الوطن والأحزاب١
متى نرجو لغُمَّتنا انكشافا
وقد أمسى الشِّقاق لنا مَطافا؟!
ملأنا الجو بالجدَل اصطخابًا
وكنا قبلُ نملؤه هُتافا
وما زلنا نهيم بكل وادٍ
من الأقوال نرسلها جُزافا
ونرجف في البلاد بكل رعب
يَهزُّ فرائص الأمن ارتجافا
ونتَّهم الحكومَة باعتسافٍ
ونحن أشد ظلمًا واعتسافا
وكم من ناعبٍ في القوم يدعو
بوشك البين تحسبه الغُدافا
تَباكينا على الوطن اختداعًا
فأنبتنا بأدمعنا «الخلافا»
أجاعتنا المطامع فاختلفنا
لنملأ في موائدنا الصحافا
ولكنا من الوطن المُفدَّى
نخيط على مطامعنا غلافا
•••
أرى أنف الحوادث مشمخرًّا
غدًا يتشمَّم الحدَث الجرَافا٢
ويوشك أن يمزق منخريه
عطاس يملأ الدنيا رعافا
فهل لوزارة «الغازي» اقتدارٌ
تردُّ به الهزاهز والنِّقافا٣
•••
أقولُ، ولو يسوء القومَ قولي
بيانًا للحقيقة واعترافا:
قد اختلف البرية واختلفنا
فكنا نحن أسوأها اختلافا
فلا تغررك أحزاب شداد
بأن لهم أقاويلًا لطافا
فإن بواطن القوم احتراصٌ
وإن أبدت ظواهرهم عَفافا
وما اختلفوا لمصلحة ولكن
ليأكلَ أقوياؤهمُ الضِّعافا
هو الدينار مُنية كل راجٍ
وبُغية كل من دأب احترافا
نَحُجُّ لأجله بيت المخازي
ونكثر حول كعبته الطوافا
ترى كل الأنام به سُكارى
وغيرَ هواه ما ارتشفوا سلافا
فحبُّ سواه في الأفواه جارٍ
ولكن حبه بلغ الشغافا
هو الحرب التي زحفت إليها
كتائب كل من طلب الزحافا
وكم قد رنَّ في أمل مُخاف
فأمَّن صوته الأمل المُخافا
إذا خطب الوضيع به المعالي
أقام له بنو الشرف الزفافا
أرى الأحزاب من طمع وحرصٍ
قد اخترقوا إلى الفتن السِّجافا
يجانف بعضهم في الرأي بعضًا
وبئس الرأيُ ما التزم الجِنافا
لئن خطَّأتُ من راموا «اتحادًا»
فما صوَّبت من راموا «ائتلافا»
فإن مشارب العدوان منها
كِلا الحزبين يرتشف ارتشافا
وهُم كأولي الديانة كل حزب
يراه أحق بالحق اتصافا
وماذا نفع أقوال سِمانٍ
إذا أفعالهم كانت عِجافا؟!
وأنَّى يُصْلِح الأوطان قومٌ
بها أشتى تدابرهم وصافا؟!
فكن منهم على طَرَفٍ بعيدًا
وحاذر أن تكون لهم مضافا
فهم كالبحر يهلك راكبوه
ويسلم منه من لزم الضِّفافا
١
قال الرصافي هذه القصيدة عندما سقطت وزارة الاتحاديين، وقامت وزارة أحمد
مختار باشا الغازي، وذلك قبل الحرب البلقانية، وكان الخلاف بين الاتحاديين
والائتلافيين في أشد حالاته.
٢
الجراف: الجارف.
٣
الهزاهز: الحروب والفتن التي تهز الناس. والنقاف: هو
المضاربة بالسيوف على الرءوس. ووزارة الغازي: هي وزارة أحمد
مختار باشا الغازي.