العِلمُ والعَلَمُ
لواعجُ الهم في جنبيَّ تضطرمُ
والهمُّ مِقدارهُ من أهله الهممُ
كم قد أذاقتنيَ الأيامُ من حُرَقٍ
من فوقها أسفٌ من تحتها ألم
أكلما قلت شعرًا قال سامعه
نار تَفوهُ بها لِلناس أم كَلِم؟!
ما بال شعرك مثل النار ملتهبًا
يذكو، على أنه كالماء منسجِم؟
إنا لنعجب من شعرٍ تؤجِّجه
نارًا ولم يحترق في كفك القلم
لا تعجبوا فالأسى في النفس ملتهبٌ
والعزم متقد والهم محتدم
اسْتبردَ النارَ مَن حرَّت عزائمه
واستصغر الخطبَ مَن في نفسه عِظَمُ
وكيف يصبح من دنياه في دَعةٍ
من بات في نفسه الآمال تزدحم؟!
•••
أما المُعِزَّان في الدنيا فإنهما
هما على ما أراه العِلم والعَلَمُ
كلاهما ضامنٌ للناس حُرمتهم
هذا له الحكم أو هذا له الحِكم
من لم يك العَلَمُ الخفاق شارتهم
فليس يُجديهمُ العِلم الذي علموا
وليس ينفع قومًا لا علوم لهم
أن يُنشر العَلَمُ الخفَّاق فوقهم
فالعلم في أمَّةٍ ليست بحاكمة
كالسيف يحمله في الحرب منهزم
والعلم أوهن من أن يستظل به
إن لم تقم من سيوف تحته دِعَم
ما أحسن العَلَم الخفَّاق منتصبًا
به تشير إلى استقلالها الأمم!
•••
قد علَّمتني الليالي في تقلُّبها
أن الموفق فيها السيف لا القلم
وأن أصدق بَرْقٍ أنت شائمه
برقٌ تبسَّم عنه الصارم الخذِمُ
وأخصب الأرض أرضٌ لا تسُحُّ بها
إلا من النقع في يوم الوغى دِيَمُ
من كان يُكذبني أنَّ الحياة مُنى
فليس يكْذبني أنَّ الحياة دم
وأنه في كلا الحالين منبعها
يدور في الجسم أو في الأرض ينسجم
وأنه وهو فوق الأرض منتثرٌ
كمثله وهو تحت الجوف منتظم
إني أرى المجد في الأيام قاطبةً
إلى عبيط دم المحيا به قَرَم
فالمجد يَنبت حيث العلم منتشرٌ
من حيث تعترك الأبطال والبُهَم١
والمجد أعطى الظُّبا ميثاق معترفٍ
أن ليس يضحك إلا حين تبتسمُ
•••
فليذَهب اليأس عني خاسئًا أبدًا
إني بحبل رجائي اليوم معتصم
ولست ممن إذا يسعى لحادثةٍ
يسعى وأرجله بالخوف تصطدم
لا تسأمَنَّ إذا حاولتَ منزلةً
فيها يَرِفُّ عليك المجد والكرمُ
فالعيش تَستبشع الأذواق مَطعَمه
إذا تسرَّبَ في أثنائه السأم
وكن صَليبًا إذا عَضَّتك حادثةٌ
تعَضُّ منك بعُود ليس ينعَجِم٢
إن الخصال التي تسموا الحياة بها
عَزْمٌ وحَزم وإقدام ومُقتحَم
لا يَكسِب النفسَ ما ترجوه من شرفٍ
إلَّا الإباء وإلا العز والشَّمَم
لا يؤنسنَّك أَنَّ الحُرَّ محتقَرٌ
عند اللئام وأنَّ الوغد محترم
فالعقلُ يتِّهم الدهرَ المسيء بذا
وما يَعيبك أنَّ الدهر متهم
هذي ملامتكمْ يا قوم فاستمعوا
منها إلى كَلِمٍ في طيِّها حكَم
قد أنشدُ الشعر تعريضًا بسامعه
فهل وعى ما أردت السامعُ الفَهمُ؟
١
البهم: جمع بهمة، بوزن غرفة، وهو البطل الذي لا يعرف قرنه من
أين يناله؛ لقوته وشدة حذره.
٢
ينعجم: يتأثر بالعجم، وهو العض بالأسنان.