في سبيل الوطنية
كتب إليه صديقه فخري البارودي وهو إذ ذاك في بيروت، يخبره بأنه ألف في دمشق شركة للمنسوجات الوطنية، ويطلب إليه أن يكتب فيها قصيدة يدعو بها القوم إلى مؤازرتها والانضمام إليها، فكتب القصيدة الآتية وأرسلها إليه في دمشق.
مَنْ كان في المجد المؤثَّل راغبًا
فليطلبنْه بهمة البارودي
فخري الذي ابتكر المفاخر واغتدى
منهنَّ مفتخرًا بكل جديد
وأبى سوى غُرِّ المساعي إذ سعى
متشبِّثًا منها بكل مفيدِ١
وبنى له بدمشق مجدًا طارفًا
من بعد مجد في دمشق تليد٢
إن كان محمود الفعال فإنه
ورث المكارم عن أبٍ محمود
نفع البلاد بماله وبسعيه
وبحسن رأي في الأمور سديد
ورأى الشَّتات بها فقام موحدًا
فيها المساعي أيَّما توحيد٣
ودعا الرجال بها فألَّف شِركةً
ترمي إلى غرض أغر حميد
تغني البلاد بسعيها عن غيرها
وتعيد عهد ثرائها المفقودِ
وتقوم بالعمل المفيد لأهلها
من نسج أرديةٍ لهم وبُرود
حتى تكون عن الأجانب في غنًى
وتعيش غيرَ أسيرة التقليد
أوَما ترى أهلَ البلاد تقيدوا
للغرب من حاجاتهم بقيود؟
العربُ يكسوهم ملابس هم بها
يعرون من مال لهم ونقود
وتراه يسلخهم بمصنوعاته
سلخَ الشياه فهم بغير جلود
هذي سفائنهم تروح وتغتدي
ببضائعٍ لم تحصَ بالتعديد
فكأنما هي لامتصاص دمائنا
بعض المحاجم أو كبعض الدودِ٤
حتى متى نشقى ليسعد غيرنا
وتذلَّل القربى لعزِّ بعيد؟!
ويجانب الوطني من أشيائنا
ولوَ انَّه من أحسن الموجود؟!
إن البلاد لتشتكي من أهلها
وتقول قول الرازح المجهود:٥
يا سادة الأوطان لستم سادة
ما عشتم من فقركم كعبيد
أفَسيِّدٌ مَنْ عاش وهو لغيره
في حاجةٍ؟! بل ذاك عيش مسودِ
إن السيادة تستدير مع الغنى
في حالتيْ عدمٍ له ووجود٦
لا يستقلُّ بسيفه الشعب الذي
لا يستقلُّ بنقده المنقودِ٧
مَنْ كان محلول العرى في ماله
وجب انحلال لوائه المعقود
يا قومنا أنتم كغارس كرمة
وسواه منها قاطف العنقود
كم تزرعون بأرضكم ولغيركم
مما زرعتم حبُّ كل حصيد!
فتبصَّروا يا قوم في أحوالكم
وتنبَّهوا من غفلة ورقود
مَنْ شاء منكم أَن يُعزَّ بلادهُ
فليسعَ سعي معزِّها البارودي
١
غر المساعي: جمع أغر، وهو الذي في وجهه بياض.
٢
الطارف والطريف: المكتسب الحديث، والتالد والتليد: الموروث
القديم.
٣
الشتات: التفرق.
٤
المحاجم: جمع محجم، وهو كأس صغير يسحب به الدم من الإنسان.
والدود: هو العلق الأسود، يستعمل كالمحجم لامتصاص بعض الدم من
الجسم.
٥
الرازح المجهود: هو الذي لحقه الإعياء من حمل ثقيل.
٦
يريد أن المرء لا يوصف بأنه سيد إلا إذا استغنى عن غيره،
فأما إذا احتاج إلى غيره فهو عبد له، وقد قيل: «استغنِ عمن شئت
تكن أميره، واحتجْ إلى مَنْ شئت تكن أسيره.»
٧
يريد أن الاستقلال الاقتصادي للبلاد ينبغي أن يقدم على
الاستقلال السياسي.