دمشق تندب أهلها
أنشدها في حفلة أقيمت في بغداد لجمع الإعانات لمنكوبي سورية سنة ١٩٢٦.
بكت في ظلام الليل تَندبُ أهلها
بصوتٍ له الصخر الأصم يلين
وباتت وقد جلَّ المصابُ حزينةً
لها في مناحي الغوطتين أنين
تئنُّ وقد مدَّ الظلام رِواقه
وخيَّم صمتٌ في الدُّجى وسكون
إذا هيَ مدَّت في الدجُنَّة صوتها
تميد له في الغوطتين غصون
وتلهب منه في الفضاء شرارة
فتبصرها في الرافدين عيون
وتهبو له في ساحل النيل هَبوة
أبو الهول منها واجدٌ وحزين
•••
ومن بعد وَهْنٍ أشرق البدر طالعًا
فأسفر منها عارض وجبين
فأبصرتُ منها الوجه أزهرَ مُشرقًا
بخدَّيه سر للجمال مصون
جمال بديعٌ بالجلال متوَّج
له سببٌ في المكرمات متين
وبَرْقَعَها حزنٌ فكان لوجهها
مكان من الحسن المهيب مكين
فتاة جَثتْ في الأرض تبكي وحولها
صريع على وجه الثرى وطعين
فضمَّت إلى الصدر اليدين وعينُها
تقاذف منها بالدموع شئون
وقد شخصت نحو السماء بطرفها
لها كلَّ آنٍ زفرة وحنين
وما أنسَ لا أنسَ العشية أنها
تورَّم منها بالبكاء جفون
وأنَّ غزيرَ الدمع خدَّد خدها
فلاحت من الأشجان فيه فنون
ولما انقضى صبري تراميت نحوها
كما ترتمي بالعاصفات سفين
وقلت لها: مَنْ أنت رحماك إنني
لك اليوم خِلٌّ صادق وأمين؟
فقالت وقد ألقت إليَّ بنظرة
عن القصد فيها مُعْرِبٌ ومبين
أنا البلدة الثَّكلى دمشقُ ابنة العُلا
أما أنت في مغنى دِمشق قطين
ألم ترَ أبنائي يُساقونَ للرَدى
فمنهم قتيل بالظُّبا وسجين
فأين أباة الضيم من آل يَعربٍ
ألم يأتِ منهم ناصر ومعين؟
فقلت لها: لبيك يا أمُّ إنهم
سيأتيك منهم بارز وكمين١
سندرك فيك الثأرَ من أنفس العِدا
ونوقد نار الحرب وهي زَبون٢
•••
فهذي دمشقٌ يا كرام وهذه
أحاديث عنها كلهنَّ شجون
١
بارز وكمين: أي ظاهر وخفي.
٢
الزبون: الدفوع، يقال: ناقة زبون، وحرب زبون: أي تدفع الناس
إلى الهلاك.