يقولون
يقولون في الإسلام ظلمًا بأنه
يصدُّ ذويهِ عن طريق التقدُّمِ!
فإن كان ذا حقًّا فكيفَ تقدمت
أوائله في عهدها المتقدِّمِ؟!
وإن كان ذنبَ المسلم اليوم جهله
فماذا على الإسلام من جهل مسلمِ؟
هل العلم في الإسلام إلا فريضةٌ
وهل أمَّة سادت بغير التعلُّمِ
لقد أيقظ الإسلام للمجد والعُلا
بصائرَ أقوام عن المجد نُوَّم
وحُلَّتْ له الأيام عند قيامه
حُباها وأبدت منظر المتبسِّم١
فأشرق نور العلم من حَجَراتهِ
على وجه عصرٍ بالجهالة مظلم٢
ودكَّ حصون الجاهلية بالهدَى
وقوَّض أطناب الضلال المخيم
وأنشط بالعلم العزائم وابتنى
لأهليه مجدًا ليس بالمتهدِّم
وأطلق أذهان الورى من قيودها
فطارت بأفكارٍ على المجد حُوَّم
وفك إِسار القوم حتى تحفزوا
نهوضًا إلى العلياء من كل مَجثم
فخلَّوا طريقًا للبداوة مَجْهلًا
وساروا بنهج للحضارة معلم
فدوَّتْ بمستنِّ العلا نهضاتهم
كزعزع ريحٍ أو كتيار عَيْلم
وعمَّا قليل طبَّق الأرض حكمهم
بأسرعَ من رفع اليدين إلى الفم
وقد حاكت الأفكار عند اصطدامها
تلألؤَ بَرق العارض المتهزمِ
ولاحت تباشير الحقائق فانجلت
بها عن بَني الدنيا شكوك التوهُّم
وما ترك الإسلامُ للمرء ميزةً
على مثلهِ ممن لآدم ينتمي
فليس لمثرٍ نقصُه حقَّ مُعدِم
ولا عربَيٍّ بعضُهُ فضلَ أعجم
ولا فخر للإنسان إلا بسعْيهِ
ولا فضل إلا بالتُّقى والتكرُّم
وليس التُّقى في الدين مقصورة على
صلاة مُصلٍّ أو على صوم صُيَّم
ولكنها ترك القبيح وفعل ما
يؤدي من الحسنى إلى نيل مَغنم
فتقوى الفتى مسعاه في طلب العلا
وما خصت التقوى بترك المحرَّم
فهل مثل هذا الأمر يا لأُولي النهى
يكون عثارًا في طريق التقدُّم
وإن لم يكن هذا إلى المجد سُلَّمًا
فأيُّ ارتقاء بعدُ أم أيُّ سُلَّم!
ألا قلْ لِمَنْ جاروا علينا بحكمهمْ:
رُوَيدًا فقد فارقتُمُ كل مَأثم
فلا تنكروا شمس الحقيقة إنَّها
لأظهر من هذا الحديث المرجَّم
عَلوْنا وكنتم سافلين فلم نكن
لِنُبدي إليكم جَفوةَ المتهكم
ولم نترك الحسنى أوانَ جِدالكمْ
وتلك لَعمرِي شِيمة المتحلِّم
فلما استدار الدهر بالأمر نحوكم
كشفتم لنا عن منظر متجهِّم
فلا تأمَنوا الأيام إنَّ صروفها
كما هي إذ أودتْ بعادٍ وجُرْهمِ
١
قوله حباها: جمع حبوة وهي ما يحتبي به الرجل من عمامة أو
ثوب.
٢
قوله: من حجراته بفتحتين: أي من نواحيه، جمع حَجْرة، وهي
الناحية.