملهم، فوقع اختياره على مصطفى كاشف كرد هذا، فقلده ذلك وأطلق له الإذن، فعند ذلك ركب في كبكبة وخلفه عدة من الخيالة، وترك شعار المنصب من المقدمين والخدم الذين يتقدمونه، وكذلك الذي أمامه بالميزان ومن بأيديهم الكرابيج لضرب المستحق والمنقص في الوزن.
وبات يطوف على الباعة ويضرب بالدبوس هشمًا بأدنى سبب، ويعاقب بقطع شحمة الأذن، فأغلقوا الحوانيت، ومنعوا وجود الأشيا حتى ما جرت به العادة في رمضان من عمل الكعك والرقاق المعروف بالسحير وغيره، فلم يلتفت لامتناعهم وغلقهم الحوانيت وزاد في العسف، ولم يرجع عن سعيه واجتهاده، ولازم على السعي والطواف ليلًا ونهارًا لا ينام الليل بل ينام لحظة وقت ما يدركه النوم في أي مكان ولو على مصطبة حانوت، وأخذ يتفحص على السمن والجبن ونحوه المخزون في الحواصل ويخرجه، ويدفع ثمنه لأربابه بالسعر المفروض، ويوزعه لأرباب الحوانيت ليبيعوه على الناس بزيادة نصف أو نصفين في كل رطل.
وذهب إلى بولاق ومصر القديمة فاستخرج منهما سمنًا كثيرًا، ومعظم ذلك في مخازن للعسكر، فإن العسكر كانوا يرصدون الفلاحين وغيرهم فيأخذونه منهم بالسعر المفروض، وهو مايتان وأربعون في العشرة منه، ثم يبيعونه على المحتاجين إليه بما أحبوا من الزيادة الفاحشة، فلم يراعِ جانبهم، واستخرج مخبآتهم قهرًا عنهم، ومن خالف عليه منهم ضربه وأخذ سلاحه ونكل به.
وذهب في بعض الأوقات إلى بولاق فأخرج من حاصل ببعض الوكايل تلتماية وخمسين ماعونًا لكبير من العسكر، فحضر إليه بطايفته فلم يلتفت إليه ووبخه وقال له: أنتم عساكر لكم الرواتب والعلايف واللحوم والأسمان وخلافها، ثم تحتكرون أيضًا أقوات الناس وتبيعونها عليهم بالثمن الزايد، وأعطاه الثمن المفروض وحمل المواعين على الجِمال إلى الأمكنة التي أعدها لها عند باب الفتوح.
وعندما رأى أرباب الحوانيت الجد وعدم الإهمال والتشديد عليهم فتح المغلق منهم حانوته، وأظهروا مخبآتهم أمامهم وملوا السدريات والطسوت من السمن وأنواع الجبن خوفًا من بطش المحتسب، وعدم رحمته بهم، ويقف بنفسه على باعة البطيخ والقاوون.
وفي منتصف شهر رمضان وصلوا برمة إبراهيم بك الكبير من دنقلة؛ وذلك أنه لما وصل خبر موته استأذنت زوجته أم ولده الباشا في إرسالها امرأة تدعى نفيسه لإحضار رمته، فأذن بذلك، وأعطى المتسفرة فيما بلغنا عشرة أكياس وكتب لها مكاتبات لكشاف الوجه القبلي بالمساعدة، وسافرت وحضرت به في تابوت، وقد جف جلده على عظمه لنحافته، وذلك بعد موته بنحو ستة شهور، وعملوا له مشهدًا وأمامه كفارة، ودفنوه بالقرافة الصغرى، عند ابنه مرزوق بك.
وفي ليلة الخميس سابع عشره طلب المحتسب حجاج الخضري الشهير بنواحي الرملية، فأخذه إلى الجمالية وشنقه على السبيل المجاور لحارة المبيضة، وذلك في سادس ساعة من الليل وقت السحور، وتركوه معلقًا لمثلها من الليلة القابلة، ثم أذن برفعه فأخذه أهله ودفنوه، وحجاج هو الذي تقدم ذكره غير مرة في واقعة خورشيد باشا وغيرها.
وكان مشهورًا بالإقدام والشجاعة طويل القامة عظيم الهمة، وكان شيخًا على طوايف الخضرية، صاحب صَوْلة وكلمة بتلك النواحي ومكارم أخلاق، وهو الذي بنى البوابة بآخر الرملية عند عرصة الغلة أيام الفتنة.
