أبهة الدولة في عصر هارون الرشيد
أحيطَ الرشيد بأبهة الدولة ومباهجها مما أخذته الدولة العباسية عن الفرس؛ ذلك أنَّ مجالس الخلفاء الراشدين كانت ساذجةً بسيطةً، في المسجد، أو في المنزل، يقعدون على حصير أو جلد، ويلتفون بعباءة أو نحوها، ولا حرس ولا حُجَّاب، وإذا بعثوا قائدًا مشى الخليفة في وداعه بلا حرس ولا طبول، ولم تكُنْ هناك حِجَابة ولا حُجَّاب، بل كان مَن أراد الاستئذان على الخليفة يقف على الباب، ويقول: «السلام عليكم … أدخل؟» يكررها ثلاثًا، فإنْ قيل له: «ادخل» دخَل، وإنْ لمْ يُجَبْ لم يَدْخل، ثم اضطر الخلفاء الراشدون أنفسهم للحُجَّاب للازدحام، فَلَمَّا فَتَحوا الفتوح مِن أقطار كان يحكمها الرومانيون، وأقطار كان يحكمها الفرس، قلَّدهم الأمراء والخلفاء في مظاهر الأبهة، واتخاذ الحُجَّاب.
وقد بدأ ذلك معاوية بْن أبي سفيان في دمشق، وأشاروا عليه بضروب مِن الفخفخة، فرتبوا الناس مراتب في الدخول على الخليفة أو الأمير، يؤذن أولًا للأشراف نسبًا، فإذا تساووا في النسب قدموا أكبَرهم سنًّا، فإذا تساووا في السن قدموا أكثرهم أدبًا، وقلَّد الأمويون ملوكَ الروم، وقلَّد العباسيون أكاسرةَ الفرس في مجالسهم ومظاهر أبهتهم.
أبهة واستبداد
فلما جلس الرشيد كانوا ينصبون له في الساحة الكبيرة في القصر سريرًا وكراسي، ويفترشون له الطنافس والمصليات، والوسائد تُطوى طيتين، وكانت الستور تقام لتحجب الخليفة إذا أراد، وتزاح إذا أراد، ثم عَيَّنوا الحُجَّاب على الأبواب ليمنعوا الدخول على الخليفة إلا بإذن، فإذا أذِن الخليفة أو الأمير لأحد تقدم بالسلام، وربما أضافوا إليها السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، وربما قَبَّلوا يد الخليفة عند التحية إذا أحس القادم رغبةً مِن الخليفة في ذلك، فلما ازدادوا عظمةً ترفعوا عن مد يدهم للداخلين.
وفي عهْد العباسيين اختُرعَت بدعة تقبيل اليد أو الكُم، فإذا استعظموا قائدًا منعوه مِن تقبيل يدهم أو كُمهم، ثم يجلسون في مجلس الخليفة حسب مرتبتهم، يتولى إجلاسهم في مجالسهم الحاجب، وهذه تختلف باختلاف الدول …
فكان الأمويون في عهْد بني أمية يُجلسون الأمويين أقْرب مجلس للخليفة، أما العباسيون فكانوا يُجلسون بني هاشم أقْرب مجلس إليهم؛ لأنهم أنفسهم مِن بني هاشم، وإذا أجلسوا بني هاشم أجلسوهم على الكراسي، وأقعدوا بني أمية أعداءهم على الوسائد، وقلَّما كان يكون ذلك، وقد مَنَع الخلفاء العباسيون الكلام، ومخاطبة الزائرين بعضهم لبعض في مجلس الخليفة، ولا ينهض أحد لداخل إلا إذا نهض الخليفة، ثم هم لا يبدأون الخليفة بكلام إلا أن يبدأ، فإذا لم يكلمه ظَل ساكتًا.
