حول البسفور
خليليَّ قوما بي لنشهد لِلرُّبا
بجانبَيِ البسفور مشهدَ أسرارِ
أجِيلا معي الأفكار فيها فإنها
مجالُ عقول للأنام وأفكار
خليليَّ إن العيش في ماء شرشر
إذا الشمس تستعلي وفي ماء خنكار١
سفوحُ جبال بعضها فوق بعضها
مكلَّلة حافاتهن بأشجار
يروق بجنبيها خريرُ مياهها
ويُشْجي بقطريها ترنُّم أطيار
ويجري النسيم الرطب فيها كأنه
تبختر بيضاء الترائب معطار
معاهد زُرْها في الهواجر تلقها
موشحة فيها برقَّة أسحَار
نزلنا بها والشمس من فوقُ أرسلت
على منحنى الوادي ذوائبَ أنوار
وقد ظلَّ من بين الغصون شعاعها
يوقِّع دينارًا لنا جنب دينار
كأنَّ التفافَ الدوح والنور بينها
جيوبٌ من الأنوار زرَّت بأزرار
تميل إذا هبَّ النسيم غصونها
فتأتي بظل في الجوانب موَّار٢
ترانا إذا ما الطير في الدوح غردت
نميل بأسماع إليها وأبصار
رياض تنسَّمنا بها الريح ضحوة
فنمَّتْ لنا من طيبهن بأسرار
يلوح بها ثغر الطبيعة باسمًا
فيفترُّ منها عن منابت أزهار
مشاهد في تلك الرُّبا ومناظر
تجلَّت على أطرافها قدرة الباري
١
شرشر وخنكار: موضعان بالقرب من البسفور.
٢
الموار: المضطرب المتحرك.