واختفى مرارًا بعد تلك الحوادث، وانضم إلى الألفي ثم حضر إلى مصر بأمان، ولم يزل على حالته في هدو وسكون، ولم يؤخذ على هذه بجرم فعَله يوجب شنقه، بل قُتل مظلومًا لحقد سابق وزجرًا لغيره.
وفي يوم الاتنين تامن عشرين شهر رمضان الموافق لسادس مسرى القبطي أوفى النيل أذرعه بالوفا، وكسر السد صبح يوم التلات بحضرة كتخدا بك والقاضي وغيره، وجرى الماء في الخليج، ولم يقع فيه مهرجان مثل العادة، وهذا والمحتسب مواظب على السروح ليلًا ونهارًا ويعاقب بجرح الآذان والضرب بالدبوس، وأقعد بعض صناع الكنافة على صوانيهم التي على النار، وأمر بكنس الأسواق ومواظبة رشها بالماء ووقود القناديل على أبواب الدور، وعلى كل تلاتة من الحوانيت قنديل.
ويركب آخر الليل، ثم يذهب إلى بولاق ليتلقى الواردين بالبطيخ الأخضر والأصفر، ويعرف عدة الشروات ويأمرهم بدفع مكوسها المفروض، ثم يأمرهم بالذهاب إلى مراكز بيعهم ولا يبيعون شيًّا حتى يأتيهم بنفسه أو بحضرة من يرسله من طرفه، ثم يعود طايفا عليهم فيحصي ما في فرش أحدهم عددًا، ويميز الكبير بثمن والصغير بثمن، ويترك عند البايع من يباشره، أو يقف هو بنفسه ويبيع على الناس بما فرضه ويعطي لصاحبه الثمن والربح، فيراه قد ربح العشرة قروش وأكثر بعد مكسه ومصارفه فيقول له: أما يكفي مثلك ربح هذا القدر حتى تطمع أيضًا في الزياده عليه؟
وهو مع ذلك يكر ويطوف على غيرهم ويحلق على ما يرد من السمن الوارد والذي تقرر على المزارعين، فيزنه منهم بالسعر المفروض وهو أربعة وعشرون نصفًا الرطل، ويرد عليهم الفوارغ ويعطيه للبايع بالثمن المقرر، وهو ستة وعشرون وهو يبيعونه بزيادة نصفين في كل رطل وهو تمانية وعشرون، ويناله الناس بأسهل وجدان سالمًا من الخلط والغش، ويأمرهم بإعادة ما عسى يوجد فيه من المُرْتة والعكار إلى مواعينه ليوزن مع فوارغه.
ورصد أيضًا ما يرد للناس ولو لأكابر الدولة من السمن، فيطلق البعض ويأخذ الباقي بالثمن، وكذلك ما يأتيهم من البطيخ والدجاج، ولو كان لصاحب الدولة، حسب إذنه له بذلك، كل ذلك للحرص على كثرة وجدان الأشيا، وتعدت أحكامه إلى بضايع التجار والأقمشة الهندية وأهل مرجوش والمحلاوية وخلافهم، وطلب قوايم مشترواتهم والنظر في مكايلهم فضاق خناق أكثر الناس لكونهم لم يعتادوه من محتسب قبله.
وكأنه وصله خبر ولاة الحسبة وأحكامهم في الدول المصرية القديمة، فإن وظيفة أمين الاحتساب وظيفة قضاء، وله التحكم والعدالة والتكلم على جميع الأشيا، وكان لا يتولاها إلا المتضلع من جميع المعارف والعلوم والقوانين ونظام العدالة، حتى على من يتصدر لتقرير العلوم، فيحضر مجلسه ويباحثه فإن وجد فيه أهلية للإلقا أذن له بالتصدر أو منعه حتى يستكمل، وكذلك الأطباء والجراحية حتى البيطارية والبزدرية ومعلمو الأطفال في المكاتب ومعلمو السباحة في الماء، والنظر في وسق المراكب في الأسفار وأحمال الدواب في نقل الأشيا ومقادير روايا الماء مما يطول شرحه، وفي ذلك مؤلَّف للشيخ ابن الرفعة، وقد سهل بعض ذلك مع العدالة وعدم الاحتكار وطمع المتولي، وتطلعه لما في أيدي الناس وأرزاقهم.
ومما يحكى أن الرشيد سأل الليث بن سعد فقال له: يا أبا الحارث ما صلاح بلدكم؟ (يعني مصر) فقال له: أما صلاح أمرها ومزارعها فبالنيل، وأما أحكامها فمن رأس العين يأتي الكدر.
