دموع الصداقة
أنشدت في المأتم الذي أقيم في بغداد للمرحوم عبد المجيد بك الشاوي.
عبدُ المجيد قضى فوَا أسَفا
ماذا يُفيد تأسُّفي جَزَعا؟!
قم وَيكَ نبكِ المجدَ والشرفا
ونُعَزِّ طَرْف العين ما دمعا
فلقد فقدنا سيِّد الظرَفا
وأجلَّ ساعٍ للعلاء سعى
لم يتخذ غيرَ العلا هَدَفا
عن قوس همته إذا نزَعَا١
خبر طويتُ حشاي مرتجفا
من هوله وسقطت مُنصدِعا
ألقى بوجه حياتِنا كلفا
أو عاد لون العيش ممتقعا٢
فالدمع من عيني إذا وَكَفا
جَلَلٌ وإن أرسلته دفعا٣
صاحبت منه أخا نهًى ووفا
يزهو الندِيُّ به إذا اجتمعا
فسمعتُ من أقواله طُرَفا
ورأيتُ من أفعاله بِدَعا
ساء المكارمَ كونُه دِنفا
يشكو إلى عُوَّاده الوجعا
الداء أذهب نفسه تلَفا
بُذِلَ الدواء له فما نجعا
بيروت منه أحرزت شرفا
لمَا غدت لِعُلاه مُضطجعا
لكنما قلب العراق هَفا
حزنًا عليه إذ به فُجعا
وكفى بسعدونٍ له خلفا
لفعاله في المجد مُتبعا
يمشي على آثاره الخطفَى
ويقوم بالأعباء مضطلعا
•••
«عبدُ المجيدِ» قضى فوا حرَبا
ماذا يرد إليَّ وا حَربي؟!
إن الرزايا قد قضت عجبا
مما رُزِئنا من ذوي الحسبِ
رزءٌ أثار الحزن ملتهبا
في كل قلب أي ملتَهَب
وأسال غرب الدمع منسكبا
من كل عين إثر منسكب
وأمرَّ حلو العيش فانقلبا
بمحاوليه شر منقلب
فبكاه من بغداد مُنتحبا
في جانبيها كل ذي أدب
يا راحلًا بالداء مغتربا
يبغي الشفاء له من الوصب
أوتيت فضلًا في النهى عجبا
يأتي من الآراء بالعجب
كم كنت تكشف فيه محتجبا
وتنال أقصى الأمر من كثب
فبنيت مجدًا منك مكتسبا
من بعد آخر غير مكتسب
وبك العروبة قد زهت نسبا
يُزْهى بغبطة كل ذي نسب
قد كنت من عربيَّة عَصبا
والحسُّ مصدره من العصب
إنا فقدنا الظَّرف والأدبا
وفقدت يا سعدون خير أب
يا أكرم المتهذبين أبا
صبرًا لفقدك أكرم العرب
إذ كنت أنت لمثله عَقِبا
أكرِمْ بمثلك أنت من عَقب
١
نزع: رمى بالسهم.
٢
الكلف: جمع كلفة، وهي اغبرار لون الوجه.
٣
وكف الدمع: سال قليلًا قليلًا.