غادة الانتداب
دعْ مزعجَ اللوم وخل العتاب
واسمع إلى الأمر العجيب العُجابْ
من قصَّة وَاقِصَةٍ غصَّةٍ
تضحك بل تدعو إلى الانتحاب١
في الكوخ من بغدادَ مرَّت بنا
يومًا فتاة من ذوات الحجاب
لَبَّتُها مُوقَرَةٌ بالحلى
وكفُّها مشْبعة بالخضاب٢
ووجهها يَطمس سَحْناءَهُ
عنا ظلامٌ من سواد النقاب
تمشي العِرَضْنى في جلابيبها
مِشية إحدى المومِسات القِحاب
تَخْتلبُ الناسَ بأوضاعها
وكل ما يصدُرُ منها خِلاب
قد وضعت تاجًا على رأسها
يلمع في الظاهر لمع الشهاب
يُحْسَبُ من دُرٍّ بتمويهه
وهو إذا حقَّقته من سِخاب٣
كاسية الجسم أرق الكسى
موشيَّة الثوب بوشْي كِذاب
قد غُولط الناس بأثوابها
في أنها من معمل الانتخاب
وهي لعمري دونَ ما ريبةٍ
منسوجة في منسج الاغتصاب
فالغش في لحمتها والسَّدى
وكل ما يدعو إلى الارتياب
قال جليسي يوم مرَّت بنا:
مَن هذه الغادة ذات الحجاب؟
قلت له: تلك لأوطاننا
حكومة جاد بها الانتداب
نحسبها حسناء من زِيِّها
وما سوى «جنبول» تحت الثياب
ظاهرها فيه لنا رحمة
والويل في باطنها والعذاب
مصابنا أمسى فظيعًا بها
يا ربِّ ما أفظع هذا المصاب!
تالله قد حق لنا أننا
نحثو على الأرؤس كلَّ التراب
١
واقصة: اسم فاعل من وقصه؛ إذا دق عنقه، والمراد أنها مؤلمة
أشد الألم.
٢
اللبة: موضع القلادة. وموقرة: محملة.
٣
السخاب، ككتاب: خيط ينظم فيه خرز، تلبسه الصبيان
والجواري.