شهداء الطيران
قضوا شهداءَ ليس لهم بواءُ
فتمَّ لهم على الدهر البقاءُ١
قضَوا لعزيزِ موطِنهم ضحايا
فهم لعزيز موطنهم فداء
لهم في موتهم هذا حياة
مخلَّدة يجلِّلها الثَّناء
تباشرت الجنانُ بهم فأمست
بها من حسْنِ مقدَمهم بهاء
وحيَّا «جعفر الطيار» منهم
نسورًا في الجنان لها اعتلاء
•••
وطائرة مرفَّعة الذُّنابَى
بأجنحة الرياح لها ارتقاء
يجول بها من البنزين روحٌ
كما جالت بأورِدَةٍ دماء
بعصر الكهرباء أتت فأمسى
لعصر الكهرباء بها ازدراء
تمرُّ كأنها في الجوِّ نَسْر
إلى زُهْر النجوم له انتماء
وتختبط الهواء بساعديها
فتعصف منهما الريحُ الرخاء
فتمضي في السماء مُضِيَّ سهمٍ
عن القوس الشَّروح له ارتماء٢
فيبصَر كالنجوم لها علوٌّ
ويسمع كالرعود لها رغاء
وقد ترمى الصواعقَ محرقات
بها في الأرض يندكُّ البناء
قد امتطَوُا الرياحَ بها فطاروا
إلى حيث احتفت بهم السماء
سَموْا فتضاءلوا فحكَوْا نجومًا
يُصغِّرها بأعيننا السَّناء
وفيهم كان للأوطان حبٌّ
وفي أوطانهم منهم رجاء
•••
ألا يا طائرين قد استقلتْ
بهم في الجوِّ ريحٌ جِرْبياء٣
لقد نزل القضاء بكم أليمًا
ولا مَنجاة إن نزل القضاء
فمتم ميتة بيضاء منها
بأعيننا قد اسودَّ الفضاء
لقد عَظمت مناحَتكم فقامت
تنوح بها الحرائر والإماء
وَشقَّقت الجيوب لكم رجال
ولطَّمت الخدود لكم نساء
غبطنا ميتةً قد أعقبتكم
حياة ليس يدركها الفناء
لكم بسقوطكم شرفٌ ففيه
لموطِنكم نهوضٌ واعتلاء
ولا تأسَوْا على الوطن المفدَّى
ففي شبَّانه لكم الكِفاء
فهم خلفٌ لكم فيما أردتم
ولولا ذَلِكُمْ عَزَّ العزاءُ
١
البواء: المثل والند.
٢
الشروح: الشديد الدفع للسهم.
٣
الريح الجربياء: ريح الشمال أو بردها.