في سبيل الوطن
إلى إخواننا المسيحيين
أما آن أن تُنسى من القوم أضغانُ
فيُبنى على أسِّ المؤاخاة بُنيانُ؟
أما آن أن يُرمَى التخاذل جانبًا
فتكسَبَ عزًّا بالتناصر أوطانُ؟
عَلامَ التعادي لاختلاف ديانةٍ؟!
وإنَّ التعادي في الديانة عُدْوان
وما ضرَّ لو كان التعاون ديننا
فتعْمُرَ بُلْدان وتأمنَ قُطَّان
إذا جمعتنا وحْدة وطنية
فماذا علينا أن تَعدَّد أديان؟!
إذا القومُ عمَّتهم أمورٌ ثلاثة:
لسان وأوطان وباللَّه إيمان
فأيُّ اعتقاد مانع من أخوَّةٍ
بها قال إنجيلٌ كما قال قرآن؟!
كتابان لم ينزلهما اللَّه ربُّنا
على رُسْله إلا ليسعد إنسان
فَمَنْ قام باسْم الدين يدعو مفرقًا
فدعواه في أصل الدِّيانةِ بهتانُ
أنشقى بأمر الدين وهو سعادة؟!
إذن فاتِّباع الدين يا قومُ خُسران
ولكنَّ جهلَ الجاهلين طحا بهم
إلى كل قول لم يؤيِّده برهان
فهاموا بتيهاءِ الأباطيل كالذي
تخبَّطَهُ من شدة المسِّ شيطان
•••
مَواطنكم يا قومُ أمٌّ كريمة
تَدُرُّ لكم منها مدى العمر ألبان
ففي حِضنها مَهد لكم ومَباءَةٌ
وفي قلبها عطف عليكم وتحنانُ١
فما بالكم لا تُحسنون وواجبٌ
على الابنِ للأمِّ الكريمة إحسانُ
أصبرًا وقد أمسى العدوُّ يُهينها؟!
أما فيكُمُ شهمٌ على الأم غَيْران؟!
أجلْ إنكم تأبى الحياةَ نفوسكم
إذا لم يكن فيها على المجد عُنوانُ
ألستم من القوم الذين عَلاؤهم
تقاعَسَ عنه الدهرُ وانحطَّ كيْوان؟٢
نمتكم إلى المجد المؤثل تغلبٌ
كما قد نمتكم للمكارم غسان
فلا تنكروا عهد الإخاء وقد أتت
تصافحكم فيه نِزار وعَدنانُ
أجِب أيها الندْب المسيحيُّ مُسلمًا
صفا لك منه اليومَ سرٌّ وإعلانُ
فلا تحرما الأوطانَ أن تتحالفا
يدًا بيد حتى تُؤَكد أيْمانُ
ألا فانهضا نحو العِدا وكلاكما
لصاحبه في المأزق الضَّنْكِ معوان
وقولا لِمَنْ قد لام: صَهْ وَيْكَ إننا
على كل حال في المواطن إخوان
•••
فَمَنْ مُبلغُ الأعداءِ أن بلادنا
مآسد لم يطرُق ذَراهن سِرحان٣
وإنَّا إذا ما الشرُّ أبدى نيوبَهُ
رددناهُ عنا بالظُبا وهو خَزْيان
سنستصرخ الآساد من كل مَرْبِضٍ
فتمشي إلى الهيجاءِ شِيب وشُبَّان
أسود وغًى تأبى الحياة ذميمةً
وتلبس بالعزِّ الرَّدَى وهو أكفان
مقَاحيم تَصْلَى الْمَعمعان مُشيحةً
إذا احتدمتْ في حَومة الحرب نيران٤
وتكسو العراء الرَّحبَ مِسح عَجاجة
يمُجُّ بها السيفُ الردَى وهو عُريان٥
سننهض للمجد المخلِّدِ نهضةً
يقرُّ بها حَوران عينًا ولُبنان
وتعتز من أرض الشآم دِمشقها
وتهتز من أرض العراقين بَغْدان
وتطرب في البيت المقدَّس صخرة
وترتاح في البيت المحرَّم أركان
وتحسُنُ للعُرب الكرام عواقب
فيَحمدها مُفْتٍ ويشكر مطران
ولو أنصفتنا ساسة الغرب لاغتدت
دِمَشقُ لها من ساسة الغرب أعوان
ورقَّت قلوب للعراق وأَهله
وأصغت إلى شكوى فلسطين آذان
ولكنهم رانت عليهم مطامع
فأمسَوا وهم صُمٌّ عن الحق عُميان
لقد قيل: إن الغرب ذو مَدَنيَّة
فقلت: وهل معنى التمدُّن عدوان؟
وأيُّ فَخار كائن في تمدُّن
إذا لم يقم في الغرب للعدل ميزان
إذا كانت الأخلاق غير شريفة
فماذا عسى تجدي علومٌ وعِرفان؟
•••
بنفسيَ أفدي في العراق مَنابتًا
يفوحُ بها شيحٌ ويَعْبَق حَوْذان٦
رياضٌ رعتها النائبات بأذؤبٍ
من الجور فارتاعت ظباء وغزلان
لقد كان فيها الرند والبان زاهيًا
فأصبح لا رَنْدٌ هناك ولا بان
وأصبح مرصودًا بها كلُّ منهل
عليه من الترنيق بالظلم ثعبان٧
وظل ابنها عن كل حوضٍ مُحَلأً
يحوم على سَلساله وهو عطشان٨
سأبكي عليها كلما هبَّت الصَّبا
فمالت بها من حول دجلة أغصان
ومن ذرَفت آماقُه الدمعَ لؤلؤًا
ذرفتُ عليها أدمعي وهيَ مَرْجان
١
المباءة: المنزل.
٢
كيوان: زحل بالفارسية، معرب.
٣
مآسد: جمع مأسدة، وهي المكان الذي تكثر فيه الأسود. والذرا
بفتح الذال: فناء الدار ونواحيها. والسرحان بالكسر:
الذئب.
٤
مشيحة: جادة مانعة لما وراء ظهرها.
٥
المسح بالكسر: الكساء من شعر، وإضافته إلى عجاجة بيانية، أي:
مسحًا عن عجاجة.
٦
الشيح: نبات طيب الرائحة، وكذا الحوذان.
٧
الترنيق: التكدير.
٨
محلأً: أي مطرودًا ممنوعًا عن ورود الماء.