المهجور أو مشهد الحسد في الحزن
وبيضاءَ أغْناها عن الحلي ثغرُها
بِسمْطين من درٍّ مُضيئين في الثغر١
إذا ابتسمت في ظلمة اليأس أشرقا
فعُدنا من الآمال في أنجم زُهر
نرى وجهها بدرًا محاطًا من السنا
بصبحين من ثغرٍ وضيءٍ ومن نحر
يذكرني من مطلع الشمس شعرُها
ذوائبَ تُرخى من أشعتها الصفر
تراءت فأمَّا نفسها فحزينة
وأما محيَّاها فكالكوكب الدرِّي
بدت في حِداد ترسل الطرْف وانيًا
يُغَض على وَجدٍ ويُفتح عن سِحر
رأيت بها بدرًا تردَّى دُجُنة
غداة أمِيط السجفُ من جانب الخدر٢
فكانت لها سودُ الجلابيب حلية
ولا عجب أنَّ الدجى من حِلى البدر
تَبسَّم حينًا ثم تجهش بالبكا
فمن لؤلؤ تُبدي ومن لؤلؤ تذري٣
كأنَّ تلاميحَ الأسى في جبينها
بقايا ظلام الليل في غُرَّة الفجر
وكم أبصرتْ عيناي لما تنهدت
تموَّح بحر الحب من عاصف الهجْر
فقد كان منها الصدرُ يعلو ويرتمي
فيبعث بي شَجوًا يموج به صدري
ومما شجا نفسي ذبولٌ بخدِّها
كما ذبلت في بيتها باقة الزهر
ولما انقضى صبري وقفت تجاهها
أسائل عما ناب من نُوَبِ الدهر
فقالت وقد ألقت على الصدر كفَّها
تشد ضلوعًا يَنطوين على جمر:
لك الخير من حُرٍّ يسائل حرَّة
شكت هجر بَعْلٍ لم يكن بالفتى الحر
سقاني بكأس الحبِّ حتى شربتها
ولم أدرِ أن الحب ضرب من الخمر
فلما رآني قد سَكرتُ بحبه
صحا قلبه من حيث لم أصْحُ من سكري
ألا إنَّ قلبي اليوم إذ مسَّه الجَوَى
وإذ مالَ بعلي في هواي إلى الغدر
لَيفزعُ ممن يدَّعي الحب قلبه
كما فزعت قُمرية الروض من صقر
على أن قلبي لم يعد عنه صابرًا
ألا لا أمالَ الله قلبي إلى الصبر
إذا أشرقت شمسي تناسيت ذكره
وإن جَنَّ ليلي بت منه على ذِكرِ
وإني على ما نابني من جفائه
لأقنع منه بالخيال الذي يَسري
ولما شكت لي حُرقَة في فؤادها
ترقرق دمع العين في خدها يجري
أرى قطراتِ الدمع في وجناتِها
فأحسبها الياقوت رُصِّع بالدرِّ
هنالك ألقت راحتيها بوجهها
تكفكف أسرابًا من الدمع بالعَشر
وقالت وقد كان النشيجُ يصدُّها
عن القول إلا عن كلام لها نَزْر:
سأحمل ما قد حمَّلتني يد الهوى
من الوجد حتى يحملوني إلى القبر
فقلت: أما والله لو أنَّ لي يدًا
على كل حكم جاء من ظالم الدهر
لشدَّدت في زَجْر المحبين إن جفَوا
وعاقبت منهم من يميلُ إلى الهجر
١
السمط: العقد.
٢
الدجنة: الظلمة.
٣
أذرى الدمع: أسقطه.