داخل القصر الأبيض!
خرج الشياطين في إجازة هذه المرة، واختاروا مدينة «أصيلة» في المغرب لقضاء الإجازة هناك؛ فالمدينة تقع على شاطئ المحيط الأطلسي … بالإضافة إلى أن المغرب قريبة من أوروبا، ولا يفصلها عنها إلَّا مضيقُ «جبل طارق». لقد كان البعضُ سعيدًا بالإجازة، لكن البعض الآخر كان يفضِّل الاشتراك في مغامرة جديدة، وهكذا خرج الشياطين متجهين إلى المغرب. وعندما وصلوا إلى ميناء «طنجة» المغربي؛ حيث قرروا أن يقضوا الليل هناك، ثم يتجهوا إلى «أصيلة» وصلَتهم رسالة من رقم «صفر» تطلب منهم انتظارَ تعليمات جديدة. وكانت فرحتهم غامرة. فما دام رقم «صفر» قد طلب انتظار التعليمات، فإن ذلك يعني أن هناك مغامرة جديدة في الطريق. وقبل أن ينتهيَ اليوم، كانت تعليمات رقم «صفر» قد وصلَت إليهم.
كان «أحمد» يستقبل الرسالة الشفرية الطويلة، ويُترجمها بسرعة، وعندما انتهَت كاد يقفز فرحًا؛ فقد كان ينتظر هذه المغامرة، فهو يرى أن المغامرات هي الإجازة الحقيقية، وكانت رسالة الزعيم تطلب من الشياطين التوجُّهَ إلى جزيرة «مايوركا» الإسبانية، حيث يوجد العجوز «فورميو» أحد زعماء عصابات المافيا، لكنه كان قد تقدَّم في السن، وعندما تجاوز السبعين من عمره كتب مذكراتِه عن عصابات المافيا، وكان طوال هذه السنوات يُخفيها. وهذه المذكرات، تُقدِّم كلَّ المعلومات السرية عن عصابات المافيا وزعمائها. والوصول إلى هذه المذكرات يعني كشفَ المافيا وزعمائها وأعضائها وكل مشروعاتها السرية.
وقد عَلِم زعماء المافيا بهذه المذكرات، وعرفوا أنها إذا وقعَت في أيدي السلطات، فإنها سوف تكون نهايتهم … ودار هناك صراعٌ وسباقٌ حول المذكرات ومَن يصل إليها أولًا. وكان ضروريًّا أن يكون الشياطين داخل هذا السباق. إن المشكلة هنا ليست في وجود «فورميو» العجوز، فهو يمكن القضاء عليه أو خطفه، لكن المشكلة في أن «فورميو» قد أخفى المذكراتِ في مكانٍ سريٍّ، لا يعرفه أحد سواه. وكانت خطة الشياطين هي الوصول أولًا إلى قصر «فورميو» الأبيض الذي بناه في مدينة «بالما» على شاطئ الجزيرة. كانت هذه هي المغامرة. ولذلك رسم الشياطين خطَّتَهم على أن مجموعة منهم تضم «قيس» و«هدى» و«زبيدة» و«مصباح»، تذهب إلى «أصيلة» التي يُقام فيها في نفس الوقت مهرجان فني، ومجموعة أخرى تكون في «طنجة» قريبة من الأحداث، وتضم «بو عمير» و«ريما» و«باسم» و«إلهام» و«فهد»، أما المجموعة الأخيرة التي ستقوم بالعملية، والتي سوف تتجه إلى جزيرة «مايوركا»، فتضم «أحمد» و«خالد» و«رشيد» و«عثمان»، وانطلقَت كلُّ مجموعة إلى هدفها.