•••
ولم يَشِذَّ عن ذلك إلا المأمون؛ لرغبته في سماع الجدل والمناظرة، وغلبة ذلك عليه أكثر مما يميل إلى التقاليد المرعية، وربما قلده فيه غيره مِن بعْض الخلفاء الذين أتوا بعده، ومنعوا أن يُؤْمر أحد في حضرة الخليفة بأمر ليكون هو الآمر وحده، وطلبوا إلى الداخل أن يُصْغِيَ بكُل جوارحه إلى الخليفة، وينتبه كُل انتباهاته إلى إيماءات الخليفة وإشاراته، ومنعوا أن يُعَزى الخليفة، وأن يُسأل كيف أصبح، وكيف أمسى، وإنما يجُوز ذلك لطبيبه الخاص، وبالَغوا في الحُجَّاب.
وكان لكُل خليفة كلمة أو إشارة يقولها عند الإذن مِن حضرته بالانصراف، فكان السفاح — مثلًا — يتثاءب، ويلقي المروحة من يده، وكان المأمون يعقد الإصبع الوسطى بإبهامه، وكان مَن انصرف يُوَجِّه وجْهه نحْو الخليفة حتى يصل إلى الباب بظهره ثم ينصرف، وكان على باب قصر الخلد في عهد الرشيد مكان يجتمع فيه الوفود مِن شعراء ومغنين ومضحكين، لعله يخطر ببال الخليفة طلبُ نوْع منهم، وتكون له الحظوة، وشجع على ذلك كثرة ما كان يعطيه للوافدين، أو مما يعرضه تجار الجاريات والسلع، وكثيرًا ما تصطدم عطاءاته برغبة الوزير، كالذي حُكيَ أنه أَمَر مَرة بشراء جارية مغَنِّية بآلاف من الدراهم، فاستكثرها يحيى البرمكي … فأحضر المبلغ، وَكَوَّمه في مكان يطَّلع عليه الرشيد في ذهابه إلى الوضوء وجيئته.
فلما رأى الرشيد المبلغ استكثره، ومع ذلك صمَّم على تنفيذه إرادته، وانتقد يحيى البرمكي في سره حتى قالوا: إنَّ هذه الحادثة أيضًا مِن أسباب نكْبَتهم …
•••
ولقد كان المَظْهر مَظْهر أبهة وفخفخة واستبداد وتقاليد دقيقة، في الجلوس والحديث والانصراف، مما ورثوه عن الأكاسرة مِن قَبْل، ولا يعرفها الإسلام، وهذه كلها خلعت قلوب الناس، وأماتت روحهم، وجعلتهم كأنهم أحجار شطرنج مفقودة الإرادة، كما أنَّ هذه السلطة الواسعة للخليفة مكَّنت للرشيد أن يتصرف في الناس تصرُّف الحاكم المستبد المطْلَق الحرية، ولولا ذلك ما أمْكَنه أنْ يُقبل — مثلًا — كُل الإقبال على البرامكة، فتكون لهم السُّلطة المطْلَقة … ثم يَنْقلب عليهم، ويَنْكُل بهم، ويصادر أموالهم، ومَن يلوذ بهم.
فالنظام السائد إذ ذاك كان نظامًا منسجمًا يناسِب بعْضه بعضًا؛ ففي حُكْم الرشيد — مثلًا — استبداد لا إلى حَدٍّ أحيانًا، وسماحة لا إلى حَدٍّ، ولا يدري مَن يَطْلبه الخليفة أذاهب هو إلى القبر؟ أم راجع بآلاف الدنانير؟ إذ لا قوانين ولا اتهام، ولا دفاع للمتهَم عن نفْسه، ولا عَمَل بقانون شرعي أو قانون وضعي، فرقاب الناس كلهم معلَّقة بفم الخليفة … قد يأمر بالسعد كُلِّه، وقد يأمر بالشقاء كُلِّه، وكُل الأمور من معاملة الولاة للرعية، والرعية للوالي، وعلاقات الناس بعضهم ببعض تتشابه، وقديمًا قالوا: «الناس على دين ملوكهم.»
ومع هذا فيجب أَنْ نَنْظر للرشيد على أنه حاكم شرقي مستبد له كُل مزايا الحاكم المستبد مِن إغناء مَن شاء، وإسعاد مَن شاء، وسرعة التنفيذ فيما يرى، والخضوع والطاعة مِن غيْر تعَب، وفيه رزايا الحاكم المستبد مِن سفْك دماء مَن شاء، وسلب الناس حقوقهم وحرياتهم، وخضوع الناس للهوى الذي لا يعرف أين يتجه، لا لقانون معروف، ونحو ذلك.
