لمن الديار؟
لمن الديار يَلُحْنَ في الصَّحصاحِ
لعِبَت بهنَّ روامس الأرواحِ١
عَبثت بها أيدي البلى فترَكْنَها
في العين أخفى من دريس نِصاح٢
ولقد وقفتُ بها المطيَّ مسائلًا
شجراتِ واديها وهنَّ ضواح٣
أقتافُ آثارًا لهن دوارسًا
كانت إليها غُدوتي ورواحي
لما تبيَّنتُ المعالم هُمَّدًا
هَطلت مدامع طرْفيَ السفَّاح
فسقاك مرتكز الغمائِم صَوْبه
غدقًا بكل عَشية وصباح٤
حيِّ الديار وإن تحمَّل أهلُها
عنها وأمست مُوحِشات بطاح
عهدي بها والعيش أخضر ناعمٌ
والشملُ تجمعه يد الأفراح
مَغنًى أنيقًا للحسان وروضةً
نبتت بكل عرارةٍ وأقاحي
كم قد لَثمت بها المراشف آخذًا
بهضيم خَصْرٍ جال تحت وِشاح
ولكم لهوتُ من الحسان بغادةٍ
لمياءَ ترشِفني شمول الراح٥
هل عائدٌ زمنٌ أتيت مع المها
ما شئت من لعب به ومِزاح
قد بتُّ فيه ضجيع كل غريرة
رُؤدِ الشباب من الخرادِ ردَاح٦
أيام تحضرُ بي بمضمارِ الصِّبا
فرسُ الشبيبةِ وهي ذات جِماح
•••
ركضوا بميدان التحاسُدِ خيلهم
وسبَوا من الأعراض غيرَ مُباح
لبسوا النفاقَ لهم دُروعًا واعتدوا
يَتطاعنون من الخنا برماح
أضحوا كماة وشايةٍ وسعاية
ومن الضغائن هم شُكاةُ سلاح٧
كالجاهلية غيرَ أنَّ مُغارَهم
في نهبِ كل خطيئة وجناح
إصلاحُهم أعيا العقولَ لأنهم
خُلِقت مفاسدهم لغير صَلاحِ
من كل مرتكب الشنِيعِ ولم يكد
يثنِيه عنه إذا لحاه اللاحي
أهدى بِطُرْق المُخزيات من القطا
وأضلُّ ممن آمنوا بسجاح٨
١
الصحاح: المستوي الأجرد من الأرض. والروامس: التي تأتي
بالتراب فتدفن فيه ما تقابله. والأرواح: الرياح.
٢
الدريس: البالي. والنصاح: ما يخاط به الثوب من خيط
ونحوه.
٣
الضواحي: البارزات للشمس.
٤
المرتكز: المقيم الثابت. والصوب: المطر. والغدق:
الكثير.
٥
اللمياء: السوداء الشفة، وهي محببة لدى العرب. والشمول:
الباردة.
٦
الرؤد: الشابة الحسنة. والخراد: الأبكار. والرداح: التامة
الخلق.
٧
الكماة جمع كمي، وهو البطل الشجاع يلبس الدروع. والشكاة بضم
الشين: جمع شاك؛ أي شاكي السلاح، وهو من الشوكة والحدة.
٨
القطا: نوع من الطير اشتهر عند العرب بمعرفته الطريق. وسجاح:
هي ممن تنبئوا كذبًا بعد وفاة الرسول ﷺ.