الجيش بقائده١ أو هزيمة «لولا برغاز»
يا مَوطنًا ما انتضيناها مُهنَّدةً
إلا لردع الأعادي عن إهانتهِ
ولا ركبنا مَنايانا مُطهَّمة
إلا لنكسب عِزًا من صيانته
سَقيًا ورعيًا لروض منك ذي أنَقٍ!
قد كانت الحربُ تذوي غُصنَ بانته
تالله لم ينكسر في الحرب عسكرنا
من أجل قِلَّته أو من جَبانته
وكيف وهو تفوق الطَّيس كثرته
وتستعير الرواسي من رزانته٢
لكنَّ قائدَه ما كان يَمأنهُ
ولا يبالي بأمر من مَعانته٣
حتى لقد نفدتْ في الحربِ عينتهُ
بحيث لم يبقَ سهم في كنانته٤
فظل يرْسف في النيران مُرتبكًا
مستفرغًا كل جُهدٍ من متانته
حتى غدا جُلُّه للنار مأكلة
وما تزحزح شِبرًا عن مكانته
ولا استكانَ لهول الحرب من فرَقٍ
بل كان يَفْرَق من هَول استكانته
فخاض غَمرَ المنايا صابرًا وأبى
على الفرار انغمارًا في مهانته
ليس الفرار لجند المسلمين ألا
إن الفِرار لَكفرٌ في ديانته
وكيف يَغلب جيش كان قائدهُ
يَحفُّه بجيوش من خيانِته؟!
فالجيش تلتهم النيران أنفُسَه
وقائد الجيش لاهٍ في مجانته
أقام في القصف والأجناد طاوية
مُعاقرًا بهناءٍ بنت حانته
صَبْحانَ غبقانَ في أقسى مُعسكره
مُحرَورفًا بين رهْطٍ من بِطانته
تلقاه من بين ذاك الرهط في مَرحٍ
كأنه الجأبُ ينزو بين عانته٥
لهفي على الجيش جيش المسلمين فقد
قضى ولم يقضِ شيئًا من لبانته
١
قال الرصافي هذه القصيدة لما انكسر الجيش العثماني في معركة «لولا
برغاز»؛ وذلك في الحرب البلقانية العثمانية، وكان قائد الجيش العثماني إذ
ذاك ناظم باشا، الذي قتله الاتحاديون في الآستانة.
٢
الطيس: كل ما في وجه الأرض من التراب والقمام، والكثير من
الرمل وغيره، والمراد به هنا مجرد الكثير.
٣
قوله: «ما كان يمأنه»: أي ما كان يقوته، يقال: مأن القوم
يمأنهم مأنًا: إذا احتمل مئونتهم؛ أي قوتهم. والمعانة: العون
كالمعونة.
٤
قوله: «نفدت عينته»، العينة بالكسر: مادة الحرب، وهي ما
تسميه العامة اليوم بالمهمات الحربية.
٥
الجأب: الفحل الغليظ من حمر الوحش. والعانة: القطيع من حمر
الوحش.