ميزانية الدولة
-
١٠٠٠ دينار في اليوم أرزاق أصحاب النوبة من بوابين ومماليك.
-
١٥٠٠ دينار في اليوم أرزاق الفرسان.
-
٦٠٠ دينار في اليوم أرزاق المختارين مِن الجند.
-
٣٣٣ دينارًا في اليوم نفقات المطابخ الخاصة والمخابز.
-
٤ دنانير في اليوم أرزاق السقايين بالقرب في القصر.
-
١٠٠ دينار في اليوم أرزاق الحشم مِن المستخدَمين لخزائن الكسوة والصناع والرفائين والمطربين.
-
٤٤ دينارًا في اليوم أرزاق الجلساء، وأكابر الملهين، ومَن يجري مجراهم.
-
٤٠٠ دينار في اليوم ثمَن علوفة للخيول في الاصطبلات.
-
٢٠ دينارًا في اليوم أرزاق مشايخ بني هاشم، والخطباء في المساجد.
-
٣٣ دينارًا في اليوم أرزاق لبني هاشم مِن العباسيين والطالبيِّين.
-
٤ دنانير في اليوم ثمَن النفط للنفاطات والمشاعل ومَن يخدمها.
-
٥٠ دينارًا في اليوم نفقات السجون.
-
١٥ دينارًا في اليوم نفقات البيمارستانات … إلخ.
وقد جُمعت النفقات كُلُّها فكانت جملتها ٦٩٧٤ دينارًا في اليوم، أَمَّا الدخل فكان مِن الصدقة، والزكاة، والجزية، والخراج، والمكوس، وأعشار السفن، وأخماس المعادن، والمراصد «الجمارك»، وغلات ضرْب النقود، وضرائب الصناعة … إلخ.
وكان فضلُ خليفةٍ على خليفة، وعهْد على عهْد في الموازنة بيْن الدخل والخرج، أَمَّا إذا اختلت الميزانية فقد اختلت شئون الدولة، ويكون ذلك مِن قِلة الدخل مع كثرة الخرج، أو مِن كثرة الدخل مع قلة الخرج، وضياع المصالح.
•••
وكانت مراسيم التعيين في غاية من الروعة والبهاء؛ فكان مَن يُستوزَر يأتي إلى القصر بعْد أَنْ يصِلَه الكِتاب الرسمي يحمله إليه أميران مِن أمراء الدولة، وعند خروجه إلى باب الخليفة يُقَدِّمه الحاجب إليه، فيتحدث إليه قليلًا ثم يذهب إليه قليلًا، ثم يذهب إلى حجرة أخرى، فيلبس لباس التشريف، ثم يعود فيُقبِّل يد الخليفة، وينصرف إلى الديوان ممتطيًا فرسًا مطهمةً، وبين يديه كبار الموظفين والجيش والأمراء وموظفو البلاط، وعندما يصل إلى ديوانه يقرأ عليهم مرسوم التعيين.
مجلس الخليفة
وكان مجلس الخليفة — ويُسمى مجلس العزيز — يقابل الباب العالي في الدولة العثمانية، وكان مِن أهمِّ الدواوين: ديوان الخراج، وديوان الضِّياع السلطانية، أو كما نسميه اليوم ديوان الخاصة الملكية، وديوان الزمام، وهو ما يقابل اليوم مراقبة الحسابات، وديوان الجند، وديوان الموالي والغلمان، وديوان البريد، وديوان زمام النفقات، وديوان التوقيع، وديوان الأحداث والشرطة، وديوان العطاء، وديوان المظالم، وهو ديوان أعلى مِن المناصب القضائية؛ لأنه كان ينظر في المظالم التي يُتَّهم فيها الملوك أو الخلفاء أو الأمراء أو الولاة على العهد أو أولاد الخلفاء، أو نحو ذلك ممن لا يستطيع القاضي العادي أَنْ يُنْفِذ فيهم كلمته، فكان هذا الديوان يسمع الشكاوَى مِن هؤلاء الخاصة، ويستطيع بواسطة رياسة الخليفة أنْ يُنْفِذ كلمته.
