مناجاة وشكوى
أقول لربِّ الشعر مَهدي الجواهر:
إلى كم تناغي بالقوافي السواحر؟
فترسلَها غُرًّا هواتفَ بالعُلا
يُزَوَّدُ منها سمعَه كلُّ شاعر
وتشدو بها والقومُ صُمٌّ عن العلا
فلم تَلقَ إلا غير وَاعٍ وذاكر
أترجو من الحسَّاد عَونًا وناصرًا
فتدعوَ منهم خاذلًا غيرَ ناصر
كأنك لم تبصرْ سوادَ قلوبهمْ
فهل أنت مغرور ببيض المسَافِر؟
روَيْدَك! إن القوم ليسوا كما ترى
لدى كل ذي علم بما في السرائر
فلا تغتررْ منهم ببادٍ فإنما
ظواهرهم منقوضة بالضمائر
رمتهم يدُ الأيام من جشع بهم
ومن بطرٍ فيهم بداءِ الضرائر
بداءين قتَّالين حمَّت نفوسهم
فساد السجايا وانمساخ العناصر
وقد فَرَّقتْ أهواءهُمْ في بلادهم
أنانيَّة حَلَّتْ عقود الأواصر
لذاك ترى كُلًّا يعيش لنفسه
على عكس عيشٍ عند أهل الحواضر
إذا جئتهم أبدوا إليك بشاشة
وحسنَ ابتسام من ثغورٍ مواكر
وإن غِبتَ عنهم أوسعوك مَذَمَّةً
كأنْ لَمْ يَبُثُّوا منك قِيلًا لزائر
وقد ينكرون العار فيهم تجاهلًا
فيَلْقونهم بالمنظَر المتخازر
فدَعْهُمْ وما هم فيه من جاهليةٍ
يَدجُّون منها في الدَّياجي الكوافر
فسوف تراهم من تمادي ضلالهم
يعودون في العقبى بصفقة خاسر
ونزِّه بليغ الشعر عنهم بتركه
لكل كذوب بينهم متشاعر
سكبتُ بحورَ الشعر قبلك خائضًا
لعمرُك منها كلَّ طامٍ وزاخر
وسَيَّرتُ من غُرٍّ القوافي بلجِّها
قصائدَ سارت كالسفين المواخر
بكيت بها المجدَ المضاعَ بأدمعٍ
من الشعر شرْوَى اللؤلؤ المتناثر
ونحتُ على الماضي الذي كان زاهرًا
مناحة رَبَّات الحِجال الحرائر
فلم أُلفِ إلَّا مُنكرين مكانتي
يَحيدون عنِّي كالوحوش النوافر
كما راعني منهم تماسيحُ خِسَّةٍ
تريد ازدرادي بالحلوق الفواغر
فقابلتهمْ بالصفح عنهم ترفُّعًا
وأعرضت عن شتم السَّفيه المُهاتِر
أنا النوم من هذي الحياة على شَفا
أشارف منه مَرْقدي في المقابر
سأرحل عنهم عائذًا من شرورهم
بربٍّ كريم قابِل التَّوْب غافر