في مكتبة الأوقاف
أنشدت في حفلة افتتاح مكتبة الأوقاف التي أنشأها معالي الشيخ أحمد الشيخ داود وزير الأوقاف سنة ١٩٢٨.
لقد جمع الشيخ هذي الكتبْ
فأنقذها من أكُفِّ العَطبْ
ورتَّبها فهْي معروضةٌ
لمن يتناولها من كثَب
وكانت لعمرُك رَهن الغبار
مكدَّسة في زوايا الشجَب
يمر بها الدهر مطمورة
تعاني الدمار وتدعو الحرَب١
نسيج العناكب من فوقها
ومن تحتها السوس فيها انسرَبْ
يعيث بها آكلًا طِرسها
كما تأكل النار جَزْلَ الحطب
وكانت على علم حرَّاسها
تحُفُّ الظنون بها والرِّيب
فمد إليها معالي الوزير
يَدًا دأبها الغوث عند الكرَب
فأخرج منها كنوز العلوم
لأهل الفنون وأهل الأدب
فها إنَّ أرواحَ من أوقفوا
مُرَفرفةٌ فوقها من طَرَب
كما أن أرواح من ألَّفوا
قد ابتسمت كالتماع الشهب
لقد رضيَ العلم عن فعله
وإن أخذ الجاهلين الغضب
فما بال قوم غدَوا يَصرخو
نَ صُراخًا به يقصدون الشغب؟!
يقولون: هذا خلاف لما
لدى الناس في وقفها من أرَب٢
فيا لَلعقول لهذا الغباء
ويا لَلفحول لهذا العجب!
أللسُّوس أوقفها الواقفو
ن، أم للعناكب، أم للتُّرب؟!
إلى كم نظَلُّ لأغراضنا
نعارض من دون أدنى سبب؟!
ونجمُدُ في غفلةٍ هكذا
ونمرح في لهونا واللعب
أرى هؤلاء ضعاف العقول
وإن قد نراهم غِلاظ الرقَب
تضيق عن الحق أرواحهم
وإن لبسوا واسعاتِ الجُبب
فهم يقطعون على المصلحين
طريق القيام بما قد وجب
فسِرْ في طريقك مُستعليًا
وخلِّ ضفادعهم تصطخب
فللشرِّ ما صخب الصاخبون
وللخير جمعك هذي الكتب
لقد صنتها من طروق البلى
وخلَّصتها من يد المستلب
وأعددتها لشفاء العقول
من الجهل وهو أشدُّ الوصَب٣
وما كنتَ في الرأي بالمستبدِّ
ولا كنت في الفعل بالمضطرب
وقد كان عزمك فيما أردت
يَفلُّ ظُبا المرهفات القُضب٤
فمن كان جذلانَ فليبتسمْ
ومن كان غضبان فلينتحب
١
تدعو الحرب: أي تنادي: وا حربا، والحرب: النقص
والهوان.
٢
من أرب: من قصد وغاية.
٣
الوصب: الألم.
٤
يفل: يكسر. والظبا: جمع ظبة وهي حد السيف. والمرهفات القضب:
هي السيوف المرققة الحادة.