وقفة عند يلدز
قالها عقب خلع عبد المجيد وإرساله إلى سلانيك سجينًا.
لِمَنِ القصر لا يجيب سؤالي
آهلاتٌ رُبُوعه أم خوالي؟
مشْمَخِرُّ البناء حيث تراءى
باليًا مجده بِلى الأطلال
لم تصبه زلازل الأرض لكن
قد رمته السماء بالزلزال
وكستهُ الأيام بالصمت لمَّا
نطقتْ فيه حادثات الليالي
فتراءت أبكاره شاحبات
باكيات بأعين الآصال
•••
أيها القصرُ إيهِ بعضَ جواب
لا تكن ساكتًا على تسْآلي
ليت شعري والصَّمت فيك عميق
ذاكرًا أنت عهدهم أم سال؟
ما تداعى منك البناءُ ولكن
قد تداعى بناء تلك المعالي
كنتَ كل البلاد في الطول والعر
ض وكل العباد في الأعمال
كنت مأوى العُلا، مثار الدَّنايا
مَهبط العز، مصدر الإذلال
كنت جُبًّا وأيَّ جُب عميق
بالعًا للنفوس والأموال!
موردَ الخائنين كنت وكانت
منك تدلي مطامع العمال
قصرُ عبد الحميد أنت ولكن
أين يا قصر أين عرش الجلال؟!
أين خاقانك الذي كان يُدعى
قاسمَ الرزق، باعثَ الآجال؟!
ما أرى اليوم ذلك المجد إلا
كخيال يمر بعد خيال
هل وقوفي على مبانيك إلا
كوقوفي على الطلول البوالي؟!
•••
قد تخوَّنتنا ثلاثين عامًا
جئت فيها لنا بكل محال١
تلك أعوام رِفعة للأداني
تلك أعوام حطة للأعالي
يَثِب العدل طافرًا كلما مرَّ
عليها مشمِّرَ الأذيال
ملأت خطة الزمان شنارًا
فأبتها كلُّ العصور الخوالي
وكأني أرى اضطراب نفوسٍ
كنت تغتالها وأيَّ اغتيال!
أسمع الآن فيك ما كان يعلو
من أنين لها ومن إعوال
حائمات على الذي فيك أبقيـ
ـن دفينًا على الرُفات البالي
تلك يا قصر أنفس أنفت منـ
ـك فطارت إلى سماء المعالي
وترقَّت إلى ذؤابة أعلى
كوكب في سمائه جوَّال
وهيَ اليوم أحرقتك بشُهْبٍ
قذفتها عليك ذاتِ اشتعال
لم يضِع مجدها وإن هي أمست
ضائعات الأشلاء والأوصال
•••
كيف ننسى تلك الخطوب اللواتي
لقِحَت منك حَربُها عن حِيال؟!٢
يوم كنَّا وكان للجهل حكم
خاذل كل عالم مِفضال
آمِر من عتوِّه كلَّ أمر
يغرس البغضَ في قلوب الرجال
أفأصبحتَ نادمًا أيها القصـ
ـرُ تبالي بالقوم أم لا تبالي؟
لم تفدك الندامة اليوم شيئًا
قُضي الأمر فاصطبر باحتمال
وعزاءً فلست أولَ قصر
نكَّسَ الدهر من ذراه العوالي
قد تداعى من قبلُ إيوان كسرى
بعد أن طال شاهقاتِ الجبال
وَكأيِّنْ من قصر ملك ترَامى
ساقطًا بالملوك والأقيال٣
فابقَ يا قصر عابس الوجه كيما
يصبحَ الملك باسمَ الآمال
وتعثَّر فلا لعًا لك الحق
ينهض العدل ناشطًا من عِقال٤
إنما نحن أمة تدرأ الضيـ
ـم وتأبى أن تستكين لوالي
أمَّة سادت الأنام وطابت
عنصرًا من أواخر وأوالي
فإذا ما غلا الغشومُ نهضنا
فقذفناه سافلًا من عال
نملأ الأرض إن مشينا لحرب
بزئير الغضنفر الرئبال
وإذا ما غلا المليك رددنا
هُ ذليلًا يقاد بالأغلال
نحن من شعلة الجحيم خلقنا
لأولي الجوْر لا من الصلصال
يا ملوك الأنام هلا اعتبرتم
بملوك تجور في الأفعال!
ليس عبد الحميد فردًا ولكن
كم لعبد الحميد من أمثال
فاتركوا الناس مُطلَقين وإلا
عِشتمُ مُوثقين بالأوجال
هل جنيتم من التجبر إلا
كل إثم عليكمُ ووبال؟!
١
تخونتنا: تعهدتنا.
٢
لقحت الناقة: ضربها الفحل فحملت. والحيال: عدم الحمل، يريد
إنك هيجت تلك الحرب بعد أن كانت ساكنة.
٣
الأقيال: جمع قيل، وهو الملك الصغير يتبع الملك الكبير، كبعض
ملوك الولايات في إمبراطورية كبيرة.
٤
لا لعًا له: لا أنعشه الله إذا سقط.