وفي أواخر رمضان زاد المحتسب في نغمات الطنبور، وهو أنه أرسل مناديه في مصر القديمة ينادي على نصارى الأرمن والأروام والشوام بإخلا البيوت التي عمروها وزخرفوها وسكنوا بها بالإنشا والملك والمؤجرة المطلة على النيل، وأن يعودوا إلى زيهم الأول من لبس العمايم الزرق وعدم ركوبهم الخيول والبغال والرهوانات الفارهة واستخدامهم المسلمين، فتقدم أعاظمهم إلى الباشا بالشكوى وهو يراعي جانبهم؛ لأنهم صاروا أخصا الدولة وجلسا الحضرة وندما الصحبة.
وأيضًا نادى مناديه على المردان ومحلقي اللحى بأنهم يتركونها ولا يحلقونها وجميع العسكر، وغالب الأتراك سنتهم حلق اللحى ولو طعن في السن، فأشيع فيهم أن يأمرهم بترك لحاهم، وذلك خرم لقواعدهم بل يرونه من الكباير، وكذلك السيد محمد المحروقي بسبب تعرضه إلى بضايع التجار من أهل الغورية فإن ذلك منوط به.
وفي أثناء ذلك ورد إلى عابدين بك مواعين سمن فأرسل الجِمال إلى حملها من ساحل بولاق، فبلغ خبرها المحتسب فأخذها وأدخلها مخزنه، وعادت الجمال فارغة وأخبروا مخدومهم بحجز المحتسب لها، فأرسل عدة من العسكر فأخرجوها من المخزن وأخذوها، ولم يكن المحتسب حاضرًا، واتفق أنه ضرب شخصًا من عسكر المذكور أرنؤدي بالدبوس حتى كاد يموت، فاشتد بعابدين بك الحنق، وركب إلى كتخدا بك وشنع على المحتسب.
وتعددت الشكاوى وصادفت في زمن واحد، فأنهي الأمر إلى الباشا فتقدم إليه بكف المحتسب عن هذه الأفعال، فأحضره الكتخدا وزجره وأمره أن لا يتعدى حكمة الباعة ومن كان يسري عليهم أحكام من كان في منصبه قبله، وأن يكون أمامه الميزان ويؤدب المستحق بالكرابيج دون الدبوس.
واستهل شهر شوال بيوم الخميس (سنة ١٢٣٢)
فترك المحتسب السروح في أيام العيد، وأشيع بين السوقة عزله، فأظهروا الفرح ورفعوا ما كان ظاهرًا بين أيديهم من السمن والجبن وأخفوه عن الأعين، ورجعوا إلى حالتهم الأولى في الغش والخيانة وغلا السعر، وأغلق بعضهم الحانوت وخرجوا إلى المنتزهات وعملوا ولايم.
وفي رابعه شنقوا عدة أشخاص في أماكن متفرقة، قيل إنهم سُرَّاق وزغلية، وكانوا مسجونين في أيام رمضان، ولم يركب المحتسب حسب الأمر، بل أركب خازنداره، وشق بالميزان عوضًا عنه، ثم ركب هو أيضًا وبيده الدبوس، لكن دون الحالة الأولى في الجبروت، ولم يَسْرِ حكمه على النصارى فضلًا عن غيرهم.
وفي عاشره يوم السبت نزلوا بكسوة الكعبة من القلعة وشقوا بها من وسط الشارع إلى المشهد الحسيني.
وفي يوم السبت سابع عشره أداروا المحمل وخرج أميرُ الركب إلى خارج باب النصر، ووصلت حجاج كثيرة من ناحية المغرب إلى بر إنبابة وبولاق، وطفقوا يشترون الأغنام من الفلاحين ويذبحونها ويبيعونها ببولاق وطرقها على الناس جزافًا من غير وزن، ويذهب الكثير من الناس إلى الشرا منهم، فيقعون في الغبن الفاحش والزيادة على السعر بالضعف وأكثر، وضرورتهم في الشرا منهم رداءة ما يحمله القصابون من المذبح من أغنام الباشا المحضرة من البلاد والقرى، وقد هزلت من السفر والإقامة بالجوع والعطش، ويموت الكثير منها فيسلمونه ويزنونه على الجزارين بالبيع للناس، وفيه المتغير الريحة وما تعافه النفوس، فبسبب ذلك اضطُر الناس إلى الشرا من هولا الأجناس بالغبن وتحمل سو أخلاقهم.
