إلى المتعلم
أَخْصِ في العلم إن أردت كمالا
ووصولًا إلى الفخار الأتمِّ١
وإذا رُمتَ في التعُّلم حِذقًا
فاترك النفس والذي هي ترمي
واجتنب قسرها على ما أبته
إن قسر الطباع أكبر ظلم
إنما الميل في الغرائز تيَّا
ر ومن ذا يردُّ تيار يَمِّ
أطعم العقل ما اشتهاه من العلـ
ـم وإلا استقأت من سوءِ هَضم
ليس في أرؤسِ الرجال دماغٌ
هاضم في ذكائه كل علم
فمن النقص أن تحاول أن تضـ
ـرب في كلِّ ذي العلوم بسهم
حسن فهم الأخصِّ أكثر نفعًا
لذويه من قبح فهم الأعمِّ
وبُغاة العلوم مثل رماة الصـ
ـيد فاعلم وليس مُنمِ كمُصْمي٢
وإذا ما اشتغلتَ بالجد ساعا
تٍ فهازل سُويعة واستجمِّ
وترفَّق إذا جُهدْتَ فإن الر
فقَ يُذكي الفؤاد والعنف يُعمي
ولقد يبلغ العجول مداه
بالتأني بلوغ خَضمٍ بِقَضْم٣
كل مَنْ كانت العلوم لديه
جمّةً كان نفعه غيرَ جَمِّ
أيُّ فضلٍ لعالم غير بدْعٍ
ليس في العلم يُرتجى للْمُهمِّ؟!
سار شوطًا لكلِّ علم ولكن
لم يَنَل فيه غاية المستَتمِّ
هَبْه أبدى من العلوم نجومًا
في ليالٍ من المشاكل دُهْم
أوَلَيس البدرُ التمام وإن كا
ن وحيدًا يربو على ألف نجم؟!
كن قويًّا في كل ما تدَّعيه
إنما الفوز للقويِّ الْمُلِمِّ
أيها العاجزُ الضعيفُ رُوَيدًا
أَقْرَنُ الضأن فاتِكٌ بالأجمِّ٤
١
قوله أخص: فعل أمر من أخصى طالب العلم، إذا تعلم علمًا
واحدًا.
٢
قوله: «وليس منم كمصمي»، المنمي: اسم فاعل، من قولهم: أنمى
الصياد الصيد؛ إذا رماه فأصابه ولم يقتله، ثم ذهب عنه فمات،
والمصمي: اسم فاعل من قولهم: أصمى الصيد؛ إذا رماه فقتله مكانه
وهو يراه، والمعنى أن طالب العلم كرامي الصيد، فإذا أخصى في
العلم وأتقنه كل الإتقان، كان كالمصمي الذي ينتفع
بصيده.
٣
المراد بالخضم هنا: الأكل ملء الفم. والقضم: الأكل بأطراف
الأسنان قليلًا قليلًا، وقد ضمن هذا البيت المثل وهو قولهم:
«قد يبلغ المخضم بالقضم»؛ أي الشبعة تبلغ بالأكل بأطراف الفم،
أي الغاية البعيدة تدرك بالرفق.
٤
الأقرن من الضأن: الذي له قرنان. والأجم: الذي لا قرن له،
والمعنى أن القوي فاتك بالضعيف لا محالة.