رقية الصريع
يا عدل طال الانتظار فعجِّلِ
يا عدل ضاق الصبر عنك فأقبلِ
يا عدل ليس على سواك مُعَوَّلٌ
هلَّا عطفت على الصريخ المعْولِ!
كيف القرار على أمورِ حكومة
حادت بهنَّ عن الطريق الأمثلِ
في الملك تفعل من فظائع جَوْرها
ما لم تقل، وتقول ما لم تفعل
ملأت قراطيسَ الزمان كتابةً
للعدل وهي بحكمها لم تعدلِ
أضحتْ مناصبها تُباع وتشترَى
فغدت تُفَوَّض للغنيِّ الأجْهلِ
تَعطى مؤجلة لِمَنْ يبتاعها
ومتى انقضى الأجل المسمَّى يُعزلِ
فيروح يشري ثانيًا وبما ارتشى
قد عاد من أهل الثراءِ الأجزلِ
فيظلَّ في دار الخلافة راشيًا
حتى يعود بمنصِب كالأوَّلِ
سوق تباع بها المراتب سميت
دار الخلافة عند مَنْ لم يعقلِ
أبت السياسة أن تدوم حكومة
خصت برأي مقدَّسٍ لم يسألِ
مَثَل الحكومة تستبدُّ بحكمها
مَثَل البناء على نقًا متهيِّلِ١
يا أمةً رقدت فطال رُقادها
هبِّي وفي أمر الملوك تأمَّلي
أيكون ظل اللَّه تارك حكمه الـ
ـمنصوص في آي الكتاب المنزل؟
أم هل يكون خليفة لرسوله
مَنْ حاد عن هدي النبيِّ المرسل؟!
كم جاء من مَلكِ دهاكِ بجوره
ولواك عن قصد السبيل الأفضل!٢
يقضي هواه بما يسومك في الورى
خسفًا وينقِم منك إن لم تقبلي
ويروم صبرك وهو يسقيك الردى
ويريد شكرك وهو لم يتفضَّل
وقد استكنْت له وأنت مُهانة
حتى صبرتِ لفتكه المستأصل
بات السعيدَ وبتِّ فيه شقيَّةً
تُستخدمين لغيِّه المسترسِل
تلك الحماقة لا حماقة مثلها
حُمقًا فهل هو من صحيح تعقُّل
إن الحكومة وهي جمهورية
كشفَتْ عماية قلب كلِّ مُضلِّل
سارت إلى نجح العباد بسيرة
أبدت لهم حُمق الزمان الأول
فسموا إلى أوج العلاءِ ونحن لم
نبرحْ نسوخُ إلى الحضيض الأسفل٣
حتى استقلوا كالكواكب فوقنا
تجلو الظلامَ بنورها المتهلل
وعَلوا بحيث إذا شَخصنا نحوهم
من تحتهم ضحكوا علينا من علِ
لبِسوا ثياب فخارهم مَوشية
بالعزِّ وهي من الطراز الأكمل
نالوا وصال مُنى النفوس وإنها
حرية العيش الرغيد المُخضل٤
حتى أقيم مجسَّمًا تمثالُها
بين الشعوب على بناءٍ هَيكل
تمثال ناعمة الشمائل وجهها
تزداد نورًا منه عينُ المجتلي
أفبعد هذا يا سَراة مواطني
نرضى ونقنع بالمعاش الأرذل؟!
الغوث من هذا الجمود فإنه
تاللَّه أهونُ منه صُمُّ الجندل٥
قد أبحرت شمُّ الجبال وأجبلت
لجج البحار ونحن لم نتبدل
ما ضرَّكم لو تسمعون لناصحٍ
لم يأتِ من نسج الكلام بهلهل٦
حتَّام نبقى لُعبة لحكومة
دامت تجرِّعنا نقيع الحنظل؟!
تنحو بنا طرق البوار تحيُّفًا
وتسومنا سوءَ العذاب الأهول
هذا ونحن مُجَدَّلون تجاهها
كالفأر مرتعدًا تجاه الخَيطل٧
ما بالنا منها نخاف القتل إن
قمنا! أما سنموت إن لم نُقتل؟!
يا عاذلًا فيما نفثتَ من الرُقى
وعزمت فيه على الصريع المهمَل
انظر لصرعة من رَقيت وطولها
فإذا نظرت فعند ذلك فاعذُلِ
١
نقًا: القطعة من الرمل. متهيل: متصبب.
٢
لواك: صرفك. قصد السبيل: أي السبيل المستقيمة.
٣
نسوخ: نغوص.
٤
المخضل: الندي.
٥
الجندل: الحجارة، مفردها: جندلة.
٦
الهلهل: الثوب الرديء النسج.
٧
مجدلون: مطرحون أرضًا. الخيطل: السنور، ويطلق على الكلب
أيضًا.