لو
لو أسكرَ الإنسان باطلُ أمره
لم تلقَ غير مُعَرْبِدٍ سَكرانِ١
لو قاس كلُّ فتى سواه بنفسه
فيما أراد لما تعادى اثنان
لو أنصف الخصمان ما اصطاد الرُّشا
أهلُ القضا مما ادَّعى الخصمان٢
لو أخلص الإنسان في إحسانه
لم يرْجُ أن يُجزى على الإحسان
لو لم يَشُكَّ بربِّه متفلسفٌ
في الدِّين لم يحتجَّ بالبرهانِ
لو أنَّ عقل المرء يغلب حبه
للنفس لم يلجأ إلى الأديان٣
لولا جمود في الشرائع مُهلِكٌ
لتغيَّرت بتغيُّر الأزمان
لو كان قصد الدين غير سعادة الدُّ
نيا لكان الكفر كالإيمان٤
لو أخلص الرجل التقيُّ بدينه
ما كان ذا طمع بحور جِنان
لا خير في تقوى امرئٍ لو لم يخفْ
نار الجحيم للجَّ في العصيان
لو كان أمر الحج معقولًا لما
كان استلام القوم للأركانِ
لو حكَّم العقلَ الحجيجُ بحجهم
أبوا الطواف بتلكُمُ الجُدْران
لو أخلص الغزَّى بنصرة دينهم
ما حلَّ سبيُ حرائر النسوان
كذبت قريشٌ لو تقادَم عهدُها
في المجد ما خدعتْ أبا غَبشان٥
لو كان للشيطان مَعْنًى غير ما الـ
إنسانِ ما آمنتُ بالشيطان
لو يجعل الناس التعاون دأبهم
لتمتعوا بسعادة العُمْران
لو أن أخلاق الرجال تهذَّبتْ
لتكشَّفت حُجُبٌ عن النسوان
ومحبة الأوطان لولاها لما
عرف الأنامُ عداوة الأوطانِ٦
لو كان خيرٌ في المجرة لم يكن
في الأرض شرٌّ دائم الغليَان
لم تمَّ في فلك الثريَّا سعدُها
لم تُمنَ بالعيُّوق والدَبَرانِ
لو لم يكن فَزعًا سُهَيلٌ لم يَبت
في أفْقه متتابع الخَفَقان
١
يريد: لو كان الباطل منكرًا كالخمر لرأيت الناس كلهم
سكارى.
٢
هذا البيت قريب في معناه من القول المشهور: «لو أنصف الناس
لاستراح القاضي.» غير أن معنى البيت: لو أنصف الناس لما فسدت
أخلاق القضاة.
٣
معنى البيت: أن حب النفس هو الذي يدفع الإنسان إلى التمسك
بما تقوله الأديان من الحياة الأخرى؛ لأنه يحب الخلود
لنفسه.
٤
أنه لو صح ما يقوله هؤلاء، من أن غاية الدين أخروية محضة؛
لتساوى الكفر والإيمان في الدنيا.
٥
قوله أبا غبشان: هو رجل من خزاعة كان يلي سدانة الكعبة قبل
قريش، فأسكره قصي واشترى منه مفاتيح الكعبة بزق خمر، ثم أفاق
نادمًا، فضرب به المثل في الحمق والندم وخسارة الصفقة.
٦
أراد بمحبة الأوطان هنا: المحبة السياسية، التي يتخذها صاحب
السياسة ذريعة إلى تهييج الشعوب إلى الحروب، ولا شك أن هذه
المحبة هي أساس العداوات الوطنية بين الأمم قاطبة.