على الخوان
أكبَّ على الخوان وكان خِفًّا
فلما قام أثقله القيام١
ووالى بينها لُقمًا ضخامًا
فما مرئت له اللُّقم الضخام٢
وعاجل بَلْعَهنَّ بغير مَضْغٍ
فهن بفيهِ وضع فالتهام
فضاقت بطنه شِبَعًا وشالت
إلى أَن كاد ينقطع الحزام
فأرسلتُ اللحاظ إليه شَزْرًا
وقلت له: رويدك يا غلام!
أرَى اللقمات تأخذها حلالًا
فتدخل فاك وهي به حرام
قد انتضَدَت بجوفك مفرداتٌ
تخلَّل بينها الداءُ العُقام
أتزدرد الطعامَ بغير مضغٍ؟!
على أيام صحتك السلام
فلا تأكل طعامك بازدرادٍ
معاجلةً فيأكلَك الطعام
ألا إنَّ الطعام دواءُ داءٍ
به ابتليت من القِدَم الأنام
فداوِ سَقامَ جوعك عن كفافٍ
فإكثار الدواء هو السَّقام
وما أكل المطاعم لالتذاذٍ
ولكن للحياة بها دوام
طعام الناس أعجب ما أحبوا
فمنه حياتهم وبه الحِمام
يقودهمُ الزمان إلى المنايا
وما غير الطعام لهم زمام
وأعجب منه أَن الناس راموا
تنوُّعه ألا بئس المَرام!
إذا استعصى القَفار عليك أكْلًا
كفاك من القَراح له إدام٣
حَذَارِ حَذَارِ من جَشعٍ فإني
رأيت الناس أجشعها اللئام!
وأغبى العالمين فتًى أكولٌ
لفطنته ببطنته انهزام
ولو أني استطعت صيام دهري
لصمت فكان ديداني الصيام
ولكن لا أصوم صيام قومٍ
تكاثر في فُطورهمُ الطعام
فإن وضح النهار طوَوْا جياعًا
وقد نهموا إذا اختلط الظلام
وقالوا: يا نهار لئن تُجِعْنا
فإنَّ اللَّيلَ منك لنا انتقام
وناموا مُتخمين على امتلاءٍ
وقد يتجشَّئونَ وهم نيام
فقل للصائمين أداءَ فرضٍ:
ألا ما هكذا فُرض الصيام!
١
أكبَّ عليه: أقبل عليه ولزمه. وكان خفًا بالكسر: أي
خفيفًا.
٢
والى بينها: أي تابع بين اللقم. فما مرئت له: أي ما ساغت
المغبة. لقمًا: تمييز للضمير المضاف إليه في قوله
بينها.
٣
القفار بالفتح: صفة لمحذوف؛ أي الخبز القفار، ويقال: خبز
قفار: أي غير مأدوم. والقراح بالفتح: الماء الخالص.