وحصل بينهم وبين بعض العسكر شرور وقتل بينهم قتلى ومجاريح، والباشا وحكام الوقت يتغافلون عنهم خوفًا من وقوع الفتن، ثم ارتحلوا لأنهم كثروا وملوا الأزقة والنواحي.
وحضر أيضًا الركب الفاسي وفيه ولدا السلطان سليمان ومن يصحبهما، فأحسن الباشا نزلهم، وتقيد السيد محمد المحروقي بملاقاتهم ولوازمهم، وأنزلوهم في منزل بجوار المشهد الحسيني، وأجريت عليهم نفقات تليق بهم، وأهديا للباشا هدية، وفيها عدة بغال وبرانس حرير وغير ذلك.
وفي تامن عشرينه ارتحل الحج المصري من البركة، وكانت الحجوج في هذه السنة كثيرة من ساير الأجناس أتراك وططر وبشناق وجركس وفلاحين من ساير الأجناس، ورجع الكثير من المسافرين على بحر القلزم إلى الحجاز من السويس لقلة المراكب التي تحملهم، وغصت المدينة من كثرة الزحام زيادة على ما بها من ازدحام العساكر وأخلاط العالم من فلاحي القرى المشيعين والمسافرين، ومن يرد من الآفاق والبلاد الشامية ونصارى الروم والأرمن والدلاة والواردين، والذين استدعاهم الباشا من الدروز والمتاولة والنصيرية وغيرهم لعمل الصنايع والمزارع وشغل الحرير، وما استجده بوادي الشرقية، حتى إن الإنسان يقاسي الشدة والهول إذا مر بالشارع من كثرة الازدحام ومرور الخيالة وحمير الأوسية، والجِمال التي تحمل الأتربة والأنقاض والأحجار لعماير الدولة، سوى ما عداها من حمول الأحطاب والبضايع والتراسين حتى الزحمة في داخل العطف الضيقة، وزيادة على ذلك كثرة الكلاب بحيث يكون في القطعة من الطريق نحو الخمسين، ثم صياحها ونباحها المستمر، وخصوصًا في الليل على المارين، وتشاجرها مع بعضها مما يزعج النفوس ويمنع الهجوع.
وقد أحسن الفرنساوية بقتلهم الكلاب، فإنهم لما استقروا وتكرر مرورهم ونظروا إلى كثرة الكلاب من غير حاجة ولا منفعة سوى الهبهبة والعوا، وخصوصًا عليهم لغرابة أشكالهم، فطاف عليهم طايف منهم باللحم المسموم، فما أصبح النهار إلا وجميعها موتى مطروحة بجميع الشوارع، فكان الناس والصغار يسحبونها كذا بالحبال إلى الخلا، واستراحت الأرض ومن فيها، فالله يكشف عنا مطلق الكرب في الدنيا والآخرة بمنِّه وكرمه.
واستهل شهر ذي القعدة (سنة ١٢٣٢)
في خامسه يوم الأربع وليلة الخميس ارتحل ركب الحجاج المغاربة من الحصوة.
وفي أواخره حصل الأمر للفقها بأزهر بقراية صحيح البخارى، فاجتمع الكثير من الفقها والمجاورين وفرقوا بينهم أجزا وكراريس من البخارى يقرون فيها في مقدار ساعتين من النهار بعد الشروق، فاستمروا على ذلك خمسة أيام، وذلك بقصد حصول النصر لإبراهيم باشا على الوهابية، وقد طالت مدة انقطاع الأخبار عنه، وحصل لأبيه قلق زايد، ولما انقضت أيام قراية البخاري نزَّل للفقها عشرين كيسًا فُرقت عليهم، وكذلك على أطفال المكاتب.
واستهل شهر ذي الحجة بيوم الأحد (سنة ١٢٣٢)
في رابعه شنقوا أشخاصًا قيل إنهم خمسة، ويقال إنهم حرامية.
وفيه أرسلت الأفيال التلاتة إلى دار السلطنة وصحبة الهدايا المرسلة تلاتة سروج ذهب وفيها سرج مجوهر، وخيول كبوش ونقود وأقمشة هندية وسكاكر وأرز.
