عند سياحة السلطان١
قل للحكومات في البلقان: هل علِقت
آمالكم من مواعيد بإنجازِ؟
إن الذي تضمرون اليوم من طمعٍ
أمسى لأشعب يعزو مثله العازي
لم تعرفوا مُذْ لمَستم عرق نخوتنا
إذ قد لمستم بكفٍّ ذات قفَّاز
إنا لنعرف لغزًا في سياستكم
وما السياسة إلا بيت ألغاز
ألم تروْا أننا مستوفِزون لكم
إذ نحن منكم على حِذر وأوفاز٢
زار المليك بلاد الروم حيث غدا
يُلقي الدسائس منكم كل همَّاز٣
فزال كل فساد كان منتشرًا
من عندكم بين إغراء وإيعاز
حتى اطمأنت قلوب الناس هادئة
وكل قلب لكم من غيظه نازي٤
وأصبح المترجِّي من مطامعكم
يرنو إليكم بطرف ساخرٍ هازي
ولاعبتْ نسمات الحب ألوية
من الرشاد أقيمت فوق أنشاز٥
يا أيها الملك السامي بحكمته
والمبدل الناسَ من ذلٍّ بإعزاز
قد عَيَّ في وصف ما أوتيتَ من حِكم
كلا كلاميَ: إطنابي وإيجازي
غزوتَ غزوَ سلام دون غايته
غزو الحروب فأنت الفاتح الغازي
ملكت بالعفو والإحسان أفئدةً
كانت إلى السيف فيها بعض إعواز
وأنت لو شئت إرهابًا لجئتهمُ
بصارمٍ لنواصي القومِ حَزَّار
لكنما جئتهم بالعفو تأخذهم
والعفو أفضل ما يجزي به الجازي
فاغمدْ سيوفك إن العفو منصلتٌ
واهنأ بشعبٍ مُحبٍّ غير منحاز
بالترك بالروم بالألبان قاطبة
بالأرمنيين بالبلغار باللازِ
أما بنو العُرب فالإخلاص يرفعهم
إلى مقامٍ على الأقوام ممتاز
إذ هم عِمادٌ لعرشٍ أنت ماسكه
فاضرب بغاث العِدا منهم بأبواز
ورضْ بهم كل صعب، إنهم فئة
تبغي الصدور ولا ترضى بأعجاز
وهم ركاز العُلا لو زرت أرضَهمُ
يومًا لأركزت فيها أيَّ إركاز٦
إن يعجِز الأمر عن مشي فهم سندٌ
لو كنتَ مُسنده منهم بعُكاز
وإن خشيتَ على البلدان جِنَّتها
فنُطْ بها من نُهاهم بعض أحراز٧
وسيفُ مُلكِكَ إن رثَّت حمائلُه
أغنَوك في رأبها عن كلِّ خرَّازِ٨
زر أيها الملكُ المحبوب موطنهم
ولو زيارة عَجْلانٍ ومجتاز
وانظر إليه بعينٍ منك شافيةٍ
ما نابه اليومَ من جهل وإعواز
أشْئمْ وأعْرِقْ وَرُحْ من بعدُ محتجزًا
وأيمنَنَّ بعزم غير هَزهاز٩
ماذا على ملك الدستور من وطن
لو جال منه بأطراف وأجواز
١
لما أخذت حكومات البلقان تشتغل بإيقاد الفتن السياسية في مقدونيا وبلاد
الألبان، وخرج السلطان رشاد إلى البلاد المذكورة سائحًا سياحة سياسية، قال
الرصافي هذه القصيدة، وقد رفعها إلى السلطان فأجازه عليها بساعة من ذهب،
ذات سلسلة ذهبية.
٢
مستوفزون: متهيئون للوثوب عليكم، نحن على أوفاز: أي حد عجلة،
أو على سفر قد أشخصنا، والأوفاز: جمع وفز وهو العجلة.
٣
الهمَّاز، كشدَّاد: العيَّاب الطعَّان.
٤
نازي: أي واثب.
٥
أنشاز: جمع نشز بالتحريك، وهو المكان المرتفع.
٦
الركاز: ما ركزه الله في المعادن من ذهب وفضة.
٧
الأحراز: مفردها الحرز؛ ما يتخذ لدفع الشر والجنون.
٨
في رأيها: أي في إصلاحها. والخرَّاز: فعال من الخرز، وهو
خياطة الجلود.
٩
احتجز الرجل: أتى الحجاز، وأيمن: أتى اليمن. وقوله: «بعزم
غير هزهاز»؛ أي غير مضطرب.