هلم نبكِ
هلمَّ نبكِ النُّهى والعلم والشرفا
فقد قضى مَن بهذا كان مُتَّصِفا
هلمَّ نبكِ الذي كانت شمائله
كمثل قطر الغوادي رِقَّةً وَصفا
هلمَّ نبكِ الذي لم يغلُ واصفه
بالخير إلا رآه فوقَ ما وصفا
عطا الخطيبَ الذي آلُ الخطيب به
فتَّت مصيبتهم أكبادنا أسفا
نبكي لمَبكاهمُ حزنًا بحيث نرى
بدر التَّمام بأعلى أفقهم خُسفا
قد فاجأته المنايا وهو معتدل
كالرمح دُق على الصفواء فانقصفا١
قامت بحسَّاده الأطماع هائجةً
لمَّا رأوه مجدًّا يطلب الترفا
فعارضوه بسيل من مكايدهم
قد سال فاكتسح الآمال واجترفا
وعرقلوا بدعاويهم مساعيَهُ
ومدَّدوا من دواهيهم له كِففَا٢
فظلَّ يرسُف في مسعاه مرتطمًا
وكان يبني له من سعيه رَصفا
حتى قضى راسبًا في مكرهم غرقًا
إذ عطل الموت منه الكف والكتفا
وبعدما قتلوه هكذا علموا
بأنَّهم قد أصابوا المجدَ والشرفا
والمرء تظهر بعد الموت قيمته
كمغرق اليمِّ بعد الانتفاخ طفا
لو عجَّل الله للحسَّاد لعنته
لكان أسقط منها فوقهم كِسفا
لكن يؤخِّرها عنهم إلى أجلٍ
يُخزي به كل من قد جار واعتسفا
هم جاوزوا العدل والإنصاف في رجل
ما كان قطُّ عن الإنصاف منحرفا
فَتًى رزئناه بالأخطار مضطلعًا
بالمجد مشتملًا بالفضل ملتحفا
لمَّا رمى عن قِسيِّ الرأي مجتهدًا
لم يتخذْ غير أسباب العلا هدفا
ما شبَّ إلا على التَّقوى وكان له
قلب سليم بحب الخير قد شغفا
مهذب الطبع عفُّ النفس ذو خلق
قد شابه الورد مشمومًا ومقتطفا
إذا تصورت في يوم خلائقه
فقد تصوَّرت منها روضةً أنُفا٣
وإن نظرت بإمعانٍ مساعيَه
فقد نظرت بعيني رأسك الشرفا
بيناه يدرك من دنياه زهرتها
إذ جاءه الموت يمشي نحوه الخطَفَى٤
أعظم به طودَ مجدٍ طال طائله
فكيف في ساعة بالموت قد نسفا؟!
قد شرَّفت بقعةَ الجيليِّ حفرته
كما ضريح عليٍّ شرَّف النَّجفَا
١
الصفواء: الحجر الصلد الضخم.
٢
الكفف: جمع كفة، وهي حبالة الصائد وشبكته.
٣
الروضة الأنف: الجديدة النبت لم يرعها أحد.
٤
الخطفى: مشية سريعة.