العلم والإجازة فيه١
إنَّ مَنْ حاز في العلوم إجازهْ
لجديرٌ برتبة ممتازهْ
وخليقٌ بعيشةٍ مرتضاة
وافتخارٍ بفضل ما قد حازه
إنما هذه الإجازة صَكٌّ
بيد المرء ضامنٌ إعزازه
وهي تعويذةٌ له من عيونٍ
بالمساوي همَّازةٍ غمَّازه
فهنيئًا لِمَنْ أُجيز وشكرًا
للذي في علومه قد أجازه
•••
معهدُ العلم وهو حِرْزٌ يفوق الـ
أبلقَ الفردَ منعةً وحرازه٢
تلجأ الناس في الحياة إليه
هَربًا من جهالة وخَّازه
حبذا العلمُ يكسبُ المرءَ عزًّا
ويقيه في عيشه إعوازه
في نفوس الذين لم يُرزَقوه
حسرات وفي القلوب حَزازه
إنما العلم من معاجز عيسى
كم جهولٍ أحياه وهو جنازه!
صاحب العلمِ يركب المجد طِرفًا
جاعلًا غاية العلا مِهمازه٣
ويهز الدنيا رجاءً وخوفًا
بيدٍ من دراية هزازه
نحن سَفْرٌ وما الرواحل والزا
دُ سوى العلم، والحياة مَفازه٤
كلُّ مَنْ لم يُعدُّه لاجتيازٍ
لم تيسر بيد النجاح اجتيازه
إن عقل الفتى ليصبح بالعلـ
ـم رزينًا بكفِّ مَنْ قد رازه٥
والطباع العرجاء في كل شخص
تقتضي من ثقافة عُكازه
ألغز الدهر في الحقائق لكن
أفهم العلم أهله ألغازه
وإذا الأمر قد غشته الغواشي
ضمن العلم للورى إبرازه
•••
كان للعلم في القديم طريق
غير رحب يُشقُّ أن تجتازه
فجرى اليوم في طريقٍ جديد
جُعل الشك واليقينُ طرازه
هو صيد ولم يَعد يجعل المصـ
ـطادُ منه غير التجاريب بازه٦
قد عرفنا حقيقة القول فيه
وتركنا للغافلين مجازه
وبحثنا عن جوهر الحق فيه
فبلغنا دفينه وركازه٧
بَلْهَ إطناب شرحه بقياس
إنَّ في تجرباته إيجازه٨
هو في الناس قدره متعالٍ
لم يطلْ صرحُ إيفلٍ أنشازه٩
وإذا الْمُلْك لم يؤيِّده علم
فارتقب سلبه ورجِّ ابتزازه١٠
وإذا العلم فاه يومًا بوعدٍ
ذهب اليأس آملًا إنجازه١١
وإذا أنشط الجبان لحربٍ
صال يرغو حماسة وحمازه
قلَم المرء في بلوغ المعالي
فائق في وغى الحروب جُرازه١٢
صاحب العلم في الأمور أمير
قد غدا كل حادث جِلوازه١٣
يبصر الخطب من هواديه حتى
يلتهي فيه مبصرًا أعجازه١٤
فلهذا، نعم لهذا أهنِّي
كلَّ مَنْ حاز في العلوم إجازه
١
الإجازة: هي الشهادة التي تمنحها المدارس والمعاهد للطلاب الذين أتموا
دراستهم كلها أو بعضها وسميت بذلك؛ لأن شيوخ العلم من سلف المسلمين كانوا
يجيزون المنتهين من الطلاب برواية مروياتهم وقراءة مؤلفاتهم، لأنهم أصبحوا
أهلًا لذلك، وكان الطلاب يعتزون بشهادة أستاذيهم لهم، ويذكرونها في تراجمهم
وتواريخ حياتهم.
٢
الأبلق الفرد: حصن معروف للسَّموءل بن عادياء اليهودي بأرض
تيماء من بلاد العرب، قال فيه الشاعر:
هو الأبلق الفرد الذي سار ذكره
يعز على مَنْ رامه ويطول
٣
الطرف: الحصان الكريم. والمهماز: ما يحث به الفرس على
السير.
٤
مفازه: صحراء يهلك فيها السائر الذي لم يستعد لها.
٥
رازه: اختبره بيده ليعرف ثقله.
٦
شبه العلم بصيد، وجعل التجربة كالبازي، وهو الصقر الذي
يستعان به على الصيد.
٧
الركاز: المعادن المدفونة في الأرض.
٨
يقول: استعنا في عصرنا على تحقيق العلم بالتجربة الموجزة،
واستغنينا بها عن الشرح الطويل، والقياس المنطقي
النظري.
٩
صرح إيفل، أو برج إيفل: بناء عالٍ جدًّا في فرنسا. والأنشاز:
جمع نشز، وهو كل شيء مرتفع، ويقول: إن قدر العلم وشرفه عالٍ
جدًّا لا يساميه برج إيفل علوًّا.
١٠
يقول: إن الْمُلْكَ الذي لا يقوم على دعائم العلم لا يلبث أن
يضيع ويسلب.
١١
إذا وعد العلم بتحقيق غرض، فلا بد أن يناله، وإن ظنه الناس
مستحيلًا أو بعيدًا.
١٢
الجراز: السيف.
١٣
الجلواز: بمعنى الشرطي.
١٤
هواديه: أوائله ومقدماته.