وا محمداه!
قيلت في رثاء محمد فوزي باشا العظم وكان موته فجأة.
أيُّ خَطبٍ دهى رُبوعَ الشامِ
يوم أمست تبكي بطرْفٍ دَامِ
وبأيِّ الأسَى رمَتها الليالي
فاكتست للحداد ثوبَ ظلام
إن تكن أفجعتْ بشهم بني العَظـ
ـم فأعظِم بخطْبِها المترامي!
ذلك الماجدُ الذي أدركَ المجـ
ـد بأيدٍ إلى العلاء سَوام
سَلْ دمشقًا تجبك عن شِيَمٍ فيـ
ـه تعالت عن أن تزَنَّ بذام١
قد بكته شجوًا بسبع عيونٍ
في رباها تجود بالتَّسجام
ورَثته بألسُن من معاليـ
ـهِ حداد تفُلُّ حَدَّ الحسام
فقدت من محمد خيرَ نَدْب
ذائد عن حياضها ومُحام٢
وغدت تشتكي إلى برَدَاها
من أحَرِّ الأسى أحرَّ الأوام٣
لهفَ نفسي عليه ساعة أودى
من كريم غَمْرِ الرداء هُمام
إن قلبي قد استطير بمنعاهُ
اختطافًا بمنسر الآلام
فكأن الناعي لدى النعي أهوى
نحو قلبي بمُرهَفٍ صمصام
قد فقدنا منه خلائق تحكي
زَهَر الروض غِبَّ صَوب الغمامِ٤
يا أبا خالدٍ وما هذه الدنـ
ـيا بدارٍ معدَّة لمُقام
إن تكن هالكًا فكم لك ذكر
في العُلا خالد مدى الأيام
خطفتْ عمرك المنون اختلاسًا
كاختلاس المنى يدُ الأوهام
فكأنَّ المنونَ خافت على تلـ
ـك المعالي ذبولها بالسقام
فلذا أحرزتك غضًّا طريًّا
وكذاكم يكون موت الكرام
فسقى الله تربةً أنت فيها
ثوبَ وطفاءَ من غَوادٍ هَوام٥
١
تزنُّ بشيء: تتهم به. والذام: العيب.
٢
الندب: السريع إلى الفضائل.
٣
الأوام: العطش.
٤
غب: بعد وإثر. والصوب: المطر.
٥
الوطفاء: السحابة المسترخية لكثرة مائها. والغوادي: جمع
غادية، وهي السحابة تنشأ غدوة. والهوامي: جمع هامية، وهي
الممطرة.