من ويلات الحرب
مرت تقول: ألا يا ربِّ خُذ روحي
كي أستريح بموتي من تباريحي١
مهزولة الجسم من فقرٍ ومن نَكَدٍ
مُصفرَّةَ الوجه من هَمٍّ وتتريح
باتت بغير عَشاء وهي طاوية
وأصبحت وهي غَرْثى دون تصبيح٢
ضنك المعيشة أضوى جسمها فبدت
شروى خيال بطرف العين ملموح٣
وأذبلتها هموم النفس ناصية
فصوَّحت وجنتيها أي تصويح٤
وَيْلُمِّها عيشةً نكداء يابسة
لم تبقِ من جسمها غير الألاويح!٥
في طرفها نظرٌ وانٍ تُردِّده
لَمْح المريض إذا ما جاد بالروح
تلفعت بدريس من تَخرُّقِهِ
تخال طرَّته بعضَ التقازيح٦
فكم ترى العينُ خَرقًا غير مرتقع
في جانبيه وفتقًا غير منصوح٧
تمشي انخزالًا بعبء الفقر مُثقلة
كظالعٍ في الطريق الوعر مكسوح٨
خارت قواها فمارت في تخذُّلها
يكاد يسقطها هَبٌّ من الريح
•••
لمَّا دنوت إليها كي أسائلها
والقلب في خطَرانٍ كالأراجيح
تأوَّهت آهةً حمراءَ داميةً
تشفُّ عن كبدٍ بالهمِّ مجروح
وأجهشت ثم أرخت من محاجرها
عِنان دمع على الخدين منضوح
وأعرضت وهي لم تنبس سوى نظر
يغني الألِبَّاء عن نطق وتصريح
فرُحتُ من عجبي منها ومن جزعي
أبكي لها بين ترجيعٍ وتسبيح
من ليس يبكيه من أبناء جلدته
بكاؤهم فهو من جنس التماسيح
ولا يقوم بعبء المجد مضطلعًا
من لا يقوم إلى إنهاض مفدوح٩
وما السعادة في الدنيا بحاصلةٍ
إلا بإسعادِ أطلاح مرازيح١٠
إن المروءة شيءٌ لا تناوشه
إلا سواعد أجواد مساميح
أرى كنوز المعالي ما لِأَقْفُلِها
غيرُ السماح لعمري من مفاتيح
والعيش غيهبُ آمالٍ وليس لنا
سوى التعاون فيه من مصابيح
•••
قامت قيامةُ أهل الغرب فانبعثت
هَزاهِزٌ بينهم عمَّت بني نوح١١
واستفحلت فتنة عمياء جائحةٌ
تمخَّضت في دم في الأرض مسفوح
وقامتِ الحرب باللأواء شاملة
كل البسيطة حتى الأبحر الفيح١٢
والأرض قد أصبحت من مكر ساكنها
مُحمرَّةَ اللُّوح أو مُغبرَّةَ السوح١٣
ضاقت على الناس وانسدَّت مسالكها
فعاد كل طريق غير مفتوح
والحرب أغنت أناسًا غِنيةً عجَبًا
وآخرين رمتهم بالمجاليح١٤
ومعشرًا أسكنتهم في الذرا غُرَفًا
ومعشرًا بطنَ ملحود ومضروح١٥
•••
أما التي أوجعت قلبي بمنظرها
وأوهنته بتبضيعٍ وتقريح
فغادة عضَّت الحربُ الضرُوسُ بها
عضًّا بناب حديد غير مرضوح١٦
أمست تكابدُ من فقرٍ ألمَّ بها
آلامَ عيشٍ بشيع الطعمِ مذروح١٧
ترنو إلى الناس بالشكوى فتحسبها
ظمآن يشكو لآلٍ حُرقة اللُّوح١٨
١
التباريح: كلف المعيشة في مشقة.
٢
التصبيح: هنا بمعنى الغداة؛ أي ما يؤكل صباحًا.
٣
شروى: بمعنى مثل؛ أي مثل خياله.
٤
التصويح: التجفيف؛ أي جففت وجنتيها.
٥
الألاويح: جمع ألواح، جمع لوح، فهو جمع الجمع، وألواح الجسد:
عظامه العراض، والمعنى: لم يبقَ في جسمها غير العظام، يقال
للمهزول: لم يبقَ منه إلا الألواح.
٦
التقازيح: جمع التقزيح، وهو رأس نبت أو شجرة يتشعب كبرثن
الكلب؛ أي تخال جانب ثوبها المنخرق كرأس هذا النبت المتشعب
شعبًا.
٧
منصوح: أي مخيط، من نصح الثوب إذا خاطه.
٨
الظالع: الذي يغمز في مشيه؛ أي يميل من رجله، وكذلك المكسوح،
يقال: جمل مكسوح: إذا كان به ظلع شديد.
٩
المفدوح: المثقل.
١٠
أطلاح: جمع طلح، وهو المُعنَّى والمهزول، وكذلك
مرازيح.
١١
الهزاهز: الفتن التي تهز الناس.
١٢
اللأواء: الشدة والمجاعة. والفيح: جمع أفيح، يقال: بحر أفيح؛
أي واسع.
١٣
اللوح بضم اللام: الهواء بين السماء والأرض. والسوح: جمع
ساحة؛ احمرار اللوح، واغبرار السوح: كناية عن وقوع القحط
والجدب.
١٤
المجاليح: السنون التي تذهب بالمال، وهي ذات القحط
والجدب.
١٥
الملحود والمضروح: القبر.
١٦
مرضوح: مكسور.
١٧
مذروح: مسموم.
١٨
الآل: السراب. واللوح: بضم اللام هنا، بمعنى العطش، والمعنى
أنها تشكو إلى الناس بلا فائدة كشكوى الظمآن إلى
الشراب.