وفيه وصل آخَر كبير مروا به من وسط المدينة، وذهبوا به إلى رحبة بيت السيد محمد المحروقي وقفوا به في أواخر النهار والناس تجتمع للفرجة عليه إلى أواخر النهار، ثم طلعوا إلى القلعة وأوقفوا بالطبخانة، وهي محل عمل المدافع، وحضر بصحبته شخص يدَّعي العلم والمعرفة بالطب والحكمة، ومعه مجلد كبير في حجم الوسادة يحتوي على الكتب الستة الحديثية، وخطه دقيق، قال إنه نسخه بيده، ونزل ببيت السيد محمد المحروقي وركب له معجون الجواهر، أنفق فيه جملة من المال وكحلا، وركب أيضًا تراكيب لغيره، وشرط عليهم في الاستعمال بعد مضي ستة أشهر وشي منها بعد شهرين وتلاتة، وأقام أيامًا ثم سافر راجعًا إلى صنعا.
وفي يوم التلات عاشره كان عيد النحر، ولم يرد فيه مواشي كثيرة كالأعياد السابقة من الأغنام والجواميس، التي تأتي من الأرياف، فكانت تزدحم منها الأسواق لكثرتها والوكايل والرميلة، فلم يرد إلا النزر القليل قبل النحر بيومين، ويباع بالثمن الغالي، ولم يذبح الجزارون في أيام النحر للبيع كعادتهم إلا القليل منهم مع التحجير على الجلود وعلى من يشتريها، وتباع لطرف الدولة بالثمن الرخيص جدًّا.
وانقضت السنة مع استمرار ما تجدد بها من الحوادث التي منها ما حدث في آخر السنة من الحجر وضبط أنواع الحياكة وكل ما يصنع بالمكوك، وما ينسج على نول أو نحوه من جميع الأصناف من إبريسم أو حرير أو كتان إلى الخيش والفلِّ والحصير في ساير الإقليم المصري طولًا وعرضًا قبلي وبحري، من إسكندرية ودمياط إلى أقصى بلاد الصعيد والفيوم، وكل ناحية تحت حكم هذا المتولي، وانتظمت لهذا الباب دواوين ببيت محمود بك الخازندار وأيامًا ببيت السيد محمد المحروقي، ويحضره من ذكر والمعلم غالي، ومتولي كبر ذلك والمفتتح لأبوابه المعلم يوسف كنعان الشامي، والمعلم منصور أبو سربمون القبطي.
ورتبوا لضبط ذلك كتَّابًا ومباشرين يتقررون بالنواحي والبلدان والقرى، وما يلزم لهم من المصاريف والمعاليم والمشاهرات ما يكفيهم في نظير تقيدهم وخدمتهم، فيمضي المتعينون لذلك فيحصون ما يكون موجودًا على الأنوال بالناحية من القماش والبز والأكسية الصوف المعروفة بالزعابيط والدفافي، ويكتبون عدده على ذمة الصانع، ويكون ملزومًا به حتى إذا تم نسجه دفعوا ثمنه بالفرض الذي يفرضونه، وإن أرادها صاحبها أخذها من الموكلين بالثمن الذي يقدرونه بعد الختم عليها من طرفيها بعلامة الميري، فإن ظهر عند شخص شي من غير علامة الميري أخذت منه، بل وعوقب وغرم تأديبًا على اختلاسه وتحذيرًا لغيره.
هذا شأن الموجود الحاصل عند النساجين واستئناف العمل المجدد، فإن الموكل بالناحية ومباشريها يستدعون من كل قرية شخصًا معروفًا من مشايخها فيقيمونه وكيلًا ويعطونه مبلغًا من الدراهم ويأمرونه بإحصا الأنوال والشغالين والبطالين منهم في دفتر، فيأمرون البطالين بالنسج على الأنوال التي ليس لها صناع بأجرتهم كغيرهم على طرف الميري، ويدفع المتوكل لشخصين أو تلاتة دراهم يطوفون بها على النسا اللاتي يغزلن الكتان بالنواحي، ويجعلنه أذرعًا، فيشترون ذلك منهن بالثمن المفروض، ويأتون إلى النساجين، ثم تجمع أصناف الأقمشة في أماكن للبيع بالثمن الزايد، وجعلوا لمبيعها أمكنة مثل خان أبو طقية وخان الجلاد، وبه يجلس المعلم كنعان ومن معه وغير ذلك، وبلغ ثمن الثوب القطن الذي يقال له البطانة إلى تلتماية نصف فضة بعدما كان يُشترى بماية نصف وأقل وأكثر، بحسب الرداءة والجودة، وأدركناه يباع في الزمن السابق بعشرين نصفًا، وبلغ تمن المقطع القماش الغليظ إلى ستماية نصف فضة، وكان يباع بأقل من تلت ذلك، وقس على ذلك باقي الأصناف، وهذه البدعة المحدثة، فإن ضررها عم الغني والفقير والجليل والحقير، والحكم لله العلي الكبير.
