رؤياي الصادقة
حياكُم اللهُ أيها العربُ
فاستمعوا لي فقصَّتي عجبُ
قد بتُّها ليلة مُطوَّلة
يعقد جفني بنجمها الوَصبُ١
أنجمها الزهرُ غيرُ سائرةٍ
كأنما كل كوكب قطب
تحسبني في مضاجعي حسك
يقلبني وخزهُ فأنقلب
أمشي إلى النوم وهو منهزم
مَشيي دَبيبٌ ومشيه خَبب
حتى بدا الفجرُ لي وقد طَفقت
تغرَق في فيض نورِه الشهب
عندئذٍ خدَّر الأسى عَصبي
فنمتُ والنومُ جرَّه التعب
فطاف بي طائفٌ لروعته
يرتجف القلبُ وهو مُرتعِب
رأيتني قائمًا على نشَزٍ
من ساحل البحر وهو مضطرب
والأفق محمرَّة جوانبه
كأنما الجو ملؤه لهب
وفي عنان السماء قد طلعت
أهلَّةٌ في إزائها صُلب
والأرض قد بعثرت ضرائحها
مكشوفة لا تغمُّها الترب
والموت كالكبش في جوانبه
يَرعى نفوسًا كأنها عُشُب
وبين تلك القبور غانية
يلمع في حرِّ وجهها الحسَب
لها جبينٌ كأنه قمر
تحت شعورٍ كأنها الذهب
ووجنة باللطم دامية
وساعدٌ بالدماءِ مختضب
قد أذبل الجوعُ ورْدَ وجنتها
فاصفر وامتصَّ ماءَه اللَغب٢
شاخصة الطرف وَهي جاثيةٌ
تحملها دون سوقِها الركب
حاسرةُ الرأس غير ناطقةٍ
إلا بدمع لسانه ذَرب
فلحظها فوق رأسها صُعُدٌ
ودمعها تحت رجلها صَبَب
مكتوفة الساعدين منكسر
من حَزنٍ طرفها ومكتئب
قد وتدوا القيد في مُخلخَلها
ومدَّدوه كأنه طُنب٣
ترى خدوشًا على مُقلَّدها
كأنها في صفيحةٍ شُطب٤
وحولها أنفسٌ مُصرَّعة
يسرَح فيها ويمرحُ العَطب
واحتَوَشتْها كلابُ مجزرةٍ
مهترِشاتٌ يهيجها الكلب٥
تنهشُها تارةً وآوِنة
تنبح من حولها وتصطخب
وفوقها الطيرُ وهي حائمة
تبعد من رأسها وتقترب
بِيض المناقير ذات أجنحة
خُضر وريش كأنه العُطب٦
يَقدُمُها طائر قوادمُه
تلمع كالبرق حين يلتهب
تضطرب الأرض والسماء له
إذا غدا بالجناح يضطرب
وقفت أرنو إلى ملامحها
ووجهها بالدموع مُنتقب
حتى تعلمت أن سَحْنتَها
للعرب الأكرمين تنتسب
وبينما كنت ممعنًا نظري
فيها وقلبي كقلبها يجب
إذ هاتفٌ في السماء يهتف بي
كأنه في الغمام محتجِب
يقول لي: إنها «طرابُلسٌ»
تبكي على أهلها وتنتحب
وهذه الطير حيث تبصرها
محمد والصحابة النجُب
فتلك رؤياي غير كاذبة
فهل تغيثون أيها العرَب؟
يا شيخ روما ومن لرايته
وتاجه يُنتمى وينتسَب
لستَ ولا قومُك اللئام بمن
تُعرف أمٌّ لمثلهم وأب
وإنما أنتُمُ بنو زمن
إذا ذكرناه تخجل الحِقب
برومةٍ قبلُ وهي مَبولةٌ
بَالَكمُ الدهرُ وهو مغترب
فعشتُم في الورى سَواسية
لا حَسبٌ عندكم ولا أدَب
ما أوقد الدهر نار مخزية
إلا وأنتم لنارها حطب
أغسِل شعري إذا هجوتكمُ
لأنه من هجائكم جُنُبُ
١
الوصب: المرض والوجع الدائم.
٢
اللغب بفتحتين: أشد الإعياء.
٣
قد وتدوا: أي ثبتوا، ويجوز أن يقرأ بتشديد التاء
أيضًا.
٤
الصفيحة: السيف العريض. والشطب: جمع شطبة، كظلمة، وهي طريقة
السيف في متنه.
٥
قوله: «واحتوشتها» أي: أحاطت بها فجعلتها هي في وسطها.
والمجزرة: موضع اجتزار الجزور. ومهترشات: متواثبات متحرشات
بعضها على بعض.
٦
العطب، بضمتين، وبضم فسكون: القطن.