الجرائد وما كانت عليه في الآستانة
إذا شئت أن تسري بكافرةِ الصُّوى
يدوِّي بقطريها هزيمُ الرواعدِ١
وتذهبَ مِحيار الظلام تخبطًا
وتعْثر في ظلماتها بالجلامد
وتمشي فما تدري إلى قعر هُوَّةٍ
تروح بها أم للمَدَى المتباعد
فطالع أراجيف الجرائد إنني
أرى الويل كل الويل بين الجرائد
جرائد في دار الخلافة أضرمت
لهيب خلافٍ بينها غير خامد
ولم يكفها هذا الخلاف وإنما
أطافت بنقص في الحقيقة زائد
فما بين مكذوب عليه وكاذب
وما بين مجحود عليه وجاحد
ترى في فَرُوقَ اليوم قرَّاء صُحْفِها
فريقين من ذي حجة ومعاند
جِدال على مَرِّ الجَديدين دائم
بتفنيد رأي أو بتزييف ناقد
فذائد سهم عن رَميٍّ يردُّه
وآخر رامٍ سهمه نحو ذائد٢
وهذا إلى هذي وذاك لغيرها
من الصحف يدعو آتيًا بالشواهد
وما هي إلا ضجَّة كل صائت
بها مدَّ للدنيا حِبالة صائد
أضاعوا علينا الحقَّ فيها تعمدًا
وعُقبى ضياع الحق سُود الشدائد
ولم أرَ شيئًا كالجرائد عندهم
مبادئه منقوصة بالمقاصد
يقولون: نحن المصلحون، ولم أجد
لهم في مجال القول غيرَ المفاسد
وكيف يَبين الحقُّ من نفثاتهم
وكلٌّ له في الحق نفثة مارد
فإياك أن تغترَّ فيهم فكلُّهم
يجر إلى قرصيه نار المواقد
وكن حائدًا عنهم جميعًا فإنما
يَضلُّ امرؤ عن غيِّهم غيرُ حائد
على رِسلكم يا قوم كم تُسمعوننا
مقالة محقود عليه وحاقد
ألا فارحموا بالصفح عن نهج صُحْفِكم
فقد أوردتنا اليوم شر الموارد
وما الصحف إلا أَن تدور بنهجها
مع الحق أنَّى دار بين المعاهد
وأن تنشرَ الأقوالَ لا عن طَماعةٍ
فتأتي بها مشحونة بالفوائد
وألا تُعاني غيرَ نشر حقائق
وتنوير أفكار وإنهاض قاعد
أتبغون في تلفيقها نفع واحد
وتُغضون عن إضرارها ألف واحد؟!
ألا إن صحف القوم رائد نجحهم
وما جاز في حكم النُّهى كذب رائد
لَعَمْريَ إن الصحْف مِرآة أهلها
بها تتجلَّى رُوحهم للمشاهد
كما هي ميزانٌ لوزن رقيهم
وديوان أخلاق لهم وعوائد
ألا تنظرون الغرب كيف تسابقت
به الصحف في طُرْقِ العلا والمحامد؟!
بها يهتدي القراء للحق واضحًا
كما يهتدي الساري بضوء الفراقد
ولكن أبى الشرق التعيسُ تقدمًا
مع الغرب حتى في شئون الجرائد
فلا تحمِلوا حِقدًا على ما أقوله
فإني عليكم خائفٌ غير حاقد
وما هي إلا غيرةٌ وطنية
فإن تجدوا منها فلست بواجدِ
١
كافرة الصوى: كناية عن الصحراء التي لا علم فيها يهتدى به.
ويدوِّي: يكون له دوي.
٢
الذائد: المدافع عن الشيء. والرمي: الرَّامي.