وقد كان الرشيد — ومِن بَعدِهِ المأمون — يرأسان هذه المجالس، وكانوا يُفردون يومًا خاصًّا للنظر في أقوال المتظلمين، ويقولون: إنَّ أوَّل مَن فَعَل ذلك عبْد المَلِك بْن مروان في الدولة الأموية، ثم عُمَر بْن عبْد العزيز، ثم وقف العمل إلى أَن استقرت الدولة العباسية وَرَأَسَهُ المهدي، ثم الهادي، ثم الرشيد، ثم المأمون.
واستمر العمل به إلى زمن المهتدي بالله، ثم عَهِدَ الخلفاء النظر في المظالم إلى قاضي القضاة، أو إلى بعض عظماء الدولة. وكان يُعرَف أنَّ المأمون كان يجلس للمظالم يوم الأحد مِن كُل أسبوع، ولسنا نعلم أيَّ يوم كان يجلس الرشيد فيه للقضاء في هذه المظالم.
دار الضرب
وكانت هناك دارٌ تُسمى دار الضرب، تُضرب فيها النقود … أُنشِئت في بغداد، والقاهرة، ودمشق، والبصرة، وكان على دور الضرب هذه ضريبةٌ على ما يُضرب فيها من النقود، مقدارها درهم عن كُل مائة درهم، وربما اختلفت الضريبة باختلاف المُدُن، وتجَمَّع مِنْ ذلك دخْل كبير للدولة، أما مقدار ما كان يُضرب فلَمْ نَعْرفه بالضبط. غيْر أننا رأينا بعض المؤرخين يقول: إنَّ دار الضرب في الأندلس على عهْد بني مروان كانت تَضْرِب مائتي ألف دينار في السَّنة.
وكانت صناعة الضرب هذه صناعة ساذجة بدائية … قالب مِنْ حديد تنقش فيه الكلمات التي يراد ضربها على النقود مقلوبة، يسيحون الذهب والفضة بمقدار، ويصبونها في هذه القوالب، ويطرقونها بمطرقة ثقيلة، ويسمون هذه الحديدة «السكة»، وهناك عمال كثيرون في هذه الدار … من وازن وضارب، ونحو ذلك.
القضاء
ولكل ديوان اختصاصاته، بعضها إداري وبعضها قضائي، كديوان القضايا، وكان على جانب عظيم من الأهمية، وكانت كل القضايا لغير المسلمين تُوكَل إلى رؤساء ديانتهم، أما المسلمون فكان يَفصل بينهم القضاء، وكان في كُلِّ حاضرة قاضٍ يتبعه قضاة في النواحي التابعة للمدينة، وكان قاضي بغداد يسمى قاضي القضاة، وهو في الواقع رئيس قضاة المملكة الإسلامية كلِّها، أَمَّا القضايا الخاصة بيْن الناس فتُعهد إلى صاحب ديوان المظالم كَما ذكَرْنا، وأحيانًا يرأس الجلسة الخليفةُ نفْسه، وينوب عنه في غيابه أحد كبار الموظفين، وأعضاؤها: قاضي القضاة، والحاجب، وكبار رؤساء الدواوين، وكان من العادة المألوفة ألَّا تُقبل شهادة كُل شاهد، وإنما يُختار جماعة مِنْ حسني السيرة، أو على الأقل مستوري الحالة يُسَمَّون عادةً بالعدول، ولا تُقْبل الشهادة إلا منهم، فمن أراد أَنْ يُثْبِت حادثةً حدثت تَحرَّى أَنْ تؤدَّى أمامهم، وكانت على العموم محاكم بدائية لم تُنَظَّم تنظيمًا تامًّا إلا في عهد نور الدين محمود زنكي.
الزراعة والصناعة
وعُني في عهْد الخلفاء العباسيين بالزراعة، وخاصةً في الولاية التي بين دجلة والفرات؛ فامتدت شبكة من القنوات في الترعة لا تزال آثارها المطمورة باقيةً إلى اليوم، والترع الكبيرة تمخر فيها السفن الكبيرة، هذا القسم الذي بين دجلة والفرات هو الذي يسمى سواد العراق لكثرة خصبه. وعنوا عنايةً كبيرةً بفحص المواد المعدنية، واستخراج الحديد والرصاص والفضة من فارس وخراسان، كما استخرجوا الزمرد من تبريز، والملح والكبريت من شمالي فارس، والقير والنفط من كورجيا، ومِن ثَم أنشأوا إدارةً للمناجم، ووَلَّوا عليها مديرين أكْفاء.