ومنها أن المشار إليه هدم القصر الذي بالآثار وأنشأه على الهيئة الرومية التي ابتدعوها في عمايرهم بمصر، وهدموه وعمروه وبيضوه في أيام قليلة؛ وذلك أنه بات هناك ليلتين فأعجبه هواه فاختار بناه على هواه، وعند تمامه وتنظيمه بالفرض والزخارف جعل يتردد إلى المبيت به بعض الأحيان مع السراري والغلمان، كما يَتَنَقَّل ما قصر الجيزة وشبرا والأزبكية والقلعة وغيرها من سرايات أولاده وأصهاره، والملك لله الواحد القهار.
ومنها أن طايفة من الإفرنج الإنكليز قصدوا الاطلاع على الأهرام المشهورة الكاينة ببر الجيزة غربي الفسطاط؛ لأن طبيعتهم ورغبتهم الاطلاع على الأشيا المستغربات والفحص عن الجزئيات، وخصوصًا الآثار القديمة وعجايب البلدان والتصاوير والتماثيل التي في المغارات والبرابي بالناحية القبلية وغيرها، ويطوف منهم أشخاص في مطلق الأقاليم بقصد هذا الغرض، ويصرفون لذلك جملًا من المال في نفقاتهم ولوازمهم ومواجريهم.
حتى إنهم ذهبوا إلى أقصى الصعيد وأحضروا قطع أحجار عليها نقوش وأقلام وتصاوير ونواويس من رخام أبيض كان بداخلها موتى بأكفانها، وأجسامها باقية بسبب الأطلية والأدهان الحافظة لها من البلا، ووجه المقبور مصور على تمثال صورته التي كان عليها حال حياته، وتماثيل آدمية من الحجر السماقي الأسود المنقط الذي لا يعمل فيه الحديد، جالسين على كراسي واضعين أيديهم على الركب، وبيد كل واحد شبه مفتاح بين أصابعه اليسرى، والشخص مع كرسيه قطعة واحدة مفرغ معه أطول من قامة الرجل الطويل، وعلو رأسه نصف دايرة منه في علو الشبر، وهم شبه العبيد المشوهين الصورة وهم ستة على مثال واحد، كأنما أفرغوا في قالب واحد يحمل الواحد منهم الجملة من العتالين، وفيهم السابع من رخام أبيض جميل الصورة.
وأحضروا أيضًا رأس صنم كبير دفعوا في أجرة السفينة التي أحضروه فيها سته عشر كيسًا عنها تلتماية وعشرون ألف نصف فضة، وأرسلوها إلى بلادهم لتباع هناك بأضعاف ما صرفوه عليها، وذلك عندهم من جملة المتاجر في الأشيا الغريبة.
ولما سمعت بالصور المذكورة، فذهبت بصحبة ولدنا الشيخ مصطفى باكير المعروف بالساعاتي، وسيدي إبراهيم المهدي الإنكليزي إلى بيت قنصل بدرب البرابرة بالقرب من كوم الشيخ سلامة جهة الأزبكية، وشاهدت ذلك كما ذكرته وتعجبنا من صناعتهم وتشابههم وصقالة أبدانهم الباقية على ممر السنين والقرون التي لا يعلم قدرها إلا علام الغيوب، وأرادوا الاطلاع على أمر الأهرام وأذن لهم صاحب المملكة، فذهبوا إليها ونصبوا خيمة وأحضروا الفعلة والمساحي والغلقان، وعبروا إلى داخلها وأخرجوا منها أتربة كثيرة من زبل الوطواط وغيره، ونزلوا إلى الزلاقة ونقلوا منها ترابًا كثيرًا وزبلًا، فانتهوا إلى بيت مربع من الحجر المنحوت غير مسلوك، هذا ما بلغنا عنهم.
