قصر البحر
وقال وقد نزل في فندق قصر البحر في بيروت:
لعمرُك إن قصر البحر قصر
به يسلو مَواطنه الغريبُ
وتمتلئ العيون به ابتهاجًا
إذا نظرت وتنشرح القلوب
تروق الناظرين بجانبيه
مناظرُ دونها العجب العجيب
فمن شمس يصافحها طلوع
ومن شمس يعانقها غروب
ومن سُفن تجيءُ بها شمال
ومن سفن تروح بها جنوب
وأخرى حوله خمدت لظاها
وأخرى في الفؤاد بها لهيب
أطلَّ على المياه فقابلته
بوجهٍ لا يمازجه شحوب
يقبل جانبيه البحر حتى
كأن البحر مشغوف كئيب
أحاط به فكان له رقيبًا
ومَغناه الأنيق له حبيب
وما هذا التموُّج من هواه
ولكن من هوى فهو الوجيب
كأنَّ الموج في الدَّأمَا رجالٌ
وهذا القصر بينهم خطيب١
تخاطبهم مبانيه فيعلو
من الأمواج تصفيق مهيب
•••
تلمُّ به المسرات ازديارًا
فتعرفه وتجهله الكروب
وما انفردت به بيروت حسنًا
ولكن القصور بها ضروب
تبسمت البلاد بكل أرض
وما زال العراقُ به قَطوب
فها هو من تكاسل قاطنيه
تجرُّ عليه كلكلها الخطوب
إذا تدعو الرجالَ به لخيرٍ
يجيبك من تخاذلهم مجيب
فيا لهفي على بغداد أمست
من العمران ليس لها نصيب
سأبكي ثم أستبكي عليها
إذا نضبَت من العين الغروب٢
أيا بغداد لا جازتك سُحب
ولا حلت بساحتك الجُدوب
تطاول ساكنوك عليَّ ظلمًا
فضاق عليَّ مغناكِ الرحيب
وكم نطقوا بألسنةٍ حِدادٍ
يسيل لها من الأشداق حُوب٣
رماني القوم بالإلحاد جهلًا
وقالوا: عنده شك مُريب
ألا يا قوم سوف يجدُّ جِدِّي
وسوف يخيب منكم مَن يخيب
فمن ذا منكمُ قد شقَّ قلبي
وهل كُشفت لكم فيَّ الغيوب؟!
فعند الله لي معكم وقوف
إذا بلغت حَناجرَها القلوب
يقيني شرَّ فِرْيتكم يقيني
بأن الله مطَّلع رقيب
ولم تُخفر لكم عندي ذِمامٌ
ولكن عادة الريح الهبوبُ
١
الدأماء: البحر.
٢
الغروب: جمع غرب، وهو عرق في العين، أو جانب العين.
٣
الحوب: الإثم.