في طرابلس
هو النصر معقود برايتنا الحمرَا
على أنه في الحرب آيتنا الكبرى
حليفان من نصر مبين ورايةٍ
به وبها نعلو على غيرنا قدْرا
لئن أدبر «الطليان» عند كفاحنا
فإن لهم في بطش شجعاننا عذرا
فإِنا لقوم إن نهضنا لحادث
من الدهر أفزعنا بنهضتنا الدهرا
ندُك هضاب الأرض حتى نثيرها
غبارًا على أعدائنا يكثح الذعرا١
ونأكل مرَّ الموت حتى كأننا
نلوك به ما بين أضراسنا تمرا
فسلْ جيش «كانيفا» بنا كيف قومتْ
شِفارُ مواضينا خدودهم الصُّعرا؟
وكيف هزمناهم فولَوْا كأننا
وإياهم أسدُ الشرى تطرُد الحُمرا؟
وكم قد نثرنا بالسيوف جماجمًا
نظمنا بها فوق الثرى للعدى شِعرا!
وما جزعي للحرب يحمَى وطيسُها
ولكن لأرواح بها أزهِقت صبرا
•••
لكِ الله يا قتلى طرابُلسَ التي
بها حَكَّم الطليان أسيافهم غَدْرا
أداموا بها قتل النفوس نكاية
إلى أن أصاروا كل بيت بها قبرا
ولما أحاط المسلمون بجيشهم
فعاد الفضاء الرحب في عينه شبرا
تقهقر يبغي في الديار تحصنًا
ففر بها من خشية الموت واستذرى٢
وأصبح يُنِكي أهلها من تغَيُّظٍ
فيقتلهم صَبرًا ويُرهِقُهم عُسرا
فأوسعهم بالسيف ضَرْبًا رقابهمْ
وآنافهم جَدعًا وأجوافهُمْ بَقرا
وما ضر «كانيفا» اللعينَ لوَ انَّه
تقحَّمَ في الهيجاء عسكرَنا المَجْرا!
أيحجِمُ عنا هاربًا بعُلوجه
ويَبغي بقتل الأبرياء له فخرا؟!
وهل حسبوا قتلَ النساء شجاعةً
وقد تركوا عند الرجالِ لهم ثأرا؟!
لقد شجُعوا والموت ليس له يد
ولم يشجُعُوا والموت يَطعنهم شَزْرا
يعِزُّ على أسيافنا اليومَ أنها
تقارع قومًا قرعُهم بالعصا أحرَى
ولم تك لولا الحربُ تعلو سيوُفنا
رءوسًا نرى ملءَ القحوف بها عهْرا٣
ومن مُبكيات الدهر أو مضحكاته
لدى الناس حُرٌّ لم يكن خصمهُ حرا
•••
لئن «أيها القتلى» أريقتْ دماؤكم
فما ذهبت عند العِدا بعدكم هَدْرا
سنثأر حتى تسأمَ الحربُ ثأرنا
ونقتلُ عن كل امرئ أنفسًا عشرا
وإني لتغشاني إذا ما ذكرتكم
لواعجُ حُزن ترتمي في الحَشا جَمرا
على أنَّ قُرص الشمس عند غروبها
يذكرني تلك الدِّماء إذا احمرَّا
فأبكي تجاه الغرْب والبدر لائح
من الشرق حتى أبْكي الشمس والبدْرا
ويا أهلَ هاتيكَ الديارِ تحية
توفِّيكم الشكر الذي يرْأس الشكرا
فقد قمتُمُ للحرب دون بلادكم
تذودون عن أحواضها البغيَ والنكرا
وثرتم أسودًا في الوَغى يَعرُبيَّةً
غدا كل سيف في براثنها ظُفْرا
تراها لدى الحرب العَوانِ مُشيحةً
تهمْهمُ حتى تُنْطِقَ الفَتكةَ البِكرا٤
ولو أنَّ كفِّي تستطيعُ تناوشًا
فتبلُغ في أبعادها الأنجمَ الزُّهرا
لرتَّبْت منها في السماء قصيدةً
لكمْ واتخذت البدرَ في رأسها طغْرا
وخلدتها آيًا لكم سَرْمدِيةً
مدائحها تستوعب الكون والدهرا
يقولون: إن العصرَ عصر تمدن
فما باله أمسى عن الحق مزورَّا
إلى الله أشكو في الورى جاهلية
يَعُدُّون فيها من تمدنهم عصرا
أتتنا بثوب العلم تمشي تبخترًا
إلى الخير لكن قد تأبَّطَتِ الشرا
فلا تلتمظ في مدحها متمَطِّقًا
فإن أظهرت حُلوًا فقد أبطنت مُرَّا
لقد مَلكَ الإفرنج أرض مَراكشٍ
وقد ملكوا من قبلها تونِس الخضرا
ففاجأنا الطليان من بعد مُلكهم
لكي يسلبونا في طرابُلس الأمرا
وقالوا: ألم تأتِ الفرنجةُ تونسا
وهذي جيوش الإنكليز أتت مِصرا
فخلُّوا لنا ما بين هذي وهذه
وإلا قسرناكم على تركها قَسرا
فقلنا لهم: إنَّا أحقُّ بمِلْكها
فقالوا: ولكن زَنْدُ قوَّتنا أورَى
أهذا هو العصر الذي يدَّعونه
فسُحْقًا له سُحقًا ودَفرًا له دفرا!٥
١
يكثح الذعر: أي يسفيه ويذروه، فيرميه عليهم.
٢
استذرى: استتر واختبأ.
٣
القحوف: جمع قحف، وهو عظم الرأس المجوف.
٤
مشيحة: أي جادة، أو مقبلة على الحرب، مانعة لما وراء ظهرها.
وتهمهم: أي تردد زئيرًا في صدورها، يقال: همهم الأسد: إذا سمعت
له دويًّا. والفتكة البكر: التي لم تسبق بمثلها.
٥
سحقًا له: أي بعدًا. ودفرًا له: أي نتنًا.