وحفروا حوالي الرأس العظيمة التي بالقرب من الأهرام التي تسميها الناس رأس أبي الهول، فظهر أنه جسم كامل عظيم من حجر واحد ممتد كأنه راقد على بطنه رافع رأسه، وهي التي يراها الناس، وباقي جسمه مغيب بما انهال عليه من الرمال، وساعِداه من مرفقيه ممتدان أمامه، وبينهما شبه صندوق مربع إلى استطالة من سماق أحمر عليه نقوش شبه قلم الطير، في داخله صورة سبع مجسم من حجر مدهون بدهان أحمر رابض باسط ذراعيه في مقدار الكلب، رفعوه أيضًا إلى بيت القنصل، ورأيته يوم ذاك، وقيس المرتفع من جسم أبي الهول من عند صدره إلى أعلى رأسه فكان اتنين وتلاتين ذراعًا، وهي نحو الربع من باقي جسمه، وأقاموا في هذا العمل نحوًا من أربعة أشهر.
وأما من مات في هذه السنة من المشاهير
فمات العالم العلامة الفاضل الفهامة صاحب التحقيقات الرايقة والتأليفات الفايقة شيخ شيوخ أهل العلم، وصدر صدور أهل الفهم، المتفنن في العلوم كلها نقليها وعقليها وأدبيها، إليه انتهت الرياسة في العلوم بالديار المصرية وباهتْ مصرُ ما سواها بتحقيقاته البهية، استنبط الفروع من الأصول، واستخراج نفايس الدرر من بحور المعقول والمنقول، وأودع الطروس فوايد وقلدها عوايد فرايد، الأستاذ الشيخ محمد بن محمد بن أحمد بن عبد القادر بن عبد العزيز بن محمد السنباوي المالكي الأزهري الشهير بالأمير، وهو لقب جده الأدنى أحمد، وسببه أن أحمد وأباه عبد القادر كان لهما إمرة بالصعيد، وأخبرني المترجم من لفظه أن أصلهم من المغرب، نزلوا بمصر عند سيدي عبد الوهاب أبي التخصيص، كما أخبر عن ذلك وثايق لهم، ثم التزموا بحصة بناحية سنبو، وارتحلوا إليها وقطنوا بها، وبها ولد المترجم.
وكان مولده في شهر ذي الحجة سنة أربع وخمسين وماية وألف بإخبار والديه، وارتحل معهما إلى مصر وهو ابن تسع سنين، وكان قد ختم القرآن فجوده على الشيخ المنير على طريقة الشاطيية والدرة، وحبب إليه طلب العلم، فأول ما حفظ متن الآجرومية، وسمع ساير الصحيح والشفا على سيدي علي بن العربي السقاط، وحضر دروس أعيان عصره، واجتهد في التحصيل ولازم دروس الشيخ الصعيدي في الفقه وغيره من كتب المعقول، وحضر على السيد البليدي شرح السعد على عقايد النسفي، والأربعين النووية، وسمع الموطأ على هلال المغربي وعالمه الشيخ محمد التاودي ابن سودة بالجامع الأزهر سنة وروده بقصد الحج.
ولازم المرحوم الوالد حسن الجبرتي سنين، وتلقى عنه الفقه الحنفي وغير ذلك من الفنون كالهيئة والهندسة والفلكيات والأوفاق والحكمة عنه، وبواسطة تلميذه الشيخ محمد بن إسماعيل النفراوي المالكي، وكتب له إجازة مثبتة في برنامج شيوخه.
وحضر الشيخ يوسف الحنفي في آداب البحث وبانت سعاد، وعلى الشيخ محمد الحنفي أخيه مجالس من الجامع الصغير والشمايل والنجم الغيطي في المولد، وعلى الشيخ أحمد الجوهري في شرح الجوهرة للشيخ عبد السلام، وسمع منه المسلسل بالأولية، وتلقى عنه طريق الشاذلية من سلسلة مولاي عبد الله الشريف، وشملته إجازة الشيخ الملوي وتلقى عنه مسايل في أواخر أيام انقطاعه بالمنزل.
ومهر وأنجب وتصدر لإلقا الدروس في حياة شيوخه، ونما أمره واشتُهر فضله خصوصًا بعد موت أشياخه، وشاع ذكره في الآفاق وخصوصًا بلاد المغرب، وتأتيه الصلات من سلطان المغرب، وتلك النواحي في كل عام، ووفد عليه الطالبون للأخذ عنه والتلقي منه، وتوجه في بعض المقتضيات إلى دار السلطنة، وألقى هناك دروسًا حضره فيها علماهم وشهدوا بفضله واستجازوه وأجازهم بما هو مجاز به من أشياخه.