ووصلَت مجموعة «أحمد» إلى ميناء «كاستيلون» المقابل لجزيرة «مايوركا»، ومن هناك رَكِبَت المجموعة لنشًا حديثًا جُهِّز خصوصًا لهذه المغامرة، واتجهَت إلى «بالما» حيث قصر «فورميو» الذي يعيش فيه. لقد وقعَت عدة مغامرات للمجموعة، قبل أن تَصِل إلى «بالما»؛ فعصابات المافيا كانت تُحيط بكل مكان يَصِل إلى القصر. وعندما وصل لنش الشياطين إلى «بالما» وصَعِدوا إلى الشاطئ فوجئوا أنهم في حدائق قصر «فورميو». كانت مفاجأة غير متوقَّعة، ظهرَت على لسان حارس عملاق كان يتجول في الحديقة، لكنهم استطاعوا التغلُّبَ عليه، بعد أن عرفوا أن هناك نفقًا في الماء يؤدي إلى داخل القصر. وبسرعة أخذوا طريقهم إلى هناك، وعندما صعدوا سلالم القصر، كانت هناك مجموعة من الحراس … اشتبكوا معهم في معركة، وتغلَّبوا فيها عليهم ثم أخذوا ملابسهم، واتجهوا إلى القصر وكأنهم مجموعة من حراس «فورميو»، وعندما قابلهم قائد الحرس على باب القصر، عرفوا منه أن السيد «بيتر» هو سكرتير «فورميو»، فطلبوا لقاءَه لأمر عاجل، وصَحِبهم الرجل إلى داخل القصر، لكن أحدًا منهم لم يدخل؛ فقد دخل «أحمد» فقط. وعندما ظهر أمامه ذلك الرجل الحاد النظرات سأله: ماذا تريد؟
أجاب «أحمد»: أريد لقاء السيد «بيتر».
قال الرجل: هل تعرفه؟
ولم يُجِب «أحمد» بسرعة، فأدرك الرجل أن هناك شيئًا غامضًا، فقال وهو يُخفي ابتسامة: كيف لا تعرف السيد «بيتر» وأنت واحد من الحرس؟
ثم كشف عن ابتسامته، وقال: إنني «بيتر».
لكنَّ «أحمد» كان قد تشكك في الأمر، وأحس أن هذا الرجل ليس «بيتر»، فأنقذه من المشكلة اقترابُ أحد موظفي القصر، وقال قبل أن يَصِل إليهما: كلُّ شيء جاهز يا سيد «كوبر».
لقد كان الرجلُ مساعدَ «بيتر»، واسمه «كوبر»، ولم يكن هو «بيتر» نفسه. ظهر الغيظ على وجه «كوبر» ونظر إلى الموظف نظراتٍ حادة، في الوقت الذي تنفَّس فيه «أحمد»، ورسم ابتسامة صغيرة على وجهه. عادَت نظرات «كوبر» إلى أحمد وقال في حدَّة: ماذا تريد من السيد «بيتر»؟
ابتسم «أحمد»، وقال: إنها رسالة خاصة وخطيرة يا سيدي.
نظر «كوبر» إلى قائد الحرس، وقال له بحدَّة: كيف لا تعرف رجال الحرس؟
تردَّد القائد لحظة ثم قال: لا أظن أنني قابلتُه من قبل.
ظهرَت الدهشة على وجه «كوبر» ثم نظر إلى «أحمد»، وقال: من أيِّ مجموعة أنت؟
فكَّر «أحمد» بسرعة. إن أيَّ إجابة خاطئة، يمكن أن تكشفه، ويمكن أن تُوقعَ الشياطين في مأزق. قال بعد لحظة: إننا مجموعة النفق يا سيدي.
ظهرَت الدهشة على وجه القائد، وفي نفس اللحظة التي نظر فيها «كوبر» إليه، قال وكأنه يصرخ: ألَا تعرف جنودك يا سيد «باير»؟
ردَّ «باير» بسرعة: كيف يا سيدي لا أعرف جنودي؟ إن مجموعة النفق بالذات، هي آخر مجموعة وجَّهتُ إليها تعليماتي هذه الليلة.
أدرك «أحمد» أنه قد وقع في الفخ، وكان لا بد أن يتصرف. فقال مخاطبًا ﻟ «كوبر»: إن الأمر شديد الأهمية يا سيدي، وأي وقت يمرُّ سوف يكون خطيرًا … وسوف يمثِّل خطورة على السيد «فورميو». اكتسى وجهُ «كوبر» بالاهتمام، ثم قال: اتبعني!
ونظر إلى «باير» وهو يضيف: انتظر هنا!
وقبل أن يخطوَ خطوة ثانية قال مخاطبًا «أحمد»: هل أنت وحدك؟
ردَّ «أحمد» بثباتٍ: معي بقية المجموعة يا سيدي.
نظر «كوبر» إلى «باير» ثم قال: استدعِ بقيةَ المجموعة، واجعلهم تحت أمرك حتى أرى.
ثم انصرف وتَبِعه «أحمد». دخل غرفة، فدخل «أحمد» خلفه، ثم أغلق الباب. كانت غرفة مكتب. وقف كوبر عند المكتب، ونظر إلى «أحمد» نظراتٍ خاصة، ثم قال: ماذا عندك؟
ابتسم «أحمد» وهو يقول: عذرًا يا سيدي، إنني لا أستطيع التصريح بشيء إلَّا للسيد «بيتر» شخصيًّا ما لم يكن السيد «فورميو» موجودًا.