كما كانوا يشجعون الصناعات: كصنع الصابون والزجاج، وشِيدت لهما مصانع في بغداد وسامرا، واشتهرت مصر وسمرقند وبغداد بصنع الورق، وأُتِيَ إلى بغداد بطائفة مِن مهَرة هذه الصناعة، وأُسِّست مصانع للتطريز، وتفوقوا في صناعة الحرير والأطلس والأنسجة الحريرية والسجاجية الفاخرة، وقد اشتهرت الكوفة بكوفياتها الحريرية، وغيرها.
واشتهرت صناعة العباءات النفيسة من حرير الخز، وعلى الجملة اشتهرت كُلُّ مدينة بصناعة، وَعُلِّقت المصابيح البلورية في المساجد ومساكن الأغنياء، وكانت مزدانة بالنقوش الجميلة والآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية، وكانت تُصنع هذه المصابيح على أشكال مختلفة، وتباع إما للاستعمال أو للزينة، وقد بقيت منها بقية أثرية إلى اليوم، ويصف لنا بشار — الأعمى — كأسًا عليها صورة كسرى بقلنسوته، ورُسم حد للخمر الصرف، ورُسم حد آخر للماء الممزوج به.
ازدهار التجارة
وازدهرت التجارة في عهد هارون الرشيد، وكانت أول الأمر في يد اليهود والنصارى، ثم انتقلت إلى المسلمين، وقد كثرت أسواقها، واتسعت مناحيها، حتى وصلت إلى الصين، وهم يَتَّجِرون في الحرير، والأحجار الكريمة، والأقمشة المزخرفة، والزجاج الملون، ونحو ذلك.
وكانوا ينقلون بضائعهم على قوافل متعددة تُسلِّم كلُّ قافلةٍ ما بَعْدها كمراحل البريد.
وقد هَمَّ الرشيد بحفر قناة السويس قبْل ديلسبس بألف عام، وامتدت تجارتهم شرقًا إلى إندونيسيا، وغربًا إلى مراكش وإسبانيا، ويدل على ازدهار التجارة في عهد الرشيد وخلفائه كثرة الدخل الذي كان يُجبى من الأقطار الإسلامية.
الجيش
واشتهرت الدولة العباسية بمهندسين يشيدون العمارات الفخمة، وبعضهم اختص ببناء الحصون، وبعضهم أَلَّف الكتب في الهندسة الحربية؛ كالتعبئة وطرق الاستيلاء على الحصون، وتشييد القلاع والفروسية والحصار، وصفات الخيول وأنواع الخيالة، وكان النظام السائد هو نظام الإقطاع، وهو جمع قطيعة، وسميت أماكن كثيرة بقطيعة فلان، وكان مرتب الجندي مائة درهم شهريًّا — وَزِيدَ بعْد ذلك في العصر العباسي — وهذا للجندي الراجل، أَمَّا الفارس فكان مرتبه ضعف ذلك، عدا ما يمنحه الخليفة للجنود في المناسبات المختلفة.
واشتهر نظام في الجيش يسمى نظام الموالي؛ فكان لكل خليفة جيش ينتمي إليه، وكان مِنْ مقتضى هذا النظام تَعَلُّق الجنود بمولاهم والاعتزاز به والتحصن به.
وكان هناك ديوان يسمى ديوان العرض ملحَقًا بديوان الحرب، من وظيفته استعراض الجند، ومعرفة كفايتهم.
ولذلك نجد أناسًا كثيرين يُلَقَّبون بالعارض، وكان لكل مرفق من مرافق الدولة مفتش يسمى بالمشرف، وكان مفتش الري والزراعة يسمى مفتش الأقرحة، ومن وظيفة هؤلاء المفتشين التفتيش، كُلٌّ في دائرة اختصاصه، ورفع التقارير عنها إلى الخليفة.