وصنف عدة مولفات اشتُهرت بأيدي الطلبة، وهي غاية التحرير منها مصنف في فقه مذهبه سماه المجموع، حاذى به مختصر خليل، جمع فيه الراجح في المذهب وشرحه شرحًا نفيسًا، وقد صار كلٌّ منهما مقبولًا في أيام شيخه العدوي، حتى كان إذا توقف شيخه في موضع يقول: هاتوا مختصر الأمير، وهي منقبة شريفة، وشرح مختصر خليل، وحاشية على المغني لابن هشام، وحاشية على الشيخ عبد الباقي على المختصر، وحاشية على الشيخ عبد السلام على الجوهرة، وحاشية على شرح الشذور لابن هشام، وحاشية على الأزهرية، وحاشية على الشنشوري على الرحبية في الفرايض، وحواشي على المعراج، وحاشية على شرح الملوي على السمرقندية، ومولف سماه مطلع النيرين فيما يتعلق بالقدرتين، وإتحاف الأنس في الفرق بين اسم الجنس وعلم الجنس، ورفع التلبيس عما يسأل عنه ابن خميس، وثمر النمام في شرح آداب الفهم والإفهام، وحاشية على المجموع، وتفسير سورة القدر، ومن نظمه قوله متغزلًا:
وله في التشبيه:
وله أيضًا:
وله أيضًا:
وله أيضًا:
وله غير ذلك من النظم المليح والذوق الصحيح واللسان الفصيح.
وكان — رحمه الله — رقيق القلب لطيف المزاج ينزعج طبعه من غير انزعاج، يكاد الوهم يولمه، وسماع المنافر يوهنه ويسقمه، وبآخره ضعفت قواه وتراخت أعضاه وزاد شكواه ولم يزل يتعلل ويزداد أنينه ويتململ، والأمراض به تتسلسل، وداعي المنون عنه لا يتحول، إلى أن تُوُفِّيَ يوم الاتنين عاشر ذي القعدة الحرام، وكان له مشهد حافل جدًّا ودُفن بالصحرا بجوار مدفن الشيخ عبد الوهاب العفيفي بالقرب من عمارة السلطان قايتباي، وكثر عليه الأسف والحزن وخلف ولده العلامة النحرير الشيخ محمدًا الأمير، وهو الآن أحد الصدور كوالده يقرا الدروس ويفيد الطلبة، ويحضر الدواوين والمجالس العالية — بارك الله فيه.
ومات الشيخ الفقيه العلامة الشيخ خليل المدابغي، لكونه يسكن بحارة المدابغ، حضر دروس الأشياخ من الطبقة الأولى، وحصل الفقه والمعقول، واشتُهر فضله مع فقره وانجماعه عن الناس متقشفًا متواضعًا، ويكتسب من الكتابة بالأجرة، ولم يتجمل بالملابس ولا بزي الفقها، يظن الجاهل به أنه من جملة العوام، تُوُفِّيَ يوم الاتنين تامن عشر ذي القعدة من السنة.
ومات الشيخ الفقيه الورع الشيخ علي المعروف بأبي زكرى البولاقي لسكنه ببولاق، وكان ملازمًا لإقرا الدروس ببولاق، ويأتي إلى الجامع الأزهر في كل يوم يقرا الدروس ويفيد الطلبة، ويرجع إلى بولاق بعد الظهر، ومات حماره الذي كان يأتي عليه إلى الجامع الأزهر، فلم يتخلف عن عادته ويأتي ماشيًا ثم يعود مدة حتى أشفق عليه بعض المشفقين من أهالي بولاق واشتروا له حمارًا، ولم يزل على حالته وانكساره حتى تُوُفِّيَ يوم الخميس تامن شهر ذي القعدة من السنة، رحمه الله وإيانا وجمعنا في مستقر رحمته آمين.
ومات من أكابر الدولة المسمى ولي أفندي ويقال له ولي خوجا، وهو كاتب خزينة الباشا، وأنشأ الدار العظيمة التي بناحية باب اللوق، وأدخل فيها عدة بيوت ودورًا جليلة تجاهها وملاصقة لها من الجهتين، وبعضها مطل على البركة المعروفة ببركة أبي الشوارب، وتقدم من أخبار العام الماضي أن الباشا صاهره، وزوج ابنته لبعض أقارب الباشا الخصيصين به مثل الذي يقال له شريف أغا وآخر، وعمل له مهمًا عظيمًا احتفل فيه إلى الغاية وزفة وشنكًا، كل ذلك وهو متمرض إلى أن مات في تاني عشرين ربيع التاني، وضُبطت تركته فوُجد له كثير من النقود والجواهر والأمتعة وغير ذلك، فسبحان الحي الذي لا يموت.