تأثير التربية
قالها في بيروت بعد أن شاهد مسرح الحيوانات.
إليك ما شاهدت عيني من العجب
في مسرح ماجَ بين الجِدِّ واللعبِ
خافوا به أن تقوم الأسدُ واثبةً
حتى بَنوا حاجزًا فيه من الخشب
وحصَّنوه من الأعلى بمشتبكٍ
من الحبال جديد غير منقضب
به الأسود تمطى في مرابضها
والنمر يخطر بين الخوف والغضب
والذئب يبصر جَدْيَ المعز مقتربًا
منه فيرجع عنه غيرَ مقترب
أما الكلاب فجاءت وهي كاسية
يرقصن منتصبًا في إثر منتصب
قامت على أرجلٍ تمشي معلَّمة
مَشْيَ المليحة في أبرادها القشب١
تخشى مؤدبها والصولجانُ له
في الكف فرقعة كالرعد في السحب
ترنو إليه بعين الخوف فاعلة
ما كان يُصدِر من أمر ومن طلب
خضعن للسوط حتى إنَّ أعقدَها
لو يأمر السوطُ يغدو مرسلَ الذنَب
وكانت الأسد تجري في إطاعتها
مجرى الكلاب بحكم الخوف والرهَب
كأنما الليثُ لم يُخْلَقْ أخا ظُفُر
محدَّد الناب قذَّافًا إلى العَطب
شاهدته مشهدًا بدْعًا علمتُ به
أنَّ الغرائز لم تطبع على الشغب
وأنَّ خُبثَ البرايا في طبائعها
لا بد فيه سوى الأطباع من سبب
وأنَّ ليث الشرى ما صِيغ مفترسًا
لكن أحالته فرَّاسًا يدُ السغب٢
وكم من الناس مَن قد راح مندفعًا
بدافع الجوع نحو القتل والسلب
وأن تربية الإنسان يُرجعه
إكسيرها وهو من ترب إلى الذهب
هذا إذا حَسُنتْ أما إذا قبحت
فالمَندليُّ بها يمسي من الحطب٣
فكل ما هو في الإنسان مكتسب
فلا تقل: فيه شئ غير مكتسب
إني أرى أسوأ الآباء تربية
لِلابن أحرى بأن يُدعى أعقَّ أب
والمرء كالنَّبت ينمو حَسْب تربته
وليس ينبت نبعٌ مَنبِتَ الغرَب٤
من عاش في الوسط الزاكي زكا خُلقًا
حتى علا في المعالي أرفعَ الرتب
فاحرص على أدبٍ تحيا النفوس به
فإنما قيمة الإنسان بالأدب
١
القشب: جمع قشيب، وهو الجديد.
٢
السغب: الجوع.
٣
المندلي: عود يتبخر به ينسب إلى المندل من بلاد
الهند.
٤
النبع: شجر صلب تتخذ منه السهام والقسي. والغرب: شجر تتخذ
منه الأقداح.