الشارع الكبير ببغداد
نَكِّبِ الشارع الكبير ببغدا
دَ ولا تمْشِ فيه إلا اضطرارا
شارعٌ إن ركبتَ مَتْنَيْهِ يومًا
تَلقَ فيهِ السهول والأوعارا
تترامى سنابك الخيل فيه
إن تقحَّمن وَعْثه والخبارا
فهْي تحثو التراب فيه على الأو
جهِ حَثوًا وتقذف الأحجارا
لو ركبتَ البُراقَ فيه أو البَرْ
قَ نهارًا لما أمنت العشارا
تحسب العابرين فيه سُكارى
من هواء تنسَّموهُ غبارا
ساطعًا يملأ الفضا مستطيرًا
حاملًا في ذراته الأقذارا
مستجيشًا من الجراثيم جيشًا
مسبطرًّا عرمرمًا جرارا١
هو إن رُشَّ جاش وَحْلًا وإلَّا
جاشَ نقعًا على الوجوه مُثارا
تصهَرُ الشَّمس فيه أدمغة القو
م إذا هم تخبَّطوه نهارا
وإذا ما مشيت في جانبيهِ
فتجنَّبْ رصيفه المنهارا
وإذا ما أرسلت فيه إلى الأطـ
ـراف لحظًا أنكرته إنكارا
لا ترى فيه ما يسرُّك بالصنـ
ـعة حُسنًا ويبهج الأبصارا
بل ترى العين فيه كلَّ جدار
تكره العين أن تراه جدارا
فجدارٌ عالٍ وفي الجنب منه
متدانٍ تقيسه أشبارا
ودكاكينُ كالأفاحيص تمتـ
ـدُّ يمينًا بطوله ويَسارا
أين هذا من الشوارع في الأمصـ
ـار زانت بحسنها الأمصارا؟!
عبَّدوها ومهَّدوها فجاءت
لا اعوجاجًا بها ولا إزورارا
وأعدُّوا بهنَّ كل رصيف
يَحمَد السيرَ فوقه من سارا
وأقاموا لهم بها كلَّ صرح
مشمخرٍّ بناؤه اشمخرارا
فعلى الجانبين كل بناء
خِيلَ في الحسن كوكبًا قد أنارا
ثم لم يكتَفوا بذلك حتى
غرسوا في ضِفافها الأشجارا
فوَقَتْهم ظلالُها وهَج الشمـ
ـس وسرَّ اخضرارها الأنظارا
هكذا فلتكن شوارعنا اليو
مَ وإلا فما عمرنا الدِّيارا
١
مسبطرًّا: من اسبطر؛ أي امتد.