ذكرى الكاظمي
أنشدت في حفلة أقيمت في بغداد سنة ١٩٣٥ لتأبين شاعر العراق الشيخ عبد المحسن الكاظمي، وكان قد توفي بمصر.
ليس في غاية الحياة البقاءُ
فلذا خاب في الخلود الرجاءُ
غير أن الحياة بالعز عند الرَّ
جل الحرِّ غايةٌ غراء
أيُّ فخرٍ للناعمين بعيش
لم تجلِّلْه عِزة قعساء؟!
حسبُ من رام في الحياة خلودًا
أنه بعد موته عَلواء
وكفى المرء بعد موتٍ حياةً
أنَّ ذكراه حلوة حسناء
قد قضى الكاظميُّ وهو جديرٌ
أن تعزَّى في موته الشعراء
عاش منسيَّ عارفيه ولمَّا
مات فاضت بنعيه الأنباء
ذكرته نُعاته بنعوتٍ
قبله حاز مثلَها العظماء
فلئن كان ما يقولون حقًّا
أفهُم بالذي نسُوا لؤماء؟
كيف ينسَون في الحياة أديبًا
عبقريًّا عنت له الأدباء
أفيُنسى حيًّا ويُذكر ميتًا
إن هذا ما تنكر العقلاء
إن هذا أمرٌ يتيه ضلالًا
في بوادي تفسيره الحكماء
ضحكوا منه في الحياة ومذ ما
تَ تعالى نحيبهم والبكاء
أيها النادبون
أيها النادبون غيريَ غرُّوا
بَرَحَ اليومَ للَّبيبِ الخفاء١
يُكرم الميت بالثناء وتحيا
عندكم في المهانة الأحياء
كلُّ من يخبر الأناسيَّ خبري
لا يبالي أأحسنوا أم أساءوا
أنا جرَّبتهم إلى أن تساوى الـ
ـيومَ عندي سِبابُهم والثناء
غُرِيَ الناسُ بالهوى فضلالٌ
كلُّ ما يفعلونه أو رياء٢
قد تمادى في القائلين غلوٌّ
وتوالى في الفاعلين رياء
أيها الكاظميُّ نَمْ مستريحًا
حيث لا مبغض ولا إيذاء
عشت في مصر باحترام يؤدِّيـ
ـه إليك الأماثل الفضلاء
إنَّ للنيل من جزائك شكرًا
ستؤدِّيه دجلة اللسناء
لم تعش عيشة الرفاه ولكن
لك في العيش عزة وعلاء
أيُّ حر في الشرق عاش سعيدًا
لم تشب صفو عيشه الأقذاء
وهنيئًا إذ لم تعش في العراقيـ
ـن مضاعًا تنتابك الأرزاء
من شقاء العراق أنَّ ذوي النعـ
ـمة فيه أجانب غرباء
إن جفتنا بلادنا فهي حِبٌّ
ومن الحِبِّ يُستلذُّ الجفاء
لم نحل عن عهودنا مذ جفتنا
بل لها الودُّ عندنا والوفاء
قد بكينا شجوًا عليها ومنها
وعَنانا سَقامها والشقاء
كم أردنا سخطًا عليها ولكن
غلب السخطَ في القلوب الرضاء
إنما هذه المواطن أمٌّ
مُستحِق لها علينا الولاء
إن خدَمنا فلا نريد جزاء
ومن الأم هل يُراد جزاءُ؟!
١
برح الخفاء: زال اللبس والغموض.
٢
غري الناس بالشيء: أولعوا به.