ما وراء القبر
متى تطلق الأيام حرِّية الفكرِ
فينشطَ فيها العقل من عُقْلة الأسر١
ويصدعَ كلٌّ بالحقيقة ناطقًا
ويترك ما لم يدرِ منها لِمَنْ يدري
أرانا إذا رمنا بيان حقيقةٍ
عُزينا معاذَ اللَّه فيها إلى الكفر
جهِلنا أشدَّ الجهل آخر عمْرِنا
كما قد جهلنا قبله أولَ العمْر
هما ساحلا بحرٍ من العيش مائجٍ
ففي أيِّ أمر نحن بينهما نجري
ومن أين جئنا أم إلى أين قَصدُنا؟
وفي أي ليلٍ من تشكُّكنا نسري؟
كأنَّا أتينا والمعيشة لُجَّة
لنعبُرَ والأعمار جسر إلى القبر
وماذا وراء القبر مما نريدهُ؟
وهل من مدًى بعد العبور على الجسر؟٢
تسائلني نفسي وللموت صولة
ألا هَلْ لكسر الموت ويحك من جَبْر؟
لعلَّ حياة المرء ليلٌ ستنجلي
غياهبه من سكرة الموت بالفجر
فإن كان ذا حقًّا فإن حياتنا
كما قيل: سِترٌ والرَّدى كاشف الستر
وقد قيل: إن الروحَ تبقى فهل لها
عروج إلى الأعلى، إلى الأنجمِ الزهرِ؟
وهل تعرف الجثمان بعد عروجها
فتمكثَ منه في السماء على ذكر؟
إذا أرضُنا كانت سماءً لغيرها
فما من عُروجٍ بل نزولٌ إلى القعر
وهل عَرَجَت أرواحُ مَنْ في عُطاردٍ
إلى الأرض أم هذا الكلامُ من الهذْر؟
خيال به رُحنا نعلِّل أنفسًا
هَزأنَ به لمَّا رَجَعْنَ إلى الحِجر٣
وشبَّه بالنهر الحياةَ معاشرٌ
فمنبعُه في رأيهم قِدَم الدهر
ولكنهم أعيا عليهم مَصبُّه
وإن رجموا بالظنِّ في منبع النهر
فيا ليت شعري أين ينصبُّ جاريًا!
أعَوْدًا لبدءٍ أم إلى غايةٍ يجري؟
لعمرُكَ ما هذي الحياة وما الذي
يُراد بنا فيها من الخير والشر؟
نحاول علمًا بالحياة وإنَّ ذا
منوطٌ إلى ما ليس يُدرَكُ بالفكر
ونسلكُ منها في مَجاهلَ قفرةٍ
فنخرج من قفْرٍ وندخل في قفر
على أننا نمضي إلى أمر ربِّنا
كما أننا آتون من ذلك الأمر
١
عقلة: ما تعقل به الرِّجْلُ وتقيد.
٢
المدى: الغاية.
٣
الحجر: العقل.