ظهرَت الحدَّة على وجه «كوبر» ثم قال في غضب: لقد احتملتُكَ كثيرًا أيها الشاب، فقل ما عندك قبل أن ينفدَ صبري!
لكن لهجة الغضب التي تحدَّث بها «كوبر» لم تكن تستطيع أن تهزَّ ثقةَ «أحمد»، فقال: يا سيد «كوبر» المسألة الخاصة التي أحملها، لا يمكن أن أقولها إلَّا للسيد «فورميو» … ثم سكت لحظة وأضاف مبتسمًا: ما لم يكن السيد «فورميو» موجودًا فسوف أضطرُّ إلى نقلها للسيد «بيتر».
قال «كوبر» في غضب مكتوم: وإذا لم يكن السيد «بيتر» موجودًا الآن؟
ابتسم «أحمد» وقال: أعرف أنه موجود. ثم أضاف بسرعة: إن حياة السيد «فورميو» في خطر.
لمعَت عينَا «كوبر» وهمس: ماذا تعني؟
ابتسم «أحمد» قليلًا، ثم قال: إنني لا أستطيع أن أصرِّحَ بأكثر من ذلك. ولقد قلت القليل، حتى تعرف أن المسألة في الواقع أكثرُ خطورة.
نظر له «كوبر» لحظة، ثم رفع سماعة التليفون الموجود على المكتب، وأدار القرص برقمين استطاع «أحمد» أن يلتقطَهما …
انتظر لحظة، ثم تكلم: هناك مسألة خطيرة يا سيدي تتعلق بحياة السيد «فورميو»، وأمامي شابٌّ يقول إنه يحمل رسالة خاصة …
ولم يُكمل كلامه؛ فقد كان الطرف الآخر يتحدث. فجأة قال «كوبر»: لا أدري يا سيدي.
ثم فزع قليلًا، ونظر إلى السماعة. ثم وضعها وهو ينظر إلى «أحمد» في غضب. ظلَّت نظرتُه ممتدةً وقد أصبحَت نظرةً جامدة، وقال: مَن أنت؟
ابتسم «أحمد» في هدوء وأجاب: يا سيد «كوبر»، إن معرفة اسمي لن تُضيفَ لك شيئًا، سواء كنت «جاك» أو «جون» أو «ديدموند»؛ فهي مجرد أسماء، أظن أنك لا تعرف أصحابها. إن المهم هو الرسالة، وأرجو ألَّا يمرَّ وقتٌ طويل، حتى لا تكونَ الرسالة قد فقدَت أهميتَها.
ضغط «كوبر» جرسًا … مرَّت لحظة، ثم فُتح الباب وظهر «باير»، فقال «كوبر» على الفور: اقبض عليه. يبدو أننا خُدعنا.
تقدم «باير» إلى «أحمد» لكن قبل أن يصل إليه. كان «أحمد» قد طار في الهواء، وسدَّد ضربة قوية إلى «باير»، فاصطدم بالحائط وترنَّح. في نفس اللحظة، كانت قدمُه الأخرى قد أخذَت طريقَها إلى «كوبر» لكنه أفلتَ منها. وقبل أن يستردَّ توازنه، كان «أحمد» قد قفز إليه، وهو يصفر صفيرًا خاصًّا، جعل الشياطين يدخلون الغرفة في لمح البصر. وفي هدوء، وقف «كوبر» ينظر لهم في دهشة. أما «باير» فقد سقط على الأرض دون حركة، ثم قال «أحمد»: حتى لا يحدث لك مكروه يا سيد «كوبر»، أرجو أن تستدعيَ السيد «بيتر».
نظر «كوبر» له لحظة، ثم رفع سماعة التليفون وأدار القرص بنفس الرقمين. ثم قال: هل يسمح سيدي بالحضور؟ إن الأمرَ مهمٌّ فعلًا.
وعندما كان يضع السماعة، كان «خالد» قد ضرب «كوبر» ضربة قوية جعلَته يسقط على الأرض. وتفرَّق الشياطين في الغرفة. واختبئوا خلف الستائر حتى لا يراهم أحد. في نفس اللحظة كان «أحمد» قد وقف قريبًا من الباب. في انتظار السيد «بيتر».