محاسن الطبيعة
إلى حضرة الفاضل ندرة بك المطران
البحرُ رهوٌ والسما صاحيه
والفخت في الليل شبيهُ السَّديم١
والبدرُ في طلعته الزاهيه
قد ضاحكَ البحر بثغر بسيمْ
•••
والصمت في الأنحاء قد خيما
فالليل لم يَسمع ولم يَنطقِ
والبدرُ في مَفرق هامِ السما
تحسبه التاجَ على المفرقِ
أغرق في أنواره الأنجما
وبعضها عامَ فلم يغرقِ
والبحر في جبهته الصافيه
قام طريق للسنا مستقيم
لم تخفَ في أثنائه خافيه
حتَّى ترى فيه اهتزازَ النسيم
وقفتُ والريح سرت سجسجا
وقفةَ مبهوتٍ على الساحلِ٢
أنظر ما فيه يحار الحجا
في الكون من عالٍ ومن سافلِ
يا منظرًا أضحك ثغرَ الدجى
ورد سحْبانَ إلى باقلِ٣
ما أنت إلا صحف عاليه
كم حار في حكمتها من حكيم!
إذا وعتها أذنٌ واعيه
فقد وعت خيرَ كتابٍ كريم
•••
وزان عَرض البحر ما قد بدا
من زورقٍ يجري بمجدافتينِ
عام بِذَوب الماسِ أو قد غدا
يسبح في لجة ذوب اللجينِ
في صامت الليل جرى مفردا
وبين جنبيه حوى عاشقينِ
من غادة في حسنها غانيه
تبسم عن لألاءِ دُرٍّ نظيم
ومن فتى أدمعه جاريه
قد صافح العشقَ بجسمٍ سقيم
قابلها والحب قد شفَّه
وقابلت طلعة بدر السما
وظل يرنو تارة خلفه
وتارة ينظرها مُغرما
ثم تدانى واضعًا كفه
في كفها يطلب أن يَلثما
وخرَّ من وجدٍ على الناصيه
وقلبه يركض ركض الظليم٤
وهي غدت من أجله جاثيه
واحتضنته كاحتضان الفطيم
•••
ثم رمى نظرة مُسترحمِ
في الكون عن طرفٍ له حائرِ
وقال قولَ الكلف المغرمِ
في حب ذات النظر الساحرِ:
أيتها الأرض قفي واسلمي
من أجل هذا المشهد الزاهرِ
حتى أرى ليلتنا باقيه
محفوفةً من وصلنا بالنعيم
فإنَّ هذي ليلة حاليه
تزهو ببدرين وطلق النسيم
•••
وأنت يا بدرُ اللطيف السنا
في الجو قِفْ وقفة غير الرقيبْ
ما أبهج النور وما أحسنا
إذا دنا منك لوجه الحبيبْ!
كأنه «ندرة» لما دنا
نحو المعالي يبتغيها النصيبْ
فحاز منها جملة وافيه
ما حازها من أحد من قديم
وصار يُدعى الرجل الداهيه
في الفكر والمجد وخلق عظيم
•••
يا آل مطران لكم «ندرةٌ»
وأكرم الناس هو النادرُ
لكن معاليكم لها كثرةٌ
يعجز أن يحصرها الحاصرُ
من أجلها أمست لكم شهرةٌ
عمَّ البرايا صيتها الطائرُ
حيث معاليكم غدت قاضيه
لكم على الناس بفضل عميم
فراية المجد لكم عاليه
و«ندرة» الشهمُ عليها زعيم
•••
يا من بَنى المجدَ فأعلى البنا
فكان أعلى الناس في مجده
اِقبلْ من العبد جميلَ الثنا
وإن يكن قصر عن حده
ومُرْه ثم أحكم به إن ونى
ما يحكم السيد في عبده
إذ أنت بالمنقبة الساميه
قد خصَّك الله العزيز العليم
فاهنأ ودم في عيشة راضيه
رغمَ المعادي وسرور الحميم
١
رهو: ساكن. والفخت: ضوء القمر. السديم: الرقيق من
الضباب.
٢
الريح السجسج: المعتدلة اللطيفة.
٣
سحبان: خطيب يضرب به المثل في الفصاحة، وباقل: يضرب به المثل
في العِي.
٤
الظليم: الذكر من النعام.