إلى غرة آل سعدون
أعبدَ المحسن السعدونَ إني
أراك مَناطَ أسباب الرجاء
وأبصر من فعالك بَدْرَ تَمٍّ
يلألئ من فخارك في سماء
لذلك قد أتيتُ إليك أشكو
رثاثة بزتي وبلَى كسائي
فقد رقَّتْ ثيابي اليوم حتى
تكاد تذوب من مسِّ الهواء
غدت شفَّافةً حتى كأني
لبست بهنَّ أثواب الرياء
وليس العُرْي من ثوبٍ معيبًا
لكاسي النفس من حُلل الإباء
وما ضرَّ المهنَّدَ فقدُ جفنٍ
إذا ما كان محمود المَضاء١
فإن لم تدرك الأيام عُريي
بثوبٍ منك يا غَمرَ الرداء٢
لبست قرار بيتي في نهاري
ولم أخلعه إلا في المساء
فإن جاء المساء لبست منه
ظلامًا ما تمزق بالضِّياء
وصرت أجول كالخُفَّاش ليلًا
وألجأ في النهار إلى الضراءِ٣
ولست أريد ثوبًا أتْحميًّا
ولا من زِيِّ أرباب الثراء٤
ولكن بِزَّةَ البدَويِّ أبغي
فمن ثوبٍ عليَّ ومن عَباء
ومن كوفية صَحِبت عِقالًا
يكون الرأس منها في غطاء
فذا زيٌّ يتمُّ به رجوعي
إلى عيشٍ بسيط ذي هناء
وما صيَّرتُ ملبوسي خفيفًا
لأني خفت من ثِقَل العَطاء
وكيف وأنت أكرم من حباني
بأكرم ما رجوت من الحباء؟!
ولكني رغبتُ عن اكتساءٍ
يطول به من الدنيا عَنائي
وكيف يكون مطلوبي حقيرًا
وأنت أجلُّ مَن تحتَ السماء؟!
وهل أنا غيرُ عبدٍ أنت منه
خَصصتَ أبا عليٍّ بالولاء؟!
لأتَّخذنَّ إخلاصي وصدقي
لكم من كل موبقة وقائي
وأجعل ما حييت جميلَ شكري
لما أسديت من نعم غذائي
ولست أرى الحياة تطيب إلا
بحسن تجمُّلي لك والثناء
وأعلم أن ما أشكو إليكم
يسرُّ الماردين على عدائي
ويشمِت بي الذين لهم نفوس
مَرضن من العيوب بكل داء
ولم يشمت بأحرار البرايا
سِوى لؤمائهم والأدنياء
ولكن هوَّنَ البرَحاءَ أني
شكوت إلى جديرٍ باشتكائي
شكوتُ إلى فتًى جَمِّ المزايا
كبير النفس منفرد السناء
فتًى يوليك عند البؤس خيرًا
ولا ينساك في حال الرخاء
رحيبُ الباع مؤتلق المحيَّا
أصيلُ الرأي وقَّاد الذكاء
صريح في مقاصده إذا ما
أسرَّ القومُ حسوًا في ارتغاء٥
زكت أخلاقه فصفتْ ورقَّت
فهنَّ لكل مَكرمةٍ مَرائي
تلاقي الزائرين ببشر وجهٍ
تجلَّل بالمروءة والحياءِ
إذا رَأسَ البلادَ أبو عليٍّ
فقد وضحت بها طرق العلاءِ
وإن وليَ الوزارة وهو أهلٌ
فيا حسن السياسة والدَّهاءِ
١
الجفن: قراب السيف.
٢
غمر الرداء: واسع العطاء.
٣
الضراء: الشجر الملتف في الوادي.
٤
الأتحمي: الثوب الصفيق المتين النسيج.
٥
الحسو: الشرب. والارتغاء: شرب الرغوة، وهذا مثل معناه أنه
يظهر أنه يشرب الرغوة، وهو يحسو اللبن الذي تحتها، يضرب لمن
يظهر